غزة.. الأوضاع الاقتصادية الصعبة تفسد فرحة الناجحين في الثانوية العامة

عدد المنح محدود والرسوم باهظة

TT

على مدى يومين، اضطر صالح أبو سمحة لإلغاء كل التزاماته والتفرغ لاستقبال المهنئين بنجاح ابنته، إسراء، في امتحان الثانوية العامة، وحصولها على معدل 98 في المائة، فكل ما في بيت العائلة الكائن في حي بركة الوز، غرب مخيم المغازي للاجئين، يشي بمدى الفرحة التي تغمر أفرادها بعد أن حققت إسراء هذه النتيجة الباهرة.

فعلى مدى الأيام الماضية انشغل الغزيون بتهنئة أسر الطلاب المتفوقين وتقديم الهدايا لهم، في حين تستعد الكثير من المؤسسات لتنظيم حفلات التكريم لهؤلاء الطلاب. وقد أعدت بعض المؤسسات العامة والخاصة برامج خاصة لمساعدة الطلاب المتفوقين، وتقديم مساعدات عينية ومالية لهم، وأعلنت الجامعات وبعض البلديات والمؤسسات الخيرية عن منح دراسية لهؤلاء الطلاب، وهو ما أثلج صدور ذويهم.

لكن نسبة الطلاب الذين يستفيدون من هذه البرامج محدودة، إذ إن هذه المؤسسات تشترط أن يكون الطالب الحاصل على المنحة قد حصل على معدل يتجاوز الـ90 في المائة، وهذا يعني أن عوائل الأغلبية الساحقة من الطلاب الذين نجحوا هذا العام ستكون مطالبة بتدبير شأنها، ودفع تكلفة التعليم من جيوبها، في ظل ظروف اقتصادية خانقة.

ومن بين هؤلاء فاطمة، إحدى الطالبات التي حصلت على معدل 85 في المائة، وتطمح في أن تدرس الفيزياء، لكن المشكلة تكمن في أن لها شقيقين يدرسان في الجامعة، أي أن والدها سيكون مطالبا بدفع الرسوم لثلاثة طلاب جامعيين، وهو ما يعني دفع أكثر من ألفين وخمسمائة دينار أردني كرسوم جامعية ومصاريف في كل عام، علما بأن والدها ليس إلا موظفا في إحدى الدوائر الحكومية، براتب لا تتجاوز قيمته الستمائة دولار في الشهر.

ويأمل والد فاطمة بأن يتمكن من إقناع إحدى الجمعيات بتخصيص منحة دراسية لابنته في الفصل المقبل، في حين أنها تأمل في أن تحصل في الفصل الدراسي الأول على امتياز، وهو ما يعني إعفاءها من دفع الرسوم في الفصل الذي يليه، كما تطمح في الحصول على امتياز في كل فصل، حتى يتم إعفاؤها من دفع الرسوم طيلة فترة الدراسة حتى تخرجها. ولقد ألقت الأزمة الاقتصادية وحالة عدم اليقين بشأن رواتب الموظفين، بالنسبة لموظفي حكومتي غزة ورام الله، بظلالها على فرحة طلاب الثانوية العامة الذين نجحوا ويتمنون الالتحاق بالجامعات الفلسطينية، لأن تأمين دفع الرسوم هو من الأمور التي تقلق الطلاب وعوائلهم.

يذكر أن متوسط سعر الساعة الجامعية في جامعات الضفة الغربية وقطاع غزة يبلغ 20 دينارا في كليات العلوم الإنسانية، في حين يتجاوز هذا المبلغ بشكل كبير إذا التحق الطالب بالعلوم الطبيعية والهندسة أو الصيدلة والطب. ومما يزيد الأمور تعقيدا، حقيقة، أن رهان الغزيين، كما هو الحال بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، على عوائد التعليم تراجعت كثيرا، بسبب الكم الهائل من الخريجين مقابل العدد المحدود جدا من فرص العمل المتاحة لهم، لدرجة أن الكثير من التخصصات التي كانت مطلوبة لسوق العمل، سيما في التدريس، لم تعد كذلك، مثل: الرياضيات، اللغة الإنجليزية، والمواد الاجتماعية والهندسة، وغيرها. فوزارة التعليم في حكومة هنية، ودائرة التعليم في وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين، تعلن عن أعداد محدودة من الشواغر في مجال التعليم، يتنافس عليها الآلاف من الخريجين.