القائد السابق للواء الرد السريع يعتبر اتهامه بالرشوة قضية سياسية دبرها مسؤولون شيعة

العمليات ضد الميليشيات الشيعية تراجعت منذ اعتقاله.. والأميركيون أخفقوا في مساعدته

TT

عندما نجح قائد إحدى وحدات مكافحة الإرهاب العراقية، هارب من تهمة تلقي رشوة، من الفرار من محاولة لإلقاء القبض عليه في وقت سابق هذا العام، تم التقاط فيديو للمعركة التي تمت بين حراسه الشخصيين والشرطة ونشر على موقع «يوتيوب». تم تسريب هذا الفيديو بواسطة مسؤولين أميركيين يعتقدون أنه بريء ويريدون أن يشككوا في مصداقية التحقيق العراقي عن طريق وصف هذه العملية بأنها أشبه بسيرك، وذلك وفقا لما ذكره القائد وشخصان آخران متورطان في القضية.

إن مصير هذا القائد يعد بمثابة قصة عراقية فريدة للتآمر المرتبط بتهم فساد وروايات متضاربة للحقيقة، كما توضح التوتر بين الولايات المتحدة التي توشك على الانسحاب وبين الحكومة العراقية التي تميل إلى إبداء قوة متزايدة في مواقفها.

ربما تكون الحقائق مبهمة في هذه القضية، لكن على الأقل هناك نتيجة واحدة واضحة، وهي أنه بينما يقبع القائد في السجن انتظارا للمحاكمة، تكون الولايات المتحدة قد خسرت شريكا مهما في قتالها ضد ميليشيات شيعية مسؤولة بصورة كبيرة عن وصول معدلات القتل في المعسكر الأميركي إلى أعلى مستوياتها خلال ثلاث سنوات. وذكر مسؤولون أميركيون أنه منذ اعتقال القائد، توقفت العمليات المشتركة مع لوائه تقريبا.

هذا القائد هو اللواء الركن نعمان داخل، سلم نفسه لاحقا، وكان قائدا للواء الرد السريع، وهي وحدة قوات خاصة تتبع وزارة الداخلية. ويجلس الآن في حجرة شديدة الحرارة في قسم الشرطة بالمنطقة الخضراء، مرتديا قميصا من ماركة «أديداس» أمام مائدة تتكدس عليها نصوص دينية وخمسة هواتف جوالة. ويوضح اللواء داخل أنه في بداية هذا العام تعاون مع وحدات أميركية في جنوب العراق للتركيز على الميليشيات التي قامت بمهاجمة قواعد الولايات المتحدة بالصواريخ.

وأضاف «بعد استهداف هؤلاء الرجال أوقفوا عملياتهم». وأضاف أنه «الآن، أصبحت هناك هجمات يومية تستهدف الأميركيين».

وذكر ميجور جنرال جيفري بوكانون، كبير المتحدثين باسم المؤسسة العسكرية الأميركية في بيان له، أن «العمليات ضد هذه الميليشيات تراجعت بصورة واضحة منذ اعتقال اللواء داخل».

ويعتقد اللواء داخل أنه أثار غضب قادة سياسيين وعسكريين عراقيين على علاقة بهذه الميليشيات. وأضاف اللواء، وهو شيعي: «جميع الرجال الذين عملوا ضدي هم من الشيعة».

وقد ترتب على التحقيقات المستمرة تداعيات واسعة النطاق، فبعد اعتقال اللواء في مارس (آذار) بتهمة تلقي 50.000 دولار رشوة في صفقة بناء منشأة عسكرية جديدة، حاول بعض المحققين الأميركيين المشاركة في عملية التحقيق التي يرأسها رحيم العكيلي، رئيس هيئة النزاهة العراقية التي تعد أكبر جهاز مكافحة فساد في البلاد.

واشتكى العكيلي من تدخل السفير الأميركي جيمس جيفري. كما تم زجر مسؤولين أميركيين على الأقل بسبب التدخل في التحقيقات العراقية وطلب من أحد هؤلاء المسؤولين مغادرة البلاد. ولم يجد التحقيق الداخلي الذي أجراه المفتش العام بوزارة الداخلية أي دليل يشير إلى موافقة اللواء على الرشوة. وأوضح أن القضية قد تم تلفيقها إليه بواسطة مسؤولين عراقيين آخرين حاقدين عليه لأنه قام بإقصاء أحد أقارب أحد المسؤولين من وحدته.

ويذكر العكيلي أن هناك دليلا وهو عبارة عن شريط فيديو لعملية تبرر الاستمرار في توجيه اتهامات جنائية للواء. لكن أفاد بعض الأشخاص الذين شاهدوا الفيديو بأنه ليس قاطعا. ويعتقد العكيلي أن الفساد قد تجاوز اللواء داخل، وأضاف أنه اكتشف معلومات، رفض ذكر تفاصيل عنها، تشير إلى تورط أميركيين في قضية الفساد التي أوقعت بداخل.

وقال: «أبلغنا المفتش العام الخاص بالجانب الأميركي بالمعلومات التي بحوزتنا بخصوص الأميركيين، وأعطيناهم جميع المعلومات التي تخص القضية، لكن للأسف عمل الأميركيون ضدنا في القضية».

وأكد ستيوارت دبليو. بوين، المفتش العام الأميركي المختص بإعادة إعمار العراق، أن مكتبه قد حقق في القضية ليتأكد مما إذا كان الأميركيون متورطين في أي صفقة بناء وإعمار فاسدة.

وذكر مسؤولون عراقيون أن القوات الأميركية حاولت إخراج اللواء من السجن بالقوة وذلك في أبريل (نيسان). وذكر العكيلي أن القوات «حاولت إطلاق سراح اللواء نعمان من السجن، لكن قوات الأمن العراقية رفضت تسليمه». وأضاف «اندلعت معركة بينهم باستخدام الكلمات، وليس الأسلحة».

وأنكر الجيش الأميركي محاولة الجنود إخلاء سبيل اللواء، لكنه يقر بـ«الجدال اللفظي» الذي حدث وانتهى سريعا في السجن الذي يعتقل به اللواء. وذكر اللواء داخل أن الكثير من جنود القوات الأميركية الخاصة جاءوا إلى السجن لوداعه قبل عودتهم إلى ديارهم، ولكنهم طردوا مما تسبب في اندلاع الشجار اللفظي الذي حدث.

وقد قلل مسؤول بارز في السفارة الأميركية في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، من أهمية وصف المسؤولين العراقيين لما حدث، وذكر أن غالبا ما تحدث بعض المواجهات بطبيعة الحال حال التقاء أفراد ينتمون لقوتين عسكريتين. وأضاف «إذا لم تحدث معركة بالأسلحة فلا تعد هذه مواجهة حقيقية».

وقد تم استبدال اللواء داخل بآخر جديد يعتقد أن له علاقة بجيش المهدي، الميليشيا الشيعية المنحلة حاليا التي يسيطر عليها مقتدى الصدر، رجل الدين المعادي للأميركيين، والذي تربطه علاقات وثيقة بالنظام الإيراني، ويتهمه الجيش الأميركي بدعم هجمات على الجنود الأميركيين.

وقد تعاونت قوات اللواء داخل بصورة وثيقة مع قوات البحرية الأميركية وأفراد «القبعات الخضراء»، ويشهد مسؤولون أميركيون بحسن قيادته.

وقال الكولونيل سكوت براور، قائد العمليات الخاصة المشتركة الموحدة في شبه الجزيرة العربية، الذي أشار للواء داخل باسمه الأول كما هو شائع في العراق «كان لدينا علاقة جيدة للغاية مع اللواء نعمان فقد كان شريكا رائعا».

وذكر مسؤول السفارة «ليس هذا أمرا ثانويا. لقد كان وحدة أساسية وقائدا مهما. كانت لدينا علاقات وثيقة الصلة معه من الناحية المهنية ورأينا أنه قائد ومحارب من الطراز الأول، لكن لا صلة لذلك بمدى صحة التهم الموجهة إليه».

وعند مناقشة القضية تذكر بعض المسؤولين العراقيين من بينهم العكيلي حادث 2006 عندما هرب أيهم السامرائي، وزير الكهرباء السابق، والذي كان يحمل الجنسية الأميركية، من السجن بعد اعتقاله بتهم فساد. وشك العراقيون كثيرا في تورط أميركا في هذا الأمر. وبينما ينتظر اللواء داخل محاكمته، لم تجده نفعا صلاته الوثيقة بالأميركيين. وقال «لقد حاولوا مساعدتي بأي وسيلة يستطيعون تقديمها، لكنهم يعلمون أنها قضية سياسية».

* خدمة «نيويورك تايمز»