تونس: أعضاء «التجمع» المنحل يسيلون لعاب الأحزاب

بعضها يعول على خبرتهم في إدارة الاجتماعات والقرب المتواصل من التونسيين لمدة فاقت 20 سنة

TT

لم يسقط منتسبو حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل من حسابات الأحزاب السياسية التي سعت بطرق عدة لاستقطاب أعداد هامة منهم. وتعول بعض الأحزاب على الخبرة التي يتمتع بها هؤلاء في إدارة الاجتماعات والقرب المتواصل من التونسيين لمدة فاقت 20 سنة بالنسبة لمعظمهم. وتتنافس الأحزاب التي تأسست بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي مع الأحزاب الحاصلة على تراخيص قبل الثورة على أكثر من مليوني منخرط في حزب التجمع الذي حكم تونس مدة فاقت 23 سنة، واعتبر امتدادا للحزب الاشتراكي الدستوري الذي حكم تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956. ولئن سعت تلك الأحزاب لاحتضان المنخرطين العاديين من حزب التجمع المنحل، فإنها استبعدت بالضرورة القيادات الحزبية، وأصحاب المناصب والنفوذ من حساباتها. وعملت الكثير من الأحزاب السياسية بصفة تدريجية لتبرئة منخرطي التجمع من المشاركة المباشرة في الجرائم السياسية والاقتصادية التي ارتكبها نظام بن علي، وصورتهم في مرحلة لاحقة على أساس أنهم كانوا بدورهم ضحايا بطش الآلة الحزبية، وأنهم عانوا من نظام بن علي مثل بقية التونسيين.

وعملت تلك الأحزاب في مرحلة لاحقة، ومع اقتراب موعد انتخابات المجلس التأسيسي المقررة يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) القادم، على ضم الآلاف منهم إلى صفوفها، مشترطة عليهم ثقافة سياسية مختلفة عما تعودوا على تنفيذه خلال عهد بن علي.

وكانت البداية بالرجوع إلى عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، مؤكدين على انحراف التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل عن المبادئ الحزبية لحزب بورقيبة، وعن الغايات الكبرى للعمل السياسي وإفراغ التجمع من مجمل أفكاره ورؤاه السياسية التي ميزت العقود الأولى لحكم بورقيبة. وظهرت تبعا لذلك أحزاب نسبت نفسها إلى العهد البورقيبي.

ورغم تأكيد معظم الأحزاب على استبعاد المنتمين لحزب التجمع المنحل، فإن أغلبية تلك الأحزاب تسعى لاحتوائهم وأصبحوا تبعا لذلك مطمعا للكثير من الأحزاب بعد احتدام الصراع حول مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، وبات الحديث عن استقطابهم موضوعا عاديا.

وفي سياق ذلك، قال محمد القوماني، الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية لـ«الشرق الأوسط»: إن الحزب غير معني مباشرة بهذا الاستقطاب، ولم يتعرض حتى الآن إلى وضعيات عويصة تتطلب التدخل من قبل المكتب السياسي لحسم مسألة الانخراط من عدمه، إلا أن طريقة التعاطي مع الموضوع تستبعد بطبيعة الحال رموز حزب التجمع وكوادره المحلية والجهوية وكل من له سوابق على مستوى الكسب السريع واستغلال النفوذ والاعتماد على البطاقة الحمراء (لون بطاقة التجمع) لقضاء شؤونه وتجاوز القانون.

ونفى القوماني أن تكون بعض الأحزاب قد نصبت «محاكم تفتيش» في سير المنخرطين القدامى في التجمع المنحل، وقال إن قائمة المحرومين من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي التي ستكشف عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستحدد ما بين 14 و18 ألف منخرط في التجمع المنحل، مشيرا إلى أن حزب الإصلاح والتنمية لن يتعامل مع الأسماء التي ستتضمنها القائمة، وأنه أوكل مهمة التعرف على المنخرطين إلى هياكله على المستوى الجهوي والمحلي فهم أدرى بالأشخاص وبسيرهم الذاتية خلال عهد بن علي، وربما قبل ذاك التاريخ. واعتبر القوماني أن منخرطي حزب التجمع المنحل لن يكونوا كما يتبادر إلى ذهن بعض السياسيين لقمة سائغة في أفواههم، بل إن التعامل معهم قد يتطلب أدوات إضافية قد لا تتوفر لدى بعض الأحزاب، خاصة تلك التي رأت النور بعد 14 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وبدوره، قال عبد القادر الزيتوني، الأمين العام لحزب تونس الخضراء (حزب بيئي) لـ«الشرق الأوسط»: إن الحزب لم تعترضه مشاكل انخراط أعضاء التجمع منذ حصوله على الترخيص في 17 يناير الماضي. واعتبر أعضاءه من بين النخبة الاجتماعية والثقافية المؤمنة بالتوجه البيئي، وهي فئة لم تحظ بالكثير من الأهمية في عهد بن علي، مشيرا إلى أنها تمكنت بعد الثورة من التعبير عن آرائها البيئية، أاعدت دراسات هامة حول مستقبل تونس. وقال إن الحزب يستقطب كل المؤمنين بالبيئة دون استثناء لأنه يدرك تماما حجم المشاكل التي قد تطرأ له مع أعضاء في التجمع كانوا يمنعون حزبه من العمل السياسي منذ تكوينه رسميا سنة 2004.

وتطرق علي العريض، القيادي في حركة النهضة، إلى الموضوع من زاوية أخرى، فأكد أن الحركة لم تحدد سياسة محددة لاستقطاب أعضاء التجمع المنحل، وهي تتوجه بمشروعها السياسي والحضاري لكل التونسيين، وتبقي الأبواب مفتوحة للجميع باستثناء الضالعين في الفساد السياسي والمالي. واعتبر العريض معاملة النهضة للمنخرطين البسطاء في التجمع مثل معاملة بقية التونسيين بشرط إيمانهم بمشروع الحركة واختياراتها المختلفة.