الميرغني لـ «الشرق الأوسط»: سأزور جوبا لإيجاد صيغة لوحدة جديدة

الزعيم المعارض قال إنه لم يشارك في احتفالات الجنوب لاتفاقه مع قرنق على الحفاظ على وحدة السودان

محمد عثمان الميرغني («الشرق الاوسط»)
TT

في أول حوار مع رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة السودانية، بعد انفصال جنوب السودان، أكد محمد عثمان الميرغني، في حوار مع «الشرق الأوسط»، تمسكه بوحدة السودان، حتى بعد انفصال الجنوب، وقيام دولته، وكشف عن زيارة مرتقبة إلى جوبا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من أجل إيجاد صيغة للوحدة أو للاتحاد بين الشمال والجنوب مرة أخرى.

وقال الميرغني الذي لم يحضر احتفالات دولة السودان الجنوبي بالاستقلال، إن حزبه لديه مسؤوليات وطنية وتاريخية ثابتة تجاه الحفاظ على وحدة السودان، وقال إنه وقع اتفاقية سلام مع زعيم الحركة الشعبية ومؤسسها الراحل الدكتور جون قرنق في أديس أبابا، في نوفمبر 1988، للحفاظ على وحدة السودان شماله وجنوبه، أرضا وشعبا.

وقال الميرغني، الذي من النادر جدا أن يتحدث إلى الصحافة أو وسائل الإعلام المختلفة، إنه أبلغ الرئيس عمر البشير بضرورة «حلحلة» مشكلات البلاد ومنع أي تداعيات سالبة، وإعمال الحوار الوطني الواسع بين كافة القوى السياسية، لمواجهة الأوضاع المترتبة على انفصال الجنوب وغيرها من القضايا المهمة. وكشف الميرغني عن مبادرة متطورة مصحوبة بآليات نافذة لتحقيق الوفاق الوطني الشامل.

وكشف الميرغني أيضا عن القضايا التي تناولها مع رئيس وزراء مصر عصام شرف، ومنها إطلاق الحريات الأربع من نمولي (أقصى جنوب السودان) إلى الإسكندرية شمال مصر، وحثه على ضرورة اضطلاع مصر بدورها المهم في المحيط الإقليمي، والتصدي للمعالجات الضرورية، خاصة في ليبيا، باعتبارها الجار اللصيق بالسودان ومصر.

* ماذا دار في لقائكم الأخير مع الرئيس عمر البشير؟

- الواقع، التقيت بالرئيس عمر البشير قبل سفري للقاهرة، وأبلغته بضرورة «حلحلة» مشكلات البلد، ومنع أي تداعيات سالبة، وضرورة أعمال الحوار الوطني الواسع بين كافة القوى السياسية السودانية لوضع خارطة طريق جديدة للحفاظ على سلامة الوطن، وللحيلولة دون انشطارات أو انشقاقات في السودان، وأن تعلو المصالح العليا على كل اعتبارات أخرى، والتأكيد على أن مسؤوليتنا الوطنية والقومية تستوجب التضافر والاتفاق على المبادئ والأهداف والسياسات لمواجهة التداعيات المترتبة على انفصال الجنوب وغيرها من القضايا المهمة.

* لماذا لم تشاركوا بالحضور في احتفالات قيام دولة السودان الجنوبي؟

- نحن لدينا مسؤوليات وطنية وتاريخية ثابتة تجاه الحفاظ على وحدة السودان، وقد وقعت اتفاقية في نوفمبر 1988م مع زعيم الحركة الشعبية الراحل، الدكتور جون قرنق في أديس أبابا للحفاظ على وحدة السودان شماله وجنوبه، وقد أبلغت الدكتور جون قرنق آنذاك بأن الحزب الاتحادي كان بمقدوره بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية في مجلس البرلمان والشيوخ في أول انتخابات عامة عام 1953م تحقيق الوحدة أو الاتحاد مع مصر، وهو الشعار الذي خاض به الانتخابات، ولكن الحكومة الوطنية برئاسة إسماعيل الأزهري رأت عندما فرغت من إجلاء القوات البريطانية وإحلال السودانيين مكان البريطانيين في الجيش والبوليس والخدمة المدنية، وجاءت لحظة تقرير المصير في عام 1955م، رأت أن أوضاع السودان آنذاك لا تسمح بالوحدة مع مصر، وأنه لا بد من توطيد القوميات في أمة سودانية واحدة ومعالجة الأوضاع في الجنوب، أي التركيز أولا على وحدة السودان ثم يأتي الترتيب لاحقا للوحدة أو الاتحاد مع مصر.

* هل تعتزمون القيام بزيارة للجنوب بعد أن تحول إلى دولة جارة؟

- في إطار ذات الأهداف والمبادئ التي التزمنا بها قبلنا الدعوة من الرئيس سلفا كير لزيارة جوبا وربما تتم في نوفمبر المقبل، وعبر مفهوم ورؤية واستراتيجية ثابتة، وتتمثل في ضرورة السعي في إيجاد صيغة للتلاقي في الوحدة مرة أخرى أو الاتحاد أو في أي شكل من أشكال الصيغ أو الاتفاقيات التي تحفظ وتؤمن الحفاظ على الوشائج والعلاقات والمصالح بين الشمال والجنوب، ولن نألوا في بذل الجهد نحو هذا الهدف الاستراتيجي، ولن تسقط راية الحفاظ على وحدة وسيادة السودان أبدا.

* كيف تنظر إلى القضايا الملحة في أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان؟

- هذه القضايا تعنينا تماما، ونوليها الاهتمام البالغ عبر المتابعة والاتصالات المباشرة مع كل الأطراف، وكذلك بإرسال الوفود للمساهمة في المعالجات الممكنة.

* وكيف تنظرون إلى اتفاق الدوحة الخاص بدارفور؟

- نحن نرحب بأي جهد مخلص وجاد في اتجاه تحقيق السلام، ونعتبر ما تم في الدوحة خطوة مهمة نحو الحل الشامل، وندعو كل الأطراف الدارفورية والفصائل المسلحة للالتحاق بعملية السلام من أجل توفير الاستقرار والأمان والخدمات لأهل دارفور.

* كيف يتحقق التوافق المطلوب لمواجهة التطورات الماثلة في السودان؟

- نعتزم طرح مبادرة لتحقيق الوفاق الوطني الشامل لمواجهة التحديات الجسيمة التي تهدد أمن السودان واستقراره وسيادته، بل وحدته وبقاؤه، ومنها تداعيات التدخل الأجنبي والانفلات الأمني والاستقطاب الحاد بين القوى السياسية والصراعات القبلية، إلى جانب قضايا المواطنين الملحة.

* هل تتضمن المبادرة أجندة محددة؟

- نعم، منها ضرورة الاتفاق على الدستور الجديد للبلاد، واستكمال تنفيذ اتفاقيات السلام، (اتفاق جدة الإطاري والقاهرة وأسمرة»، والإسراع بالحلول العاجلة لدارفور وأبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ومراجعة القوانين المرتبطة بالحريات العامة وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، إلى جانب خطة للتنمية الاقتصادية، وتحقيق الحياة الكريمة لكل المواطنين في السودان.

* هل تقدمتم بالفعل بهذه المبادرة للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني؟

- طرحناها أولا على الرئيس عمر البشير والمؤتمر الوطني، وكلفنا شخصيات بارزة لتسليمها للقوى السياسية الرئيسية في البلاد.. وكذلك كونا لجنتين للمتابعة وللتشاور حول الزمان والمكان المناسبين للقاء الجامع، وآمل أن يتم ذلك في وقت قريب، لأن الأوضاع الماثلة لا تحتمل الإبطاء أو الإغفال أو التأجيل.

* ماذا تناولتم في لقائكم مع رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف في القاهرة؟

- أولا: أقدر لرئيس وزراء ثورة مصر، الدكتور عصام شرف، مبادرته بلقائي على الرغم من المشاغل والقضايا المهمة التي يضطلع بها، ولقد نقلت إليه التمنيات الصادقة لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، والإشادة بالثورة الشعبية التي أعادت مصر العروبة إلى صدارتها، وأعادت أيضا الأمل والألق للوحدة بين شطري وادي النيل، فالحزب الاتحادي الديمقراطي أول من أطلق النداء الأول في مطلع الخمسينات لتحقيق وحدة الشعوب العربية.

* هل تعرضتم للتطورات الأخيرة في المنطقة العربية؟

- نعم، وشجعت على ضرورة اضطلاع مصر بدورها المهم في المحيط الإقليمي، ووجوب التصدي للمعالجات الضرورية، خاصة في ليبيا، لأن ما يجري فيها يعني بشكل خاص السودان ومصر باعتبارهما الجارين اللصيقين، والاستقرار فيها ضروري وحيوي للسودان ولمصر.

* هل تناولتم العلاقة مع الدولة الجديدة في الجنوب؟

- تلاقينا في التفاهم والرؤية بضرورة قيام علاقات أخوية وطيدة مع الجنوب الذي كان جزءا من السودان، وناديت أيضا بضرورة كفالة وإنفاذ الحريات الأربع بين مصر والسودان ودولة السودان الجنوبي لتحقيق التواصل والمنافع من الإسكندرية إلى نمولي، وهذا التواصل الإيجابي سيدعم الاستقرار والسلم على امتداد وادي النيل من الجنوب إلى الشمال.

* هل يعتزم الحزب الاتحادي الديمقراطي المشاركة في الحكومة المقبلة؟

- أولوياتنا الآن مواجهة ومعالجة المشكلات الماثلة في السودان، والتركيز على مبادرة تحقيق الوفاق الوطني الشامل للوصول إلى الحد الأدنى من الوفاق الوطني حول القضايا الراهنة، والاتفاق على أن مصالح الوطن تعلو فوق كل مصالح أخرى، «ولسنا مشغولين ولا مهمومين، لا بالسلطة ولا بالحكم ولا بالمشاركة وغيرها». فالقضية الأولى الوطن أولا، وربما لاحقا يأتي ما بعده.

* ما مغزى لقائكم مع زعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي بالقاهرة؟

- لقد زارني مشكورا في مقري بالقاهرة، وفي إطار التشاور مع القوى السياسية حول هموم وقضايا الوطن، وأبلغته بضرورة التصدي بحزم وحكمة بما يحفظ وحدة واستقرار الوطن وأطلعته على مشروع مبادرة الوفاق الوطني الشامل، ووعد بالاطلاع عليه، وإبداء موقف حزبه بعد العودة للخرطوم من القاهرة.