الانتفاضة السورية مستمرة بزخم.. وما زالت عفوية ومن دون قيادة

هناك مجموعات تعارض النظام منذ زمن ويمكن أن يخرج منهم قادة.. ولكنهم لا يجاهرون بوجودهم خشية ألا تكون هذه انتفاضتهم

TT

تحدى المواطنون السوريون العاديون الرصاص والدبابات واندفعوا إلى الشوارع من خلال احتجاجات دخلت أسبوعها الثامن عشر مطالبين برحيل الرئيس بشار الأسد. الشجاعة من الصفات التي يتسم بها المتظاهرون. لكن لا تزال العناصر الأخرى التي تكون ثورة في العادة، ومنها التنظيم والاستراتيجية والقيادة، مفقودة.

وتظل للانتفاضة العفوية، التي اجتاحت أنحاء البلاد والتي خرج السوريون خلالها إلى شوارع المدن السورية، خصوصيتها إلى حد بعيد وإن كانت مستلهمة من روح ثورة مصر وتونس التي كان دافعها الغضب والإحباط من عقود من الديكتاتورية، لكنها تفتقر إلى توجيه مباشر أو كيان يتجاوز المطلب برحيل الأسد.

وقال ناشط يقيم في دمشق وينتمي إلى مجموعتين منخرطتين في التشجيع على التظاهر: «هذه هي أنقى ثورة شعبية حدثت». وأوضح أنه لا يوجد قادة، وأكد على عدم الترحيب بهذه الفكرة، حيث أضاف: «أي شخص يرفع رأسه سوف يقطع».

وبعد أن أصبحت الأسابيع شهورا ولم يظهر أي مؤشر على استسلام أي من الطرفين، يصبح السؤال الأهم هو: كيف سيترجم المتظاهرون هذا الزخم إلى خطوات ملموسة نحو الإطاحة بالنظام؟ ومن سيقوم بذلك؟ بدأت الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى في النأي بنفسها عن الأسد، بينما يتزايد عدد المؤسسات الفكرية والخبراء الذين باتوا مقتنعين بأن هذا النظام لن يصمد.

في الوقت ذاته، حدثت بعض الأحداث الطائفية الفردية المتفرقة في بعض أماكن التظاهر، مثل مدينة حمص، مما زاد القلق من أن يتحول الاضطراب في سوريا إلى فوضى وحرب أهلية في حال ما إذا سقط النظام فجأة دون وجود بديل يدير البلاد في مرحلة انتقالية.

تتبنى الولايات المتحدة رسميا موقف عدم التدخل، حيث تقول إن السوريين هم من سيحددون مستقبلهم. لكن يقول أندرو تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إنه خلف الأبواب المغلقة «هناك الكثيرون مهووسون بهذا الأمر. ومع تداعي النظام، تزداد ضرورة توحد قوى المعارضة».

تعثرت محاولات المعارضين الذين يقيمون في المنفى لتشكيل جبهة موحدة. ويعود ذلك إلى حد ما إلى الإدراك الكبير بأن الشارع السوري هو الذي يقود الانتفاضة. وقال دبلوماسي غربي في دمشق «لا يريد أحد، خصوصا السوريين، تكرار تجربة العراق التي أقحم المعارضون المنفيون أنفسهم فيها، وهم لا يتمتعون بأي مصداقية في الشارع العراقي».

لكن التنكيل قاس إلى درجة أنه يمنع المحركين الحقيقيين لهذه الانتفاضة الشبابية، من التوحد لوضع استراتيجية واضحة أو المناقشة في الأمور المستقبلية أو اختيار ممثلين لهم. وتم التراجع عن محاولة عقد اجتماع لمعارضين في دمشق بالتزامن مع مؤتمر للمعارضين المنفيين في إسطنبول خلال الشهر الحالي لأن قوات الأمن حاصرت المكان وقتلت متظاهرين في اليوم السابق للاجتماع مما مثل خطرا كبيرا على المشاركين.

ويقول نشطاء شباب داخل سوريا إنهم في كل الأحوال يركزون على تنظيم الاحتجاجات، بينما يحاولون في الوقت ذاته تفادي الاعتقال إلى أن يجدوا وقتا لمناقشة المستقبل. وتتواصل مجموعات المعارضة التي تعمل في شبكة ضيقة وتحمل أسماء مثل «دائرة الثقة» و«الثورة الإبداعية السورية» و«ثورة الشباب السوري» من خلال الشفرة، حيث يتعرفون على بعضهم البعض من خلال أسماء حركية وهمية على شبكة الإنترنت. وتوجد مجموعات لا تحصى في أنحاء البلاد، يقولون إنهم لا يتنافسون مع بعضهم البعض، ولا ينسقون مع بعضهم البعض. وحتى هذه المجموعات تعترف بأنها تلعب دورا ثانويا في إشعال المظاهرات، التي تحركها مظالم المواطنين العاديين أو بسب قناعات أشخاص، مثل أحد الشباب، وهو رجل مهني في دمشق، يشارك كل يوم جمعة في المظاهرات التي تنظم في قلب حي الميدان منذ مارس (آذار) الماضي. هذا الشاب، لا يخبره أحد بأن هناك مظاهرات يتم تنظيمها ولم يشجعه أحد على الذهاب، بل يذهب فقط مع مجموعة من الأصدقاء، بافتراض أن هناك مظاهرة كما هو معتاد.

وقال الشاب، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من تنكيل قوات الأمن، في مقابلة أجريت معه من خلال برنامج «سكاي بي» عندما سئل عن أي قوى من المعارضة يؤيد: «أنا لست سياسيا، بل رجل ينزل إلى الشارع كل جمعة. أريد فقط وضع حد للظلم ورؤية دولة ديمقراطية حرة».

هناك مجموعة صغيرة من المعارضين، وأكثرهم من كبار السن الذين يعارضون النظام منذ فترة طويلة وقضوا مدة في السجون ويمكن أن يخرج منهم قادة لسوريا جديدة. ولم تجاهر تلك المجموعة بوجودها خشية ألا تكون هذه انتفاضتهم. ومن أشهر النشطاء داخل سوريا امرأتان هما رزان زيتونة، المحامية في حقوق الإنسان، التي غالبا ما تتحدث من مخبئها في دمشق نيابة عن لجان التنسيق المحلية، التي تضم أهم قوى المعارضة للنظام، وسهير الأتاسي، الناشطة التي ترأس «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية». ومع ذلك ينظر الكثير من المتظاهرين إلى تلك القوى بعين الريبة على حد قول أبو عدنان، أحد النشطاء المقيم في دمشق الذي يعمل مع اثنين من تلك القوى. ويقول: «إنها قوى زائفة ليس لها وجود سوى في وسائل الإعلام. يتشكك الناس في الذين يريدون الحصول على مكاسب شخصية من الثورة».

يرفض أكثر النشطاء فكرة أن ينصب أحد نفسه وصيا على الانتفاضة التي تهدف إلى الإطاحة بالنظام الذي لم يعرف السوريون غيره. ويقول ضياء الدين دغمش، أحد منظمي المظاهرات الذي يبلغ عمره 25 عاما وتم إلقاء القبض عليه مرتين وهرب إلى بيروت: «لا يريد الناس الذين يتظاهرون في الشوارع، قائدا. ليس فقط السوريون هم من سئموا القائد، بل أيضا العرب جميعا، فهذا من شأنه أن يحدث انشقاقا وتشرذما».

على الجانب الآخر، يقول البعض إنهم يدركون مدى الحاجة إلى التنظيم والتخطيط، ومنهم رامي نخلة المقيم في بيروت ومؤسس لجان التنسيق المحلية، التي ظهرت كقوة معارضة مؤثرة لقدرتها على التواصل مع وسائل الإعلام العربية والغربية. وقد أنشأ ما أطلق عليه «برلمان افتراضي» يتكون من نواب ممثلين لمختلف المناطق والدوائر السورية، حيث يعقد اجتماعات على الإنترنت لمناقشة كيفية إدارة المرحلة الانتقالية. ويستطيع رامي التواصل مع المعارضين في المنفى ومنهم الأكاديمي برهان غليون، الذي يحظى بإعجاب لأنه ليس لديه طموحات سياسية، بغية تشكيل جبهة موحدة. لكن يمكن لمباركة القادة أن تؤدي إلى نتائج عكسية في انتفاضة أظهرت قدرا كبيرا من التماسك دون وجود قيادة رسمية واضحة، على حد قوله. وقال نخلة: «إنه سؤال مهم بالنسبة إلى المجتمع الدولي لا السوريين. يريد المجتمع الدولي معرفة من الذي سيتولى الحكم في سوريا.. هل هم الإسلاميون أم تيار آخر. ونحن نقول إن الديمقراطية هي من ستتولى هذا الأمر».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»