الشرق الأوسط» تدخل مخيم بونيون في جنوب تركيا: الخوف سيد الموقف.. وهاجس الكاميرات يؤرق «ضيوف تركيا»

لاجئ احتفظ بـ49 ألف دولار في خيمته فلم يغادرها.. و102 حالة حمل

جندي تركي يحرس الطريق المؤدية الى المخيم («الشرق الأوسط»)
TT

تحت حرارة الشمس القاسية التي تتجاوز الـ40 درجة مئوية، تلعب مجموعة من الأطفال في باحة مخيم «بونيون» الذي أقامته السلطات التركية لـ«ضيوفها» من السوريين، كما يسميهم المسؤولون الأتراك الذين يتجنبون استعمال كلمة «لاجئين»، وعلى مقربة منهم، فتح رجال من سكان المخيم ثغرة في الستار الذي يغلف سياج المخيم الشائك، ليعبر منها بعض الهواء يساعدهم في تحمل حرارة «تموز (يوليو) الذي يجعل المياه تغلي في الكوز» كما يقول المثل الشامي. «الضيوف» عبارة تستفزك لكثرة ما يرددها المسؤولون الأتراك لوصف مجموعة من الناس أتى معظمهم من دون أي متاع هربا من الخطر الذي يتهددهم في بلادهم.

الظروف المناخية القاسية التي جارت على سكان مخيم بونيون أكثر من غيرهم من سكان المخيمات الأخرى المحظوظين بوجود سقوف تظللها، كسقف مصنع التبغ القديم في القرية القريبة والذي يحتوي بضع مئات من اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى المنطقة القريبة من حدودهم بعد أحداث منطقة «جسر الشغور».

ومنذ انتهاء الأحداث، وتمركز القوات السورية على طول خط الحدود المفتوحة مع تركيا، بدأ عدد اللاجئين السوريين يتناقص، متأثرا بالظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون، وبالهدوء الذي يلف مناطقهم ولو على مضض. ومن لا يزالون في المخيمات التركية أصبح أكثر من 8 آلاف لاجئ بقليل، بعد أن كان العدد تجاوز في يونيو الـ15 ألفا.

«الشرق الأوسط» دخلت مخيم بونيون بإذن خاص، ومواكبة خاصة من وزارة الخارجية التركية، فاستطلعت أحوال ساكنيه، كما حاورت نائب حاكم ولاية هاتاي، وهو الكلام الرسمي الأول الذي يصدر عن الولاية التي تضم ما يعرف بالعربية «لواء إسكندرونة» ومنطقة أنطاكية التي تضم غالبية من الأتراك العرب.

يقع مخيم بونيون في منطقة مكشوفة تمتد على مسافة ينتشر فيها 580 شادرا تؤوي نحو 1900 لاجئ. هذا المخيم بني على عجل، ففي 9 يونيو كانت المنطقة عبارة عن سهل كبير، وفي ستة أيام فقط حولتها ولاية هاتاي إلى مخيم لاستقبال اللاجئين، فتم حفر الآبار الارتوازية لتأمين مياه الخدمة، كما تم تجهيز الحمامات ومجاري الصرف الصحي، بالإضافة إلى مد شبكة مياه الشرب إلى المخيم. فلكل 20 شخصا تم بناء مرحاض وحمام.

الإجراءات الأمنية في المخيم مشددة للغاية، الجيش التركي يحيط بالمخيم من كل الجهات، وقد أحيط المخيم بسور أمني، تراقبه 4 كاميرات على مدار الساعة لمنع دخول غير المرغوب فيهم، بالإضافة إلى منع خروج اللاجئين بغير تنظيم. فمعظم هؤلاء، هم من الذين عبروا الحدود من دون أوراق ثبوتية، فما كان على السلطات التركية إلا أن تصدق ما أبلغوها إياه من أسماء وتسجلها على أنها أسماؤهم ويبرر نائب حاكم ولاية هاتاي علي إرسلان طاش هذه الإجراءات بأنه «لو كان هؤلاء يحملون جوازات السفر لاستطاعوا أن يدخلوا إلى تركيا ويقيموا فيها أينما شاءوا لمدة 4 أشهر من دون تأشيرة وفقا للنظام المتبع بين البلدين منذ إلغاء التأشيرة بينهما قبل نحو عامين»، في عز «شهر العسل» الذي جمعهما سياسيا واقتصاديا وتجاريا. في بداية عملية اللجوء كانت العائلات متفرقة، غير أنه مع الوقت تم جمع شملها في المخيمات، بحيث خصصت كل عائلة بخيمة خاصة بها.

ويوضح المسؤول التركي أن من أسباب التضييق على الداخلين إلى المخيمات عامل الخوف الكبير لدى السكان، فهؤلاء يخافون من الملاحقة في حال عودتهم إلى بلادهم، وكلما رأوا كاميرا يهربون منها، مشيرا إلى أن هؤلاء يخافون أيضا على أقاربهم في سوريا من الملاحقة إذا ما تحدثوا أمام الإعلام، ولذلك - واحتراما لهم - نمنع عنهم اللقاءات.

السلطات التركية تحيط ضيوفها بالكثير من الإجراءات الأمنية بعد كلام عن محاولات اختراق أمنية ووجود جواسيس في المخيمات، وهو كلام يتردد بكثرة في أوساط اللاجئين، رغم أن إرسلان طاش ينفيه. الزيارة غير مسموحة إلا في أضيق الحدود وللأقارب فقط، رغم أن السلطات تغض الطرف أحيانا عن بعض من يدعي القرابة طالما أن من في الداخل يرغب بلقاء الزائر أيا يكن فهؤلاء «ليسوا أسرى بل ضيوفا، واجبنا حمايتهم وفي الوقت نفسه تأمين راحتهم» يضيف المسؤول التركي. مشيرا إلى أن هؤلاء «يمكنهم البقاء إلى ما شاءوا ولن يتم إجبارهم على القيام بأي شيء لا يرغبون فيه، وبالتأكيد لن يجبروا على الرحيل لأي سبب كان».. أما من يريد المغادرة إلى بلاده فالسلطات التركية تؤمن له المغادرة كما أتى، وذلك بنقلهم إلى المعابر غير الشرعية التي أتوا منها، ومن هناك يدخلون إلى سوريا على مسؤوليتهم الخاصة. ويشير إرسلان طاش إلى أن السلطات لا تسأل أحدا عن سبب رحيله «فكما لم نسألهم عندما أتوا لا نسألهم عندما يرحلون».

وهذا كله لا يعني عدم إمكانية مغادرة المخيم، بل إن السلطات تسمح للسكان بالخروج إلى مجمع تجاري كبير في أنطاكيا للتبضع، ثم تعيدهم إلى المخيم بواسطة سيارات خاصة، لكن هذا التبضع على حسابهم الخاص لأن السلطات التركية لم تقدم أي مساعدات نقدية. فالعديد من القادمين حملوا معهم بعض الأموال السورية، والدولارات التي بلغت كميتها مع أحدهم 49 ألف دولار أميركي، مما جعله يمتنع عن مغادرة خيمته خوفا عليها من السرقة، فكان أن لجأت السلطات إلى أخذها منه وإيداعها البنك باسمه.

حاولت السلطات التركية تزويد سكان المخيمات بوسائل الترفيه ووسائل متابعة الأخبار، فجهزت 3 صالونات كبيرة لمشاهدة التلفزيون على مدار الساعة، وزودتها بمشروبات باردة وساخنة مجانية. ويوضح إرسلان طاش أن نحو 150 شخصا يتحدثون العربية من موظفي الدولة التركية يقومون بخدمة «الضيوف» بينهم عدد لا بأس به من النساء، وبين هؤلاء حلاق للرجال وأخرى للسيدات. كما زود المخيم بمستشفى ميداني متكامل فيه 50 سريرا، وتداوم فيه مختصة بالولادة وطبيب أطفال وطبيب عائلة نهارا، وطبيب مناوب ليلا، فيما تتمركز سيارة إسعاف في المخيم على مدار الساعة تحسبا لأي طارئ لا يستطيع المستشفى الميداني التعامل معه. وقد أخضع جميع «الضيوف» إلى فحص طبي شامل. أما الأطفال من بينهم والذين تتجاوز نسبتهم الـ60 في المائة من سكان المخيم، فقد تم استكمال تطعيمهم بعد أن تم الاتصال بالسلطات السورية لأخذ برامج التطعيم المعتمدة في سوريا. أما فيما خص التعليم، فالأمر مختلف، إذ إنه من غير المتاح لهؤلاء الحصول على البرامج الدراسية السورية، بل المنهاج التركي في روضة الأطفال. وتوزع سلطات المخيم 3 مرات يوميا على اللاجئين حفاضات وحليب أطفال وطعاما خاصا لهم.

وقد وزعت السلطات التركية على اللاجئين الذين قدموا إلى تركيا بالإضافة إلى الثياب، والملابس الداخلية، أغطية وفرشا وحصائر للأرضية. ويشير إرسلان طاش متفاخرا بما قدمته تركيا إلى أن عائلة سوريا غادرت قبل 20 يوما إلى بلادها، تركت المخيم بواسطة 3 باصات كبيرة تم تأمينها من قبل السلطات، بعد أن كانت وصلته بباص صغير! «الإنتاج» لم يتوقف في المخيمات، فقد حصلت 32 حالة ولادة حتى اليوم، وهناك 102 أخريات من الحوامل ينتظرن دورهن. ويقول إرسلان طاش إن «الولاية» تجهد لتأمين متطلبات «الوحام» للاجئات، وأكثر هذه الطلبات هو «الحصرم الحامض» (العنب غير الناضج) بالإضافة إلى البطيخ. ويوضح ردا على سؤال ضاحكا أن العديد من حالات الحمل حصلت داخل المخيمات، فيما أتاها البعض الآخر وهو على هذه الحال.

ومن الطرائف، أن زوجين وصلا إلى المخيم فرا قبل يوم واحد على حفل زفافهما، فكان أن نظم الأتراك لهم زفافا في المخيم، وبعثوا بالعروسين إلى أحد فنادق أنطاكيا لقضاء «أسبوع العسل».

لائحة التقديمات التي يوردها أرسلان طاش تكاد لا تنتهي، خزان مياه خاص بالمخيم، مسجدان للرجال والنساء ونظام صوتي للأذان ورش المخيم ومحيطه بالمبيدات لمنع دخول الحشرات، كراسي مدولبة للعاجزين وكبار السن. الكثير من الخدمات تم تعديلها بناء على طلب السكان، فالنسوة السوريات رفضن الغسالات الأوتوماتيكية التي وضعت لهن، فكان أن تم تأمين أوعية خاصة للغسيل يستعملنها.

نظام الطعام بدأ جماعيا، من خلال 3 وجبات ساخنة تقدم يوميا، لكن اللاجئين ضغطوا لتأمين تناول الطعام في الخيم الخاصة بهم، وهذا ما حصل، كما تم رصف الطرق في المخيم بالإسفلت بعد أن تسببت أمطار يونيو في تحويلها إلى برك من الوحل. وتم تزويد المخيم بثلاجات للأدوية وحليب الأطفال، بالإضافة إلى ملعب لكرة القدم للرجال وتنظيم دورات تدريب مهني للنساء ودورات لتعليم الرسم على الماء.

التنسيق مع السلطات السورية معدوم فيما يتعلق باللاجئين، ورغم أن رئيس الهلال الأحمر السوري زار المنطقة وطلب دخول المخيم، فإن طلبه رفض «لأننا لا نستطيع تأمين حمايته في المخيم».