مصر: «أرض المعارض».. شهدت محاكمات 1971 وقتلة السادات

أنشئت لعرض المنتجات الزراعية والصناعية

مظهر عام لأرض المعارض بالقاهرة حيث ستتم محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك (إ.ب.أ)
TT

لم يكن الضباط الأحرار يعلمون أنها ستشهد على نهايات أبنائهم تباعا، فمباني أرض المعارض الأحد عشر بمدينة نصر، التي بنيت عقب قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في نهاية الخمسينات بالبدء في التعمير في منطقة مدينة نصر لاستيعاب التوسع العمراني بعيدا عن المناطق الزراعية ومناطق تكدس السكان، كانت الشاهد تباعا على محاكمات أهم الشخصيات وأكبر القضايا طوال أكثر من أربعة عقود منذ إنشائها.

ومنذ ذلك الحين وأرض المعارض بمدينة نصر تحتل موقعا مهما في قلب الحياة الاقتصادية والمعمارية المصرية، لدورها في استقبال كافة المعارض الاقتصادية والزراعية والصناعية والتكنولوجية.. بالإضافة إلى كونها أول مبان في الشرق الأوسط أنشئت بأسلوب القطع المكافئ المركب، وهو نظام إنشائي ومعماري يوظف أقل مادة للإنشاء لإيجاد أكبر فراغ ممكن.

ولكن أحدا لم يكن يتوقع أن المباني التي أبدعها مهندسو ثورة يوليو (تموز) 1952 المصريون، ستكون يوما شاهدا على نهاية الرؤساء الذين خرجوا من رحم هذه الثورة تباعا، وآخرهم مبارك نفسه الذي دأب نظامه على تجميل وتطوير هذه المباني لتشهد احتفالات الحزب الوطني (المنحل) أو معارض حكومة مبارك ومفاخرها.

ففي عام 1971 شهدت أرض المعارض بقرار من الرئيس الراحل محمد أنور السادات المحاكمات الخاصة بأحداث مظاهرات الطلبة ضد السادات، وهو العام ذاته الذي شهد تصفية السادات لرموز نظام عبد الناصر، إلا أن أرض المعارض أبت إلا أن تشهد نهاية السادات نفسه.. وفي المكان ذاته، وبعد ما يناهز العشر سنوات، عقدت محاكمة المتورطين في اغتيال السادات، والتي بلغ عدد المتهمين فيها أكثر من 300 متهم. واستدعت محاكمة قتلة السادات، حيث أمر الرئيس السابق مبارك ببناء قاعة خاصة في أرض المعارض في مدينة نصر لهذا الغرض.

هذه المباني تظل أيضا شاهدة على محاكمات جرت في عهد مبارك، الذي تولى الحكم عقب اغتيال السادات، وكانت أهم تلك المحاكمات تلك الخاصة بقضايا الشروع في قتل حسن أبو باشا، الذي شغل منصب وزير الداخلية في الفترة من 1982 إلى 1984 ثم عين وزيرا للحكم المحلي في العام نفسه، وقبلها تقلد الكثير من المناصب في قطاع الأمن، كما يعد أحد أبرز أصحاب البصمات الواضحة في مجال محاربة التطرف والإرهاب.. بالإضافة إلى قضية تنظيم الجهاد والهجرة في ثمانينات القرن الماضي، وهي الجماعة التي نظمت الكثير من العمليات الإرهابية في مصر، واختطفت الشيخ محمد حسين الذهبي، وزير الأوقاف المصري الأسبق، في صيف عام 1977 وساومت السلطات على مطالب عدة، ثم قتلوه حينما رفضت مطالبهم.

ويبدو أن أرض المعارض دوما على موعد مع الأحداث الكبرى، فبعد أن شهدت محاكمة المتهمين في قضية تنظيم التكفير والهجرة وقضية حسن أبو باشا التي عرفت إعلاميا باسم «الناجون من النار»، شهدت كذلك قضية قتل رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، الذي اختاره الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1972 في منصب وزير برئاسة الجمهورية، ثم تقلد مناصب عدة في عهد السادات منها نائب رئيس الوزراء، كما تولى في عهد مبارك رئاسة مجلس الشعب المصري التي ظل يتولاها إلى أن تم اغتياله في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1990 خلال عملية نفذها مسلحون تمت محاكمتهم أيضا بأرض المعارض بمدينة نصر، نظرا لأهمية الرجل وجسامة الفعل.

وبعد أكثر من عقدين من الزمان تعود أرض المعارض للواجهة من جديد لتستقبل هذه المرة الرئيس السابق حسني مبارك، لا ليفتتح معرض القاهرة الدولي للكتاب كعادته، والذي تأجل عقب اندلاع الثورة، ولكن ليقف في قفص الاتهام هذه المرة في الثالث من أغسطس (آب) المقبل، متهما في قتل المتظاهرين سلميا أثناء ثورة 25 يناير، ليكون مبارك أول رئيس يشيد صرحا ليشهد محاكمته.

ورغم كون أرض المعارض المكان الأنسب لدى البعض لما سيحققه ذلك من شفافية وعلانية في محاكمة مبارك ورموز نظامه، فإن طرحها على الساحة، خاصة أن المحاكمة ستكون خلال شهر رمضان، جعل الأمر أكثر تعقيدا، لأنها ستكون عاملا للضغط على الرأي العام لقبول نقل المحاكمة لشرم الشيخ خوفا من إصابة حركة المرور في القاهرة بحالة من الشلل المروري.

وعلى الرغم من كثرة المحاكمات التي شغلت الرأي العام محليا وعالميا واهتمام وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، فإن محاكمة مبارك ستكون ذات طابع خاص ليس فقط لكونه أول رئيس مصري أو ربما أول رئيس يحاكم في بلده وليس في جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية، ولكن أيضا لما قد تشهده هذه المحاكمة من أحداث يترقبها الجميع دون أن يعرف أحد ما يمكن أن يحدث.