استقالة جماعية لقيادة الجيش التركي تفجر الأزمة الصامتة

مصادر رئاسة الحكومة التركية لـ «الشرق الأوسط»: من «تقاعدوا» سيعين بدلاء لهم.. وأردوغان لن «يساوم على القانون»

TT

انفجرت الأزمة الصامتة بين المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها «حامية العلمانية» والحكومة ذات الجذور الإسلامية، بإعلان قيادة الجيش استقالتها الجماعية نتيجة وصول مفاوضاتها مع الحكومة إلى حائط مسدود في قضية الضباط المعتقلين على ذمة تحقيق واسع يجري منذ أكثر من عام في محاولة انقلاب مزعومة، معروفة على نطاق واسع باسم قضية «المطرقة».

وقدم رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال أسيك كوشانير وقادة الأسلحة الأخرى البرية والجوية والبحرية استقالاتهم أمس، ولم يعرف بعد السبب الرسمي لهذه الاستقالات الجماعية، لكن وسائل الإعلام التركية تحدثت عن توترات بين القيادة العسكرية وحكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وينصب الخلاف على ترقية عدد من الجنرالات المحبوسين لاتهامهم بالمشاركة في مؤامرات للإطاحة بالحكومة.

وقدم الجنرال أسيك كوشانير استقالته بعد لقائه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية قبل اجتماع مع القيادة العليا للجيش التي تتخذ القرارات بشأن ترقيات كبار ضباط الجيش. ويعد هذا حدثا غير مسبوق في تركيا العضو في الحلف الأطلسي.

وأتت الاستقالات بعد أيام من المفاوضات بين قيادة الجيش ورئيس الجمهورية عبد الله غل ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان على خلفية رفض الحكومة لشمول نحو 42 جنرالا موقوفا بالترقيات العسكرية، بالإضافة إلى ما قالت إنه «ضغوط تمارس عليهم للتقاعد المبكر قبل صدور الأحكام في محاولة الانقلاب المزعومة».

وبينما بينت الأزمة ضعف حيلة المؤسسة العسكرية التي كانت قامت في السابق بثلاثة انقلابات عسكرية مباشرة، ورابع غير مباشر أطاحت فيه بحكومة منتخبة تحت التهديد بالانقلاب في عام 1997، بدت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان واثقة من تجاوز الأزمة، إذ أكدت مصادر في رئاسة الوزراء التركية لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث ليس بأزمة، مشيرة إلى أن من «تقاعدوا سيتم تعيين بدلاء لهم»، معتبرة أن المؤسسة العسكرية التركية «مليئة بالكوادر القادرة على شغل هذه المناصب»، رافضة في المقابل أية «تسويات».

وردت المصادر الاستقالات إلى «مطالب غير قانونية» تقدم بها الضباط رفضتها الحكومة «لأنها ليست في وارد المساومة على القانون»، موضحة أن الضباط لم يستقيلوا وإنما طلبوا إحالتهم إلى التقاعد، وأن الحكومة قبلت طلبهم فأصبحوا ضباطا متقاعدين، وسيتم تعيين بدلاء في كل المراكز في أقرب وقت ممكن، رافضة وضع أية «تفسيرات سياسية» لهذه الخطوة.

وفي المقابل أبدت مصادر في حزب الشعب الجمهوري المعارض استياءها من «كيفية تعامل الحكومة التركية مع المؤسسة العسكرية». واعتبرت المصادر في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن ما يقوم به أردوغان هو تصفية حسابات مع المؤسسة العسكرية، مشددة على حق ضباط المؤسسة في الترقيات القانونية ما دامت لم تصدر بحقهم أية أحكام.

وقدم الجنرال اشيك كوشانير استقالته قبل اجتماع مع القيادة العليا للجيش، التي تتخذ القرارات بشأن ترقيات كبار ضباط الجيش. وإضافة إلى كوشانير قدم كل من قادة أسلحة البر والجو والبحر استقالاتهم. وقال كوشانير في تصريح مقتضب: «قدمت استقالتي وفق ما أعتقد أنه ضروري».

ومن المقرر أن يعقد المجلس العسكري الأعلى اجتماعا مهمّا الأسبوع المقبل لمناقشة تعيينات رئيسية في الجيش، من دون أن تظهر على الفور التداعيات لهذا الحدث غير المسبوق في الحياة السياسية التركية، والتي يرى محللون سياسيون أتراك أنها ستكون مفصلية في المواجهة المستترة بين الجيش والحكومة، وسط توقعات بأن يكون فشل الجيش في الانتصار في هذه الأزمة «المسمار الأخير» في الطموحات السياسية للمؤسسة التي حكمت تركيا على مدى قرن من الزمن.

وكان الجنرال كوشانير قد عيّن قائدا عاما للقوات المسلحة قبل عام بعد أن اعترضت الحكومة على ترشيح الجيش للجنرال حسن اغسيز بسبب اتهامه بأنه كان على صلة بمحاولة انقلابية عام 2003. ويخضع نحو 200 عسكري بينهم 42 ضابطا للمحاكمة في قضية «المطرقة» التي تقول الحكومة إنها «خطة انقلاب» جرى عرضها في قاعدة للجيش الأول في إسطنبول عام 2003، بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بوقت قصير، تتعرض بموجبها مساجد للهجوم بغرض إثارة البلبلة بشكل يبرر استيلاء الجيش على السلطة، حسب الاتهامات الموجهة إلى العسكريين. ويقول الجيش إن تلك كانت خطة لمواجهة سيناريو محتمل.

ومن بين الموقوفين ضابط كبير في الجيش رشحه حزب الشعب الجمهوري المعارض في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفاز من خلالها بعضوية البرلمان، لكن السلطات التركية ترفض إخلاء سبيله بسبب ما قالت إن جرمه «سابق لانتخابه مما يسقط عنه الحصانة النيابية». وقد أدى تمسك حزب الشعب الجمهوري بإخلائه إلى أزمة سياسية في تركيا بعد رفض نواب الحزب أداء قسم اليمين إلا بعد الإفراج عنه وعن عدد من زملائه النواب، غير أن أردوغان تمسك بموقفه الذي وصفته المعارضة بأنه متعال بقوله إن «من بصق البصقة سيضطر إلى لحسها مجددا». وقد جرت تسوية بين الحزبين أدت بنواب الحزب إلى أداء اليمين الدستورية بعد تلويح أردوغان بانتخابات نيابية لملء مقاعد هؤلاء.