غل ينفي وجود أزمة في تركيا بعد استقالة قادة الجيش.. و«شورى» العسكر في موعده

تعيين الجنرال أوزل قائدا للجيش بالإنابة.. ومحللون عسكريون: الحرس العسكري القديم تنازل

TT

نفى الرئيس التركي عبد الله غل، أمس، أن تكون بلاده في خضم أزمة بعد استقالة أربعة من أكبر القادة في الجيش، لكنه قال إنها أوجدت وضعا «استثنائيا». وسببت استقالة الجنرالات الأربعة - وهم رئيس هيئة الأركان إشق كوشانر، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية - اضطرابا في الجيش، لكنها أعطت رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، فرصة لزيادة سلطته على الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي.

وقال بيان صادر عن مكتب أردوغان: إن القادة الأربعة تقاعدوا.. ولم يذكر أسبابا. وأضاف أن اجتماعا مع المجلس العسكري الأعلى (مجلس شورى عسكري)، الذي يجتمع مرتين سنويا لتحديد التعيينات الرئيسية، سينعقد كما هو مقرر غدا الاثنين، موضحا أن أردوغان يتعجل الأمر لاستعادة سلسلة القيادة وتقديم صورة بأن الأمور تسير بشكل معتاد.

وسعى المسؤولون الأتراك، أمس، إلى وضع حد لنزاع خطير مع القادة العسكريين، في فصل غير مسبوق من أزمة مزمنة بين نظام منبثق عن التيار الإسلامي وجيش يريد ضمان علمانية البلاد. وعين أردوغان، في وقت متأخر من مساء أول من أمس الجمعة، قائد قوات الأمن (الدرك)، الجنرال نجدت أوزل رئيسا للأركان بالنيابة بعد استقالة كوشانر، رئيسها الحالي، على خلفية خلاف خطير مع الحكومة. كما عين الجنرال أوزل أيضا قائدا لسلاح البر بعد استقالة قائده الحالي أيضا مع قائدي القوات الجوية والبحرية (احتجاجا على اعتقال 250 ضابطا متهمين بالتآمر على حكومة أردوغان)، كما ذكرت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، نقلا عن مرسوم لرئيس الوزراء والرئيس عبد الله غل.

وباستقالة كوشانر ومساعديه اندلعت، الجمعة، أزمة سياسية عسكرية خطيرة في تركيا على خلفية خلاف مع الحكومة الإسلامية المحافظة بخصوص ترقية عسكريين كبار مسجونين بتهمة التخطيط للتآمر على النظام. ويطالب قادة الجيش بأن يتمكن هؤلاء العسكريون من الحصول على ترقياتهم على الرغم من وجودهم في السجن بانتظار الانتهاء من محاكمتهم، الأمر الذي ترفضه الحكومة، بحسب الصحافة. ومن بين هؤلاء جنرال كان يفترض أن يكون القائد المقبل لسلاح الجو.

وقال الجنرال كوشانر لمساعديه، لدى مغادرته منصبه، بحسب وكالة أنباء «الأناضول»: «إن أحد الأهداف من هذه التحقيقات وهذه التوقيفات منذ زمن طويل هو إبقاء الجيش في قفص الاتهام وإعطاء الانطباع للرأي العام بأنه منظمة إجرامية». وأضاف لتوضيح استقالته: «نظرا لعدم إمكانية القيام بأي شيء في مواجهة هذا الوضع ولتجاهل مطالبات السلطات (من أجل إيجاد حل) لم يعد بوسعي حماية حقوقي الشخصية».

ويتعرض الجيش التركي، الذي كان يتعذر المساس به ولا يمكن الالتفاف عليه في الحياة السياسية، منذ سنوات، لانتقادات واتهامات، منها قضايا تآمر مفترضة بهدف الإطاحة بحكومة أردوغان الذي تعود جذور حزبه (حزب العدالة والتنمية) إلى التيار الإسلامي. وتعتقل السلطات التركية 42 جنرالا، هم أكثر من 10% من جنرالات الجيش، إضافة إلى العشرات من الضباط العاملين أو المتقاعدين في إطار تحقيقات بشأن مخططات عدة محتملة تهدف إلى الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002. والجمعة وجهت 6 اتهامات جديدة لجنرالات في إطار قضية التآمر على الحكومة وإنشاء مواقع على الإنترنت للدعاية ضد الحكومة بحسب صحيفة «ملييت». وبينهم نصرت طاش ديلر، قائد جيش إيجة، وإسماعيل حقي، رئيس الاستخبارات، وحفظي تشوبوكلو، المستشار القانوني للمؤسسة العسكرية.

ويبدو أن التوقيفات الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، لتسهم في دفع القادة العسكريين إلى قرار الاستقالة، بحسب الصحافة. وقال الجامعي أحمد أنسل: «إن العسكريين لم يعودوا يستطيعون مواجهة هذه الاتهامات للسلطة المدنية؛ لأنها ثابتة». وأضاف هذا الباحث، الذي ألف كتابين عن الجيش التركي: «هم باستقالتهم يوافقون ضمنا على أن الاتهامات ثابتة». وأشار إلى أن «الحرس العسكري القديم تنازل». ورأى أن الجيش التركي الذي أطاح بـ4 حكومات منذ عام 1960، منها الإطاحة في 1997 بحكومة الإسلامي نجم الدين أربكان، الذي يعتبر مرشد رئيس الوزراء الحالي، لم يعد بمقدوره القيام بانقلاب عسكري، لا سيما بسبب «الدعم القوي» لقسم من السكان لحزب العدالة والتنمية.

وقد حقق الحزب الحاكم فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو (حزيران) وحصوله بالتالي على ولاية تنفيذية ثالثة. وأضاف أنسل: «قد يقوم كولونيل بمغامرة في يوم من الأيام ولكن لن تذهب أبعد من ذلك». وزاد: «في الواقع خسر الجيش الغلة في 27 أبريل (نيسان) 2007 عندما اعترض، من دون نتيجة، على وصول أردوغان أو غل إلى قيادة البلاد».

من جهته، نفى الرئيس غل أن تكون تركيا في أزمة، لكنه قال إنها أوجدت وضعا «استثنائيا».

وقال غل، وهو عضو بارز سابق في حزب العدالة والتنمية، للصحافيين، أمس: «يجب ألا ينظر أي شخص إلى هذا على أنه أزمة من أي نوع أو مشكلة مستمرة في تركيا.. بلا شك فإن أحداث الأمس كانت وضعا استثنائيا في حد ذاتها، لكن كل شيء يمضي في مساره». ونشرت صحيفة «صباح»، التركية، موضوعا عن الاستقالات في الجيش بعنوان «زلزال 4 نجوم». وأشارت صحف أيضا إلى انتقاد كوشانر لتناول الإعلام لشؤون الجيش. وظهر خضوع الجنرالات بشكل جلي العام الماضي عندما بدأت الشرطة في اعتقال عشرات من الضباط بشأن «عملية المطرقة»، وهي مؤامرة مزعومة ضد حكومة أردوغان نوقشت في ندوة للجيش في 2003.