دالاي لاما التيبت الشاب يستعد للقيام بدور أكبر

عمره 26 عاما ويرافق الزعيم الروحي لتيبتيي المنفى في أميركا ومرشح بقوة لخلافته

TT

منذ أن كان في السابعة من عمره، كان أوجين ترينلي دورجي هو الكارمابا السابع عشر للتيبت – واحد من أكثر الشخصيات احتراما في البوذية التيبتية – وانتقل من خيمة عائلته البدوية في جبال الهيمالايا إلى أحد الأديرة ليتم إعداده للقيادة.

والآن أصبح في السادسة والعشرين من عمره، وقد أدى مجرد ظهوره على المسرح جنبا إلى جنب مع الدالاي لاما في احتفال كبير أقيم في واشنطن خلال الشهر الجاري إلى نوع من البهجة والإثارة بين التيبتيين المحتشدين. وكان هناك أكثر من دليل على أن الدالاي لاما قد سيطر على الكارمابا الشاب، بوصفه شخصية الأب والمعلم في الهند التي تعد منفى كل منهما، لأن الصين تدعي سيادتها على التيبت.

ويقود كل من الكارمابا والدالاي لاما مذاهب بوذية تيبتية مختلفة، حيث يعد الدالاي لاما الذي يبلغ من العمر 76 عاما هو الزعيم الروحي البارز للتيبت. ومع ذلك، يتطلع كثير من التيبتيين إلى تولي الكارمابا عباءة الدالاي لاما، لكي يلعب دور راعي شعب التيبت، ويقودهم إلى العودة من المنفى إلى الوطن.

ويبدو أن الحديث عن الخلافة يسبب بعض القلق للكارمابا، فعند سؤاله عن مستقبله في إحدى المقابلات الشخصية قال الكارمابا إن الدالاي لاما قد أوضح أن آماله بالنسبة لمستقبل التيبت تقع على عاتق القادة الشباب. وقال الكارمابا باللغة التيبتية: «في هذا الصدد، فإن قداسته يتعامل معي برفق شديد، وكان بمثابة المرشد الذي يوجهني إلى حد كبير، ولكنني واحد فقط من ضمن كثيرين»، ثم تحدث بالإنجليزية قائلا: «أنا لست في حاجة إلى مزيد من الضغوط»، وابتسم ثم تحدث باللغة التيبتية بعد أن ظهرت على وجهه علامة الجدية قائلا: «أنا لا أعتقد أنه يمكنني أن أقوم بأكثر من ذلك. إن مسؤولية تولي الكارمابا بمفردها صعبة للغاية».

وفي وقت سابق من هذا العام، تم التحقيق مع الكارمابا من قبل الشرطة الهندية التي وجدت أكثر من مليون دولار بالعملات الأجنبية في مكان إقامته، بما في ذلك أكثر من 166000 دولار من الصين.

وقد أصر الكارمابا ومساعدوه على أنه قد تم التبرع بهذا المبلغ من قبل المتدينين الذين توافدوا إلى الهند من جميع أنحاء العالم لرؤيته. ورغم وجود منافس له على هذا المنصب، فإن الكارمابا يتم النظر إليه من قبل الدالاي لاما ومعظم التيبتيين على أنه زعيم مذهب كرمة كاجيو الذي يمتد على مدار 900 عام، والذي يعد واحدا من 4 مذاهب رئيسية في البوذية التيبتية ويتبعه مئات الأديرة ومراكز الدارما في أكثر من 60 بلدا.

ومن جهتهم، صرح مساعدو الكارمابا بأنهم خططوا لاستخدام الأموال لشراء قطعة أرض لإقامة أحد الأديرة في الهند، غير أن وسائل الإعلام الهندية قد أشارت إلى أنه جاسوس صيني. وبالنسبة للتيبتيين وعلماء البوذية التيبتية، تبدو هذه الفكرة سخيفة للغاية، حيث فر الكارمابا من التيبت عندما كان في الرابعة عشرة من عمره بعدما خرج من نافذة الدير إلى سيارة كانت في انتظاره وتجنب نقاط التفتيش العسكرية وركب أحد الخيول من خلال المناطق النائية النيبالية حتى وصل إلى الهند. وقد ذكرنا هذا الهروب باندفاع الدالاي لاما على الجليد في جبال الهيمالايا في عام 1959.

ولكن استمرت الشائعات تدور حول الكارمابا السابع عشر، لأن الحكومة الصينية قد عرفته على أنه الزعيم الشرعي لمذهب الكاجيو، وتجنبت إدانته حتى بعد رحيله إلى الهند، وكان هذا تناقضا واضحا للاستنكارات الصينية للدالاي لاما ووصفه بـ«الانفصالي».

وقال روبرت بارنيت، مدير برنامج دراسات التيبت الحديثة في جامعة كولومبيا: إن هذا التناقض قد وضع الكارمابا في وضع فريد. وأضاف: «الكارمابا هو الشخص الأنسب الذي يمكنه التوصل إلى حل في المستقبل. إنها واحدة من القضايا النادرة التي يتفق فيها المنفيون الذين يعيشون في التيبت، حيث إن كلا منهم يكن احتراما كبيرا للكارمابا».

وعلى الجانب الآخر، يحظى ترينلي تاي دورجي الذي ينافس على لقب الكارمابا، بدعم كبير من أحد اللامات في مذهب الكاجيو وبعض الأتباع في الغرب (الذين نجحوا في تأمين حقوق الموقع الإلكتروني Karmapa.org)، ولكن بارنيت قد شبه هذه المنافسة بالجدل المثار حول قضية ميلاد الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وكان تنزين تشوني، رئيس دير وودستوك، مؤيدا للكارمابا السادس عشر وفر من التيبت معه في عام 1959. وقال تشوني: إنه قد تم التعرف على الكارمابا السابع عشر من قبل مجموعة من اللامات الذين عهد إليهم مهمة العثور على الطفل الذي كانوا يعتقدون أنه تجسيد جديد للكارمابا. وقال تشوني: «لقد تم العثور على هذا الكارمابا استنادا إلى تعليمات الكارمابا السابق، ولذلك ليس لدينا أي شك في ذلك».

وردا على تحقيقات الشرطة الهندية، أقبل الآلاف إلى التيبت للتعبير عن دعمهم للكارمابا، وأرسلت حكومة التيبت في المنفى وفودا إلى نيودلهي، وقامت الشرطة الهندية بالإفراج عنه. وبعد عدة أشهر، أعطته الحكومة الهندية إذنا بالسفر إلى الولايات المتحدة، وهو الإذن الذي كان ممنوعا عنه منذ قيامه بأول رحلة إلى الولايات المتحدة في عام 2008.

وعند سؤاله ما إذا كانت الشكوك قد أضرت بالعلاقات بين الهند والتيبت في المنفى هناك، قال الكارمابا: «إن العلاقة بين الهند وشعب التيبت تمتد على مدار آلاف السنين. إنها علاقة روحية وثقافية. وبعد كل شيء، انتقل المسار الروحي للبوذية، المسار الروحي الذي تتبعه غالبية سكان التيبت، من الهند إلى التيبت. لقد استمرت هذه العلاقات جيلا بعد جيل، ولذا فإنني لا أعتقد أن هناك أي خطر على هذه العلاقات».

وخلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، كان الكارمابا يتحدث بوضوح في السياسة، ولكن هذه المرة، لم يتحدث كثيرا عندما سئل عن التيبت، وقال إن التيبت كانت «في حالة طوارئ» ازدادت سوءا منذ بدء الحملة الصينية على المظاهرات في التيبت في عام 2008. وأضاف: «لقد استمرت الحكومة الصينية في أسلوبها التقييدي إلى حد كبير» من خلال الحد من أنشطة الأديرة وعدد من الرهبان. وتابع الكارمابا: «إن بناء البنية التحتية – الطرق والقطارات والمطارات وخلافه – وهجرة الناس على نطاق واسع من وسط الصين إلى التيبت تهدد بقاء الثقافة التيبتية والنظام البيئي». واعتبر مقابلة الرئيس أوباما مع الدالاي لاما خلال الشهر الجاري «مؤشرا جيدا». وكان مقررا أن يلقي الكارمابا خطابا في كلية هنتر في نيويورك مساء أمس الجمعة، وقال مسبقا: إنه سيتحدث عن الشفقة والرحمة – وليس عن السياسة.

وقال الدالاي كاثي ويسلي، وهو أميركي تحول منذ فترة طويلة إلى البوذية التيبتية وعضو مجلس إدارة في دير وودستوك: «يمكن القول إنه في العشرينات من عمره وإنه يبلغ من العمر 900 عام في نفس الوقت، حيث إن عقل الحكمة لأول كارمابا ما زال مستمرا معه».

* خدمة «نيويورك تايمز»