بيريس: اتصالات مع السلطة جرت وتجري.. وأبو ردينة: ما تردد غير صحيح على الإطلاق

قال لـ «الشرق الأوسط»: لست خائفا من الإخوان المسلمين فتوجد في صفوفهم تباينات

TT

قال الرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيريس، إن هناك اتصالات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، جرت وتجري، وإنها حققت تفاهمات عدة في الكثير من القضايا وإن ثمة إمكانية أن تنتهي إلى استئناف المفاوضات المباشرة حول التسوية الدائمة قبل نهاية سبتمبر (أيلول) القادم، موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضاف بيريس في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه يشارك شخصيا في هذه الاتصالات ويلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن). وكشف أنه والرئيس عباس فتحا صفحة في الـ«فيس بوك»، بمبادرة «مركز بيريس للسلام» في يافا، يشترك فيها مئات آلاف الشباب من مختلف أنحاء العالم، بمن في ذلك اليهود والعرب، ويديرون حوارات وديا من أجل السلام.

غير أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، نفى أمس وجود أي مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. وأكد أن «ما تردد غير صحيح على الإطلاق، ونحن ملتزمون الموقف الفلسطيني والعربي الذي يدعو إلى أسس واضحة لأي مفاوضات وفق الشرعية الدولية، وأنه إذا قبل الجانب الإسرائيلي بهذه الأسس فليس لنا اعتراض على المفاوضات، على أن تكون واضحة المعالم وفق الأسس العربية الفلسطينية التي أتفق عليها دائما».

وأكد أبو ردينة في تصريحات لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أنه «أمام عدم وجود مفاوضات ورفض إسرائيل لمفاوضات جدية تلتزم بموجبها وقفا شاملا للاستيطان في حدود 1967، فإن القرار الفلسطيني والعربي هو الذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 ونيل عضويتها بشكل رسمي في الأمم المتحدة».

وأعرب بيريس عن تفاؤله إزاء إمكانية تسوية الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل سبتمبر، ويبني تفاؤله «على ما أعرف عن الاتصالات السرية أو المفاوضات الدائرة بين الطرفين. هنالك مشكلتان، إذا قاموا بحلهما، فلن تكون هناك حاجة لتوجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في سبتمبر ولا حاجة لأزمة جديدة، وهي مشاكل تتعلق بالحدود والأمن. ولكن هناك استعداد لدى الطرفين في التفاوض حولهما ومواصلة التفاوض حول كل القضايا الكبرى الأخرى». وقال «في بعض القضايا يبدو أن هناك تفاهمات أيضا. لا أريد أن أكون واضحا أكثر من ذلك ولا أن ألتزم أكثر من اللازم».

ويشارك بيريس شخصيا في هذه الاتصالات «من خلال موقعي.. فأنا في وضع مختلف عن الآخرين»، حسب قوله. ولا يعتبر بيريس التفاهمات في بعض القضايا «اختراقا، بل هناك احتمال لمثل هذا الاختراق. أنا لا أريد أن أقول أشياء غير دقيقة. فإذا تمكنا من التغلب على آخر العقبات، فإن إمكانية الاختراق واردة». ولا يرى بيريس في البناء الاستيطاني الذي يعيق من وجهة النظر الفلسطينية المفاوضات، مشكلة، وقال «نحن نتحدث عن فترة قصيرة، لشهرين ثلاثة على الأكثر. في فترة كهذه، لن يبنى شيء على الأرض. إذا عادوا إلى المفاوضات وأتموا موضوع الحدود، فلن تكون هناك مشكلة. فعندما ترسم الحدود، يصبح واضحا لإسرائيل أين تبني وأين لا تبني». ولكنه يرى أن «التصريحات العلنية لدى كل طرفين متفاوضين تبدأ بتصريحات السقف الأعلى. ولكن، عندما يأتي وقت التوقيع على اتفاقيات، تجد أن كل طرف ساهم في التوصل إلى الاتفاق بتنازلات عن سقف تصريحاته. ولا يوجد مفر أمام اليهود أو العرب، إلا أن يعيشوا بسلام. فحرام أن تستمر الحروب، حرام على أولادنا وأولادهم. المسألة مسألة صحة العقل. أنا لا أتأثر من تصريحات هذا وذاك. أنا أتعامل مع الواقع». ورفض بيريس انتقاد أبو مازن على وضع تجميد الاستيطان شرطا لاستئناف المفاوضات. وقال «أنا لا أريد أن أوزع علامات لأحد. الجميع يخطئون وأنا أيضا»، وأكد أنه لا يزال على تواصل مع أبو مازن، مشيرا إلى أن آخر مرة التقاه فيها في «إيطاليا قبل ثلاثة أسابيع، في لقاء علني طويل. والتقيته عدة مرات قبل ذلك. وأنا على اتصال مع العديد من القادة العرب». وأعرب بيريس عن إعجابه بالشباب العربي. وقال «أنا أرى أن جيلا جديدا من الشباب العربي، هب منتفضا على واقعه يريد ألا يسمح لأحد أن يفرض عليه رغبته وسياسته. هذا أمر يبشر بالأمل الكبير». وأضاف «أنا من مؤيدي الجيل الشاب والمعجبين به، أكان ذلك الشباب المصري في ميدان التحرير أو في سوريا أو كان ذلك الشباب الإسرائيلي الذي يتظاهر اليوم في الخيام في تل أبيب احتجاجا على أسعار السكن المرتفعة. في تل أبيب يقولون إنهم لا يريدون سلطة ولا مالا، إنما نريد العدالة. ما يجري في العالم العربي ويعرف باسم الربيع العربي هو حدث ذو أبعاد تاريخية عظيمة. وإسرائيل ترحب برياح التغيير التي يحملها». ويعتقد بيريس أن بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن مخاوف من رياح التغيير في العالم العربي. ويرجع ذلك حسب رأيه إلى «أنهم ليسوا ملمين بالأوضاع. أنا لست صاحب آراء مسبقة. حتى في صفوف الإخوان المسلمين يوجد جيل شاب. صدقني. هناك نظرية يروج لها هيندغتون عن صدام الحضارات. وأنا لا أومن بها. أنا أؤمن بنظرية صراع الأجيال. هذا هو الصدام القائم اليوم. فالجيل القديم كان يقدر الأرض أكثر من العلم. ولكننا نعيش في عصر أصبح فيه العلم وليس الأرض مصدرا للنمو والرخاء. إن مجرد العيش على الأرض لا يولد إلا العزلة في عصر العولمة. وإسرائيل هي نموذج على ذلك. فالتكنولوجيا عندنا هي التي تحرك الثروة وتخلق الاقتصاد المزدهر مع أنها تقوم على مساحة ضيقة قليلة الماء وخالية من النفط. ورياح التغيير في العالم العربي تفتح طاقة للأمل بتطوير أنظمة اقتصادية وديمقراطية مهتمة بالعلم والمعرفة والسلام». ويعتقد أيضا أن «صراع الأجيال كفيل بتغيير هذه الحركة (الإخوان) أيضا. انظر إلى الفاتيكان اليوم، أترى كيف يرتدون الملابس المبهجة وكيف يتكلمون برقي ويتصرفون بحضارية. هل تعرف كيف كان الفاتيكان قبل مائة سنة؟ إنه يحمل نفس الاسم ويقرأ نفس الكتابات السماوية ولكنه مختلف بشكل جوهري. الأمر نفسه أراه في الإخوان المسلمين. جيل الشباب عندهم يفهم أنه يجب أن يصلي. ولكن الصلاة وحدها لا تكفي لملء نهر النيل بالمياه. عليك أن تصلي وأن تعمل أيضا. أنا أقرأ الكثير من منشورات الإخوان المسلمين عموما والشباب بشكل خاص. إنني أشعر بأن هناك أمورا متباينة بشكل حاد. إنهم إخوة وإنهم مسلمون ولكنهم لا يحملون رأيا واحدا. الأمور اليوم ليست كما كانت في السابق. أرجو ألا تراني أنطلق فقط من التفاؤل. ولكنني أؤمن بالجيل الشاب ذي الطموحات العالية. وليس هذا فحسب. تعال نتخيل أن الإخوان المسلمين فازوا في الانتخابات. فماذا سيفعلون في الحكم؟.. كيف سيتغلبون على المشاكل الاقتصادية في مصر. بالصلوات؟ هل يستطيعون الهرب من المسؤولية؟ عندما انتصر الضباط الأحرار في مصر سنة 1952، كان عدد المصريين 18 مليونا. اليوم يوجد 84 مليون مصري. خمسة أضعاف. لكن الاقتصاد المصري لم ينم بخمسة أضعاف. الفقر هو الذي تضاعف خمس مرات وأكثر. الناس جوعى ويجب على المسؤولين أن يعطوا لهم الحلول. يحتاجون إلى سكن. وتوجد لديهم بطالة، خصوصا في صفوف الأكاديميين والمثقفين. هل يقولون لهم: (الصلاة هي الحل)؟». وفي موضوع لبنان وحزب الله والخلاف على الغاز في البحر المتوسط، قال «العدو في لبنان ليس إسرائيل، بل حزب الله. هو الذي يهدد المنطقة. آبار الغاز يمكن أن تكون رافعة للسلام والتعاون وليس للعداء»، مؤكدا أن هناك نقاشا «حول حصة كل طرف. ولكن هناك أيضا قانون دولي نحتكم إليه. ونحن بالتأكيد مستعدون للتفاهم مع لبنان حول الموضوع وحتى للشراكة معه في الحقول، إذا اتضح أن لهم حصة. وليس حول هذا. نحن مستعدون للتفاوض مع لبنان حول كل شيء. لبنان ليس عدوا لنا. ولا توجد عندنا أي مطالب منهم في الأرض. ولا في الماء. أتعرف أن تحلية المياه باتت أرخص من سحب المياه من الأنهر والينابيع؟ نحن نبني محطة تحلية خامسة، وبعد سنتين سيكون لإسرائيل 500 مليون متر مكعب من المياه القادمة من التحلية وحدها، فهل نحن بحاجة إلى مياه نهر الليطاني». ويرى بيريس أن «الشعب اللبناني هو الذي لا يريد حزب الله وسيتخلص منه. إنه يحشد السلاح والصواريخ ويدير حملة تأجيج للحرب. إنه ليس حزبا يحمل أجندة لبنانية. يقبض من إيران مليار دولار في السنة، وليس مجانا. والأهم أنه لا يخدم لبنان. وفي يوم من الأيام سيقول له اللبنانيون ذلك». ولكن على الرغم من قناعته بأن الشعب اللبناني سيتخلص من حزب الله والشعب الإيراني من الحرس الجمهوري والقيادات السياسية والدينية هناك. وكذلك الأمر في حماس في قطاع غزة. فإنه لا يرى غضاضة في امتلاك إسرائيل لهذه الترسانة الضخمة من الأسلحة والاستعداد للحروب، بل ويعتبر ذلك مجرد تحذير لمن «يعتدي علينا فقط.. فإسرائيل لا تهدد أحدا». ويرفض بيريس التأكيد أن الأجواء الديمقراطية في إسرائيل تتراجع في ظل رئاسته بسبب سن قوانين للمساس بالعرب وأخرى تمس باليهود من أنصار السلام وحقوق الإنسان، وغيرها. وقال «صحيح أن هناك من يحاول ذلك. وهناك سياسيون يطرحون قوانين. ولكن قانون معاقبة المقاطعة سقط. والقوانين الأخرى، لم يسن أي منها إلا بعد أن أجريت تعديلات عليه تغير الأهداف الجوهرية لمن اقترحوه. أنا لا أرى أجواء معادية للديمقراطية، بل أجواء نضال ناجح لصد المحاولات للمساس بالديمقراطية. وأنا شخصيا توجهت إلى رجال الدين اليهود الذين دعوا إلى عدم تأجير البيوت للعرب وطلبت منهم أن يتراجعوا. والكثيرون من رجال الدين هبوا ضد هذه الظاهرة. ولذلك، فأنا لست قلقا على الديمقراطية المتميزة في إسرائيل. بل إنني متفائل جدا بالجيل الشاب في إسرائيل الذي ينزل إلى الشارع في اعتصام الخيام ومظاهرات تطرح مطالب اشتراكية في قضية السكن وإضراب الأطباء وغيرها. هذا الجيل سيمنع أي تراجع عن الديمقراطية». وتحدث بيريس عن اشتراكه مع أبو مازن بفتح صفحة على «فيس بوك»، واستطرد أنها «مبادرة صدرت عن مركز بيريس للسلام في يافا، توجهنا خلالها برسالتين شبيهتين إلى جماهير الشباب في العالم لإقامة حوار سياسي واجتماعي واقتصادي وعلمي، بهدف إعداد الأجيال القادمة لمستقبل سلمي في الشرق الأوسط. وكان التجاوب معنا مذهلا، حيث انضم إلى الحوار ما لا يقل عن 100 ألف شاب في أول مرحلة، واليوم هناك مئات الألوف».

واشنطن تدعو إسرائيل للاعتذار لتركيا لتعود العلاقات بينهما إلى سالف عهدها