ليبيا: ظهور تلفزيوني نادر ومفاجئ لرئيس الاستخبارات العسكرية.. والمقرحي

السنوسي يعترف ضمنيا بوقوع عملية للثوار بطرابلس وينفي إصابته ويهدد بالتحالف مع «القاعدة»

TT

فيما بدا أنه بمثابة ليلة الظهور التلفزيوني النادر، بث التلفزيون الرسمي الليبي الموالي لنظام حكم العقيد معمر القذافي لقطات مصورة لكل من عبد الله السنوسي، عديل القذافي ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وعبد الباسط المقرحي، المتهم الثاني في قضية لوكيربي.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، بثت قناة «الجماهيرية» الفضائية الليبية الليلة ما قبل الماضية لقاء مقتضبا مع السنوسي، في محاولة على ما يبدو لنفي ما أعلنته الحركة الوطنية لتحرير طرابلس عن إصابته في عملية عسكرية نوعية نفذتها مؤخرا في فندق «الشيراتون» بحي الأندلس في طرابلس، واستهدفت اجتماعا حضره كبار المسؤولين الليبيين، بمن فيهم سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي.

ولم توضح القناة تاريخ إجراء هذا اللقاء، الذي ضم السنوسي إلى جانب من يفترض أنهم بعض العناصر الإسلامية المتشددة الذين اعتقلتهم السلطات الليبية بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، ومحاولة القيام بعمليات إرهابية.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها السنوسي، أحد أبرز المقربين من العقيد القذافي وأبرز رجال خيمته البدوية الشهيرة، على هذا النحو، متحدثا إلى مواطنيه، كما أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها السنوسي علانية عن موقفه من الوضع السياسي والعسكري الراهن في البلاد.

وقال السنوسي إن نظام القذافي من الممكن أن يوحد جهوده مع تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية المتطرفة في ليبيا وخارجها، بما في ذلك الجزائر ودول الساحل والصحراء، لمواجهة العمليات العسكرية التي يشنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد القوات العسكرية والكتائب الأمنية التابعة للقذافي.

ويقول معارضون ليبيون إن السنوسي الذي ينحدر من قبيلة المقارحة، ومتزوج من أخت السيدة صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي، يعتبر أبرز المسؤولين عن مذبحة سجن أبو سليم، التي وقعت عام 1996، التي راح ضحيتها أكثر من 1200 شخص.

ووصفته برقية دبلوماسية أميركية سرية نشرها موقع «ويكيليكس» مؤخرا، بأنه ظل القذافي، والمشرف على كل ترتيباته الشخصية، بما في ذلك مواعيده الطبية، مشيرة مع ذلك إلى أنه شخص مصاب بالخوف والرهاب الشديدين.

وقال السنوسي، الذي أقيل من منصبه كرئيس للكتائب الأمنية في شهر مارس (آذار) الماضي، ويشغل حاليا منصب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، إن خبر مقتله أو إصابته هو خبر مفبرك ومجرد دعاية. لكنه أكد أنه كان يعقد في نفس التوقيت اجتماعا مع بعض المسؤولين الذين لم يكشف هويتهم ولا مكان اللقاء، مضيفا: «كنت مجتمعا مع زملاء وغادرت الاجتماع ولم يقع علي أي اعتداء من أي نوع».

واعتبر السنوسي، الذي حكم عليه القضاء الفرنسي بالسجن مدى الحياة، على خلفية تورطه المحتمل في تفجير طائرة تابعة لشركة «يوتا» الفرنسية، وقتل نحو 170 من ركابها عام 1989، أن من يقاتلون تحت راية الصليب وحلف الناتو ليسوا بمسلمين، معربا عن استغرابه لقيام الغرب الصليبي بدعم هؤلاء الإرهابيين.

وقال: «عملنا جاهدا من أجل القضاء على الإرهاب، والغرب الآن يدعم هذا التطرف ويدعم (القاعدة)، وباعتباري مطلعا في هذا الشأن أستغرب هذه التحالفات، لكن ما دام الغرب يتحالف مع (القاعدة) والتطرف الإسلامي ويقاتلون سويا في خندق واحد، علينا أيضا أن نفكر في تغيير طريقة الحرب هذه». وأضاف: «إذا كان الغرب يدعم هؤلاء المتطرفين، من الممكن أن نرسل ليبيين وعربا ومسلمين، (القاعدة) موجودة في الجزائر والساحل والصحراء، وقريبون منا، وبفضل الناتو وجدت في ليبيا، يمكننا أن نتفاهم مع بعض، وعلى الغرب أن يفهم أننا من الممكن أن نغير تحالفاتنا، وليكن ما يكون».

وردا على سؤال حول الأشخاص الجالسين أمامه، الذين عرفوا أنفسهم خلال اللقاء الذي أداره يوسف شاكير، المعارض الليبي السابق، الذي يظهر يوميا في برنامج تلفزيوني لحشد التأييد لنظام القذافي، على أنهم مدرس وخطيب مسجد وأحد الضباط السابقين، قال السنوسي: «هم خططوا ويخططون ولهم برنامج كبير في طرابلس، لكن الأمن موجود والشعب الليبي واعٍ وصاحٍ، وطرابلس فيها مليون و750 ألف نسمة، وقادرة على أن تحمي نفسها، وأن (تدوس) بأقدام الجماهير على أي شخص يريد التطاول عليها». في المقابل، تمسك فايز الغرياني، المنسق العام للحركة الوطنية لتحرير طرابلس، برواية التنظيم السري الذي يعتبر الجناح العسكري لمجلس طرابلس، بأن الحركة نفذت بالفعل عمليتها الأخيرة باستخدام صواريخ الـ«آر بي جي». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي من مقره في جزيرة جربة التونسية، أن ما يدلل على فبركة اللقاء الذي بثه التلفزيون الليبي الرسمي، مساء أول من أمس، هو أن أحد الثلاثة الموجودين فيه يدعى الشيخ منير من حي سوق الجمعة في طرابلس، ومعتقل منذ نحو 45 يوما.

وأكد أن الحركة الوطنية لتحرير طرابلس بصدد إصدار شريط فيديو للعملية المصورة لكي يتأكد الجميع من صحة روايتها، مشيرا إلى أن ضو منصور، قائد الكتائب الأمنية، يتلقى العلاج بالفعل في أحد المستشفيات التونسية، وأنه شوهد بمرافقة آخرين يعبر الحدود الليبية - التونسية، بعدما أصيب بجروح بالغة في هذه العملية التي نجا منها سيف الإسلام القذافي ورئيس الوزراء الليبي، البغدادي المحمودي. بموازاة ذلك، وفي ظهور علني نادر، شارك عبد الباسط المقرحي، الليبي المدان في قضية تفجير طائرة «بان أميركان»، فوق لوكيربي باسكوتلندا عام 1988 في حشد مؤيد للقذافي.

وظهر المقرحي، الذي عاد إلى ليبيا عام 2009، بعد أن أطلق سراحه من سجن اسكوتلندي كان يقضي فيه عقوبته على أساس إصابته بسرطان قاتل، في اللقطات التلفزيونية المقتضبة التي لم تتجاوز عشر ثوان فقط، وهو يجلس على مقعد متحرك في اجتماع لقبيلة المقارحة التي ينتمي إليها في طرابلس. وبدا أن ظهور المقرحي هو بمثابة أول رد فعل ليبي رسمي على إعلان وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أن بلاده ستعترف بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره الحكومة الشرعية لليبيا، وستطرد كل العاملين الحاليين في السفارة الليبية من لندن.

وأدين المقرحي عام 2001 لقيامه بدور مهم في تخطيط وتنفيذ لتفجير الطائرة، مما أدى إلى مقتل 270 شخصا، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، علما أن الإفراج عنه أغضب بشكل واضح الولايات المتحدة، كما أحرج الحكومة البريطانية بعدما استقبل استقبال الأبطال.

وعاد المقرحي إلى ليبيا برفقة سيف الإسلام، نجل القذافي، الذي قال لاحقا إن بلاده وظفت علاقتها الاقتصادية مع بريطانيا للإفراج عنه لأسباب صحية.