سوريون لـ «الشرق الأوسط»: النظام لا يفرق في التعذيب بين الطوائف والأعمار

معتقل وشاب مطعون يرويان تجربتهما مع تجاوزات الأجهزة الأمنية

TT

تكشف روايات المواطنين السوريين يوما بعد الآخر عن تفاصيل جديدة في ما يخص التجاوزات التي تنتهجها الأجهزة الأمنية ضدهم، لترفع الحجاب عن الممارسات العدوانية والعشوائية بحق المدنيين العزل خلال قمع السلطات السورية وأجهزتها الأمنية للاحتجاجات الواسعة التي تضرب طول سوريا وعرضها منذ قرابة الخمسة أشهر.

فعبر الإنترنت، يحكي مواطن سوري سبق اعتقاله من اللاذقية، مشترطا عدم ذكر اسمه حرصا على حياته، عن أنه تعرض للإهانة والاعتقال على أيدي القوى الأمنية دون سبب واضح. ويقول المواطن لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أقف جانب منزلي في منطقة الصليبة (اللاذقية)، في أوائل مايو (أيار) الماضي، والطريق شبه خال لشدة البرود وهطول الأمطار، فجأة انشقت الأرض عن نحو عشرة عناصر أمنية، والتفوا نحو مشهرين أسلحتهم».

وتابع الشاب بصوت يملؤه الأسى «اتجهوا نحوي بنظرات عدوانية بالغة، من غير تفكير حاولت قدر استطاعتي الركض للهرب منهم، لكن الكثرة تغلب الشجاعة، فأمسكوا بي».

وبدا أن الشاب يغالب دموعه حين تحدث عن الاعتداء الذي تعرض له، قائلا: «أبرحوني ضربا لمدة ربع ساعة كاملة، مرت علي كالدهر كله.. ظلوا يكيلون لي اللكمات والضربات حتى وصلت سيارة الأمن. وفي السيارة، حيث رقدت خائر القوى، انفجرت أنزف مع كل ركلة ولكمة. والحقيقة أنهم كانوا عادلين، فلم يتركوا مكانا إلا وتركوا فيه علامة لوحشيتهم». ثم أنهى كلماته وقد تحشرج صوته بألم من نحيبه على نفسه وكرامته، حسب كلماته التي بدت حينها غير واضحة. ويواصل الشاب حديثه عن تجربته لكل وسائل التعذيب أثناء التحقيق، وتتحفظ الجريدة عن روايات الشاهد في ما يخص تعذيبه؛ للعنف البالغ في تفاصيلها، ولكنه ذكر أدوات للتعذيب سماها «الدولاب، بساط الريح، العجلة، إضافة إلى الضرب بالكابلات والعصي الكهربائية والجلد». المثير أن مكان احتجاز الشاب، الذي لا يتجاوز عمره الثلاثين عاما، كان يضم رفقة من رجال مسنين وعدد من الأطفال أقل من خمسة عشر عاما، قال عنهم بنبرة حزن عميقة: «كلهم مشاريع جديدة للبطل حمزة الخطيب».. وواصل الشاب حديثه بنبرة تملؤها السخرية قائلا «المساواة قائمة في الفرع الأمني، الجميع يتلقى التعذيب نفسه أيا كان سنه، طفلا أو شابا أو حتى مسنا».

وبعد نحو أسبوعين في الفرع الأمني، نقل الشاب إلى الأمن العسكري، حيث بقي هناك مدة مماثلة تعرض فيها لمثل ما تعرض له في الفرع الأمني، قبل أن ينقل بعدها لسجن مدني قال عنه «هو مثال لتخبط النظام وعشوائيته في الاعتقال».

ويروي الشاب، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يغادر سوريا أبدا حتى يرحل الأسد، أنه التقى سجينا مسيحيا كانت تهمته «التكبير»، ومسيحيا آخر كانت التهمة الموجه إليه أنه «سلفي»! ووجه الشاب حديثه إلى كل من يتهم السوريين بالطائفية قائلا «أقسم أن النظام هو الذي يزرع الطائفية، ففي السجن المدني كان المسيحي يضمد جراحي، والسلفي أكثر الناس قربا لي». ووجهت للشاب تهم الانتماء إلى جماعة سلفية وشتم الرئيس، وجرى تحويل أوراقه إلى القضاء العسكري، ولكنه خرج بإخلاء سبيل بانتظار تحديد موعد محاكمته.

ومن ريف دمشق، عبر الإنترنت أيضا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع شاب آخر تعرض لحادث طعن من قبل عناصر القوى الأمنية في منطقة الزبداني أثناء مشاركته في مظاهرة مسائية. ويقول الشاب الذي بدا عليه الإرهاق أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «اعتدوا علينا بالضرب بالعصي والسكاكين والعصي الكهربائية». ويصف الشاب تجربته قائلا «شعرت وكأنني ذبيحة تكاثر عليها الجزارون، لقد كان الضرب مبرحا لدرجة أنني فقدت الوعي من النزيف»، وتابع الشاب أنه ترك غارقا في دمائه لفترة قبل أن ينقذه الأهالي.

ويصف الشاب، الذي أنقذته العناية الإلهية من موت محقق، الوضع في دمشق وريفها قائلا «دمشق تعيش حالة حصار خانق، حملات الاعتقالات في كل مكان، ركن الدين والقابون وبرزة والميدان وغيرها كثير»، وبرر الشاب الثلاثيني عدم خروج دمشق في مظاهرات مؤيدة للثورة قائلا: «الحصار والاعتقالات تولد حالة كبيرة من الخوف عند السكان، الأسبوع الماضي اعتقل من دوما 840 شخصا، ومن ركن الدين قرابة 300، ومن القابون 1500، وبرزة 420 شخص، الحواجز العسكرية في كل مكان على مداخل المدن».. واختتم الشاب حديثه قائلا «دمشق أصبحت ثكنة عسكرية».

من جهة أخرى، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان له، إن الوضع الصحي للمعارض السوري نظير الصيفي، المعتقل لدى أحد الأجهزة الأمنية بدمشق منذ قرابة العشرة أيام، تدهور بشكل حاد ومؤلم يؤثر على حياته، خاصة أنه كان قد خضع لعملية قسطرة قلبية قبل أربعة أيام من اعتقاله.

وطالب المرصد بالإفراج الفوري عن الصيفي وحمل الجهاز الأمني الذي يعتقله مسؤولية المساس بحياته، كما أدان استمرار السلطات الأمنية السورية في ممارسة سياسة الاعتقال التعسفي بحق المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين، على الرغم من رفع حالة الطوارئ بالبلاد. كما طالب السلطات السرية باحترام تعهداتها الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي وقعت وصادقت عليها من قبل.