مسابقة لكتابة شعر ومقال عن مؤسس «القاعدة».. وتحريات حول الجهة المنظمة

TT

انتشرت الملصقات بمختلف أرجاء الحرم الجامعي لأكبر جامعة باكستانية، الشهر الماضي، تدعو الطلاب للمشاركة في مسابقة كتابة شعر ومقال لتأبين شخصية تاريخية كبرى قضت السنوات الأخيرة من عمرها في عزلة داخل باكستان.

من هي يا ترى هذه الشخصية الجديرة بكل هذا الثناء؟ إنه أسامة بن لادن.

ربما يندهش البعض من عقد هذه المسابقة هنا في جامعة البنجاب، وهي مؤسسة علمية عريقة يعود تاريخ إنشائها لقرن مضى، وتقع في مدينة لاهور الواقعة شرق البلاد، المشهورة بكونها عاصمة فنية وثقافية للبلاد، وخاصة أن الجامعة لم تشهد مظاهرات منددة بقتل بن لادن، الذي تم خلال غارة ليلية شنتها قوات خاصة أميركية داخل مدينة أبوت آباد الشمالية الحصينة.

بيد أن المفاجأة الكبرى لم تكن المسابقة نفسها، وخاصة أنها تأتي في بلاد أعرب 63 في المائة من أبنائها عن رفضهم للعملية التي أدت لقتل بن لادن، طبقا لمسح أجري في يونيو (حزيران) من قبل «مركز بيو للأبحاث». وفي الواقع كانت المفاجأة الكبرى هي النقيض تماما: فضل منظمو المسابقة عدم الكشف عن هوياتهم، ولم يطرحوا سوى عنوان بريد إلكتروني لإرسال الطلبات إليه.

على مدار ثلاثة عقود، ظل هذا الحرم الجامعي بمثابة معقل قوي لمجموعة طلابية إسلامية تدعى «جمعية الطلبة الإسلامية» (إسلامي جميات طلابا). وفرضت المجموعة بقوة تفسيراتها للإسلام على الطلاب، وحظرت الموسيقى والنشاطات الثقافية وأبدت استياءها من اختلاط الرجال والنساء خارج القاعات الدراسية. ويهاجم الحراس المتطوعون بها بانتظام الطلاب الذكور الذين يجلسون قرب زميلاتهم الفتيات، الأمر الذي أسفر عن نقل طلاب للمستشفى لتلقي العلاج. واقتحمت مجموعة من «جمعية الطلبة الإسلامية» مقر إقامة الطلاب من قبل ملوحين بأسلحة. وتنتشر داخل الحرم كتب معادية للغرب ومؤيدة للفكر الجهادي.

وبالنظر لما سبق، كان سيبدو طبيعيا أن تعقد المجموعة مثل هذه المسابقة، بل وتتباهى بها. إذن لماذا كل هذا الغموض؟. قال خورام شاه زاد، مسؤول العلاقات العامة داخل الحرم الجامعي، في إشارة للمسابقة: «نحاول معرفة من وراءها. نرى أن هذا نشاط سياسي مرفوض، وسيجري اتخاذ إجراءات عقابية ضد المنظمين».

وازدادت الإثارة المحبطة بالموضوع بإطلاق المنظمين السريين وعدا بإرسال الجوائز عبر البريد فقط. كما لم تعلن أسماء الفائزين.

دارت الشكوك في معظمها حول «جمعية الطلبة الإسلامية» لأنها لا تخفي حضورها داخل الحرم الجامعي وتفرض سيطرة وثيقة على أماكن مبيت الطلاب، حيث تعمد لتقديم النصح والتنبيهات للزائرين والمقيمين عبر ملصقات ومنشورات.

وقال صلاح الدين (20 عاما)، وهو طالب بكلية الإعلام، إنه غالبا ما يجد ملصقات ومجلات تنتمي لمجموعات إسلامية مختلفة مثل «جمعية الطلبة الإسلامية»، وجماعات محظورة في باكستان مثل «العسكر الطيبة» و«حزب التحرير»، يجري توزيعها داخل مكان مبيت الرجال. وقال: «شاهدت ملصقات تحث الطلاب على الجهاد». ويشتبه صلاح الدين في تورط «جمعية الطلبة الإسلامية» في المسابقة، لكن مثلما هو الحال مع كثير من الطلاب الآخرين والأساتذة والإداريين هنا، ليس لديه أي دليل يدعم رأيه. قطعا ليس من العسير العثور على صور لتأييد بن لادن داخل الحرم الجامعي. فمثلا، قال محمد تشانزيب (25 عاما)، زميل صلاح الدين في الغرفة، إنه يؤيد مسابقة تأمين بن لادن. وأضاف: «أسامة بطل بالنسبة للمسلمين. لقد قتلت أميركا مسلمين في العراق وأفغانستان».

وقال بروفسور نعيم خان، أستاذ علم الحيوان، وكان من بين مديري الحرم الجامعي، إنه في غضون ثلاثة أسابيع من مقتل بن لادن، بدأ كبير خطباء الحرم الجماعي في الإشادة به وحث المصلين على الدعاء له. وقال خان: «رفضت وانسحبت ومعي نفر قليل، لكن الكثير من الطلاب رفعوا أيديهم بالدعاء».

ومثلما هو الحال مع كثيرين آخرين، أعرب خان عن اعتقاده أن الإبقاء على هوية منظمي المسابقة سرية مجرد تكتيك لتجنب التعرض للإيقاف عن الدراسة أو الفصل. وأضاف: «لقد تعلموا من تجاربهم السابقة. في وقت سابق، اعتادت الجمعية الإعلان عن انتماءاتها، ولم يخجل أعضاؤها قط من وضع أسمائهم على ملصقات ومنشورات الجمعية، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت إدارة الجامعة في اتخاذ إجراءات ضد أمثال هؤلاء الطلاب». وأضاف خان الذي قال إنه طرد أكثر من 100 طالب ذوي ميول متطرفة خلال فترة عمله، أن المعتقدات المتشددة «تنتشر كالنار في الهشيم» في البلاد بعامة، وفي المؤسسات التعليمية التي تديرها الدولة خاصة.

وقال في إشارة إلى البيئة السائدة داخل الحرم الجامعي: «هناك مستوى متزايد من انتشار الفكر الراديكالي عاما بعد آخر».