عبد الرحمن الأبنودي لـ «الشرق الأوسط»: خطأ الثوار هو الدوران في حلبة ميدان التحرير وتصور أن هذا هو الواقع

قال إن الجيش حمى الثورة ووجد فيها وسيلة للخلاص من فكرة توريث الحكم

TT

بروحه الصعيدية المرحة استقبلنا في بيته الريفي الهادئ بمدينة الإسماعيلية، وأمام صورة للشهداء معلقة على جدران صومعته للكتابة، تنعكس منها أجواء ميدان التحرير.. تحدث الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عن الثورة، وصراعات القوى السياسية على مسرحها، وموقف المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، كما تحدث عن رؤيته للمستقبل في ظل مفترق الطرق الذي تمر به مصر.

أكد الأبنودي أن ثورة 25 يناير قامت بها الجماهير بصورة تلقائية كالأنشودة، وعبرت عن حالة ضيق شعبي كامل بكل ألوان الفساد الذي خنق تقدم مصر، ولفت إلى أن مأزق الثورة الحقيقي أنه لم يكن لها قيادة واضحة محددة، مما جعل دمها يتفرق على الجميع. فهم على حد قوله «يقبعون في قلب المدينة ولا يذهبون للريف ولا إلى العمال في المصانع، ولا يحاولون فهم الواقع الحقيقي للإنسان المصري». وتوقع الأبنودي أن يكون رئيس مصر القادم عسكريا، وقال: «ما نراه الآن هو الدولة المدنية من وجهة نظر المجلس العسكري، مع بعض ديمقراطية، لنتنازع نحن في الهواء الطلق مع الإخوان المسلمين والمجموعات الإسلامية الأخرى». وتحدث الأبنودي عن علاقته بالشعر، وأجواء قصيدتيه «الميدان» و«النظام لسه ما سقطش»، اللتين لقيتا صدى طيبا في أوساط الثورة.. وتطرق الحديث إلى قضايا أخرى.. وهنا نص الحوار:

* احتفلت مصر منذ أيام بذكرى ثورة 23 يوليو، باعتبارك عاصرت ثورتي يوليو ويناير ما الفرق بينهما من وجهة نظرك؟

- أعتقد أن كل من يحاول إثبات وجود تشابه بين ثورتي 23 يوليو و25 يناير قد جانبه الصواب في هذا الأمر، لأن ثورة يوليو قامت من خلال تنظيم صنعه ضباط الجيش المصري، وأدى هذا التنظيم إلى انقلاب حولته الجماهير إلى ثورة، بمعنى أن الجماهير هي التي حمت ثورة الجيش، أما ثورة 25 يناير، فالعكس هو ما حدث، فالجيش حمى ثورة الجماهير، وإذا أردنا المقارنة بين الثورتين سنجد أن ثورة يوليو كانت واضحة في خروجها من أجل الفساد المستفحل، والخيانة والأسلحة الفاسدة في حرب 48، ومن أجل التحرر وطرد الاستعمار الإنجليزي، فكانت هناك أهداف واضحة ومحددة، ثم في ما بعد انقلبت إلى ثورة آمنت بتصنيع مصر وتحويلها من دولة زراعية إلى دولة صناعية، وأقامت السد العالي وخاضت في سبيله معارك، فلن يستطيع أحد أن يقلل من شأن ثورة يوليو بأي صورة من الصور.

أما في حالة ثورة 25 يناير فالجماهير قامت بها بصورة تلقائية، كالأنشودة التي لها كيان وليس لها كيان في نفس الوقت، فلم يكن لهذه الثورة حتى الآن قيادة واضحة محددة، وهو أمر شديد الغرابة عالميا، إذ لم يحدث أن قامت ثورة عامة في الدنيا بلا قيادة، ثورة يتفرق دمها على الجميع، فأنا أرى أن ثورة 25 يناير عبرت عن حالة ضيق شعبي كامل لكل ألوان الفساد الذي خنق تقدم مصر، وسار علنيا، وكأن أهم أهداف الحكم السابق هو تحقيق الفساد وتعليم الجماهير الفساد، وإفساد الواقع السياسي كله بصورة ممنهجة، إلى جانب حالة القهر الشديدة التي كان يعانيها الإنسان المصري، وحالة اللامستقبل للأمة، بالإضافة للعمالة الواضحة لإسرائيل وأميركا، كل هذا أدى إلى أن تندلع الثورة بصورة تقليدية، حتى أصحابها الذين بدأوها كانوا يعتقدون أنهم سيذهبون إلى ميدان التحرير، يهتفون، ويعلنون مبادئهم ويضربون من قبل الشرطة، ويعودون كالعادة إلى بيوتهم، فإذا بهم يفاجئون بأن مصر كلها خرجت لدرجة أنهم تاهوا في وسط الملايين من قوى الشعب المصري التي عانت طويلا.

* كيف إذن تفسر تجاوب قوى الشعب المصري مع الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير والخروج للشارع، على الرغم من وجود دعوات سابقة عديدة للتظاهر ضد النظام السابق لم تلق نجاحا؟

- الشعب المصري له قانونه الخاص، ففي الوقت الذي تنتظره أن يخرج إليك لا يخرج، وحين لا تتوقع خروجه وتؤمن بموته ينبثق كعملاق لا يمكن رده.

* ما تقييمك لأداء المجلس العسكري في إدارته للبلاد بعدما قام بحماية الثورة؟

- في رأيي أنه بعد نجاح الشعب المصري في هزيمة الشرطة لأول مرة بقطاعاتها الفاسدة، لم يكن أمام القوات المسلحة إلا حماية الثورة، لأنها كانت وسيلة القوات المسلحة الوحيدة للخلاص من فكرة توريث جمال مبارك، الذي يعني حدوثه خروج الشرعية من يد القوات المسلحة، التي ظلت في يدها منذ عام 1952، وكانت القوات المسلحة في سبيلها لعمل انقلاب ما لاسترداد هذه الشرعية، ولكن قام الشعب المصري الطيب بهذا الانقلاب وهذه الثورة التي وجد فيها الجيش الخلاص، ولذلك حماها، وفرحنا نحن بالحماية وقلنا «الثورة والجيش إيد واحدة»، ولكن سرعان ما بدأت السحب تنقشع والحقائق تتبدى وتبدو للعيون واضحة، بأن الجيش ربما كان معاديا لأن يكون هناك ثورة من الأساس، فالجيش يريد الأحوال كما هي، ويعتقد أن الجماهير بمجرد تحقيقها للثورة فإن مهمتها قد انتهت وعليها العودة إلى بيوتها مرة أخرى، وترك الأحوال كما كانت بفسادها ببيروقراطيتها، ولذلك كل مطالب الثورة ظلت تراوح مكانها لم تتحرك مترا واحدا. صحيح قبض على قمم القيادات السياسية، ولكن ليس لأنها فاسدة كما كنا نرى نحن، وليس لأنها أفسدت الحياة السياسية والثقافية والفكرية ومستقبل هذه الأمة كما كانت الثورة ترى، ولكن لكي لا تعوق الجيش عن تحقيق مهمته في استرداد شرعيته من جديد، والآن الجيش ليس لديه مانع في إطلاق سراح حسني مبارك وابنه وكل رموز نظامه، لأن فكرة التوريث أفسدت خلاص و«اتحرق كارت جمال مبارك»..

* لكن المجلس العسكري يؤكد دائما أن مهمته تسليم البلاد لسلطة مدنية ديمقراطية كما يرغب الثوار؟

- مصر لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية، ولكن هناك تصورا للدولة المدنية من وجهة نظر الثوار يختلف عن تصور الجيش للدولة المدنية، كما كان هناك تصور آخر للدولة المدنية في ظل حكم مبارك ولم نكن نريدها على الإطلاق، فالدولة المدنية من دون ديمقراطية، من دون سطوة القانون، من دون عدالة اجتماعية لا قيمة لها، فهي ليست لافتة على مضمون خاو.

* وما مواصفات الدولة المدنية من وجهة نظر المجلس العسكري؟

- ما نراه الآن هو الدولة المدنية من وجهة نظر المجلس العسكري، مع بعض ديمقراطية، لنتنازع نحن في الهواء الطلق مع الإخوان المسلمين والمجموعات الإسلامية الأخرى، ويتناحر الليبراليون والاشتراكيون واليساريون مع السلفيين وغيرهم، ويتم هكذا الاستقرار للجيش، وهذا ما يحدث الآن بالتفاصيل. وأعتقد أنه بعد المواجهة الحاسمة التي شهدها ميدان العباسية يوم 23 يوليو، وهو يوم الرمز الذي إذا ما قمع فيه الثوار، فهذا يعني أن عليهم إما أن يخضعوا للرؤية العامة للسلطة، وإما أن يكون هذا التناقض والتناحر والقمع، خاصة أنه لم يعد هناك صورة تقليدية للقمع والضرب المباشر، ولكن يوجد هناك جيوش البلطجية التي تستعمل الآن هذا الاستعمال الجيد جدا في قمع الثوار، وفي هذه الحالة الجيش يده نظيفة والسلطة يدها نظيفة، فأنا رأيي أن ما حدث في العباسية مرتب ومنظم، وكان البلطجية قابعين في المكان قبل مجيء الثوار، فهذه أمور مرتبة وعلينا ألا نكون سذجا أكثر من ذلك.

* لكن أغلبية الشعب رأت أن الثوار هم من أخطأوا عندما توجهوا بمسيرة لوزارة الدفاع، فما تعليقك؟

- الثوار دائما ثوار، فالثورة يكون فيها جوانب عاطفية كبرى، وفي المقابل يقل العقل والتدبير السياسي، ولكن في رأيي أن الثوار في هذه الفترة تطوروا سياسيا بشكل كبير، وحتى الشباب الذي ربما لم يكن له صلة بالسياسة نضج في ميدان التحرير، وأدركوا الآن من الذي سرق الثورة ومن ضدهم، وأنا أعتقد أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد.

* في تقديرك، ما الأخطاء التي وقع فيها الثوار؟

- أعتقد أن الخطأ الأكبر هو الدوران في حلبة ميدان التحرير وتصور أن هذا هو الواقع، وهو خطأ دائما يقع فيه الثوار، حيث يقبعون في قلب المدينة ولا يذهبون للريف ولا إلى العمال في المصانع، ولا يحاولون فهم الواقع الحقيقي للإنسان المصري، لقد سارت هناك لغة بين الثوار لا تصلح في الواقع بأي صورة من الصور، لا يستطيعون إقناع الفلاح بها، فلكي تقنع الفلاح عليك أن تدرس أحواله وأن تبدأ من تصوره للحياة والدين واللغة والأشياء القريبة إلى عقله التي يستطيع بها أن يتغير وأن يتحرك، وكذلك بالنسبة للعمال وكل القطاعات الفاعلة والعاملة في الواقع، فنحن نقوم بدوري الطليعة والجماهير معا، في حين أننا لن نصبح طليعة إلا عندما نصبح طليعة شعب من خلفنا يتحرك. فالجماهير التي نزلت إلى الميادين نزلت بدافع السخط والمعاناة والقهر الشديد، ولكن بعد فترة انصرفوا إلى أعمالهم وحياتهم، وأخطأ الثوار حينما انتهت الرحلة بالنسبة لهم بسقوط الرئيس المخلوع الذي لم يسقط فعلا على الورق حتى الآن، فهو لا يعامل كمسجون لأنه لا يوجد قرار من الداخلية بسجنه أو من وزارة العدل، فهو رئيس مريض وليس مسجونا.

* في خضم كل هذا هل تشعر بالتفاؤل؟

- لا أنا غير متفائل بالأوضاع الحالية، وأخشى أن ينتهي الأمر بالثوار إلى ما انتهت إليه الأجيال السابقة، فنحن أيضا ناضلنا كثيرا ثم وجدنا أنفسنا في النهاية لم نحقق شيئا، لم نحقق سوى أننا أثرنا في هذه الأجيال التي جاءت لتصنع الثورة، وأخشى أن يكرر الثوار الآن نفس السيناريو، ويصبح هناك شباب، في يوم ما وبعد سنوات طويلة يصنعون نفس الرقصة الثورية، وينتهي الأمر إلى ما كنا فيه. ولكنني مؤمن أنه في النهاية سوف يأتي يوم تقبض فيه الناس على السلطة، وستقود حياتها بنفسها، ومصر من الصعب هزيمتها ومن الصعب قتلها، هل كان يتخيل مبارك وجزاروه أن الشعب المصري سينزل الميدان ليهتف ضده حتى إسقاطه.

* كيف ترى الخوف من تنامي التيارات الإسلامية؟

- التيارات الإسلامية لا تستفيد أبدا من تجارب الماضي، فما يحدث لنا الآن هو نفسه ما حدث سنة 1954، الدستور أولا أم الانتخابات أولا، ثم جاء الجيش وقال ولا هذا ولا ذاك، واستولى على السلطة وهو ما سوف يحدث الآن، «هيتعاركوا معانا ونتعارك معاهم، ونصل لمرحلة الجيش يقول خلاص».

* وصفت الجماعة الإسلامية المعتصمين بميدان التحرير بالبلطجية وأنهم يتقاضون مبالغ مالية من العلمانيين للاصطدام بالمجلس العسكري لصالح أميركا وأنهم سينزلون الجمعة لتطهير ميدان التحرير، ما تعليقك؟

- توقعت حدوث ذلك وكتبته في قصيدة «لسه النظام مسقطش»، فقلت فيها:

«وانت اللي دافعت عني ف عركة التغيير بكرة هتقتلني بإيديك في ميدان التحرير كشر بأنيابك السودا.. بلا محاذير رافع نداك للجهاد.. ويفط آيات الرب لكن وقلبك عتم مافيهش شيء يتحب»

* كيف تتوقع الأحداث في قصائدك؟

- لأنني لم أنفصل عن حياة الناس فأنا ابن بيئة فقيرة جدا وأسرة تحت الصفر الاجتماعي بمراحل كبيرة، لذا أفهم الناس الفقيرة والواقع المحيط بهم، والكتب الكثيرة الموجودة في مكتبتي قرأتها لأكون على علم بما يدور في الدنيا، لكن كتابي الأصلي هو الواقع المصري، هذا إلى جانب تجربتي مع ثورة يوليو.

- برؤيتك للأحداث تتوقع من سيكون رئيس مصر القادم؟

- أتوقع أن يكون رئيس مصر القادم عسكريا، لذا أتمنى من مرشحي الرئاسة أن ينتبهوا وأن يقفوا معا ضد الطوفان القادم، فأنا أرى أن حماسهم لفكرة الرئيس بدأ يخفت.

* حدثنا عن قصيدتك «الميدان» المثيرة ومراحل كتابتها؟

- هذه القصيدة كتبتها في وقت مبكر جدا من الثورة وقبل سقوط حسني مبارك وأعوانه، فكتبت مربعين منها ليلة موقعة الجمل وأكملتها ثاني يوم، واعتقد الناس أن هذه شجاعة كبيرة مني، وفي الواقع أن شعري أشجع مني بكثير، فالشعر يسبقني وهو الذي يحركني كإنسان، فهو مثل الحصان الذي لديه قدر كبير من الحرية عن فارسه، وأنا في حياتي دائما عندي مقولة أقولها وهي «أن الشعر كالإنسان الصعيدي إذا خنته مرة واحدة خانك إلى الأبد»، فعلي أن أترك الشعر الذي بداخلي أن يتصرف على هواه في قصيدته وأنا مجرد بوسطجي، لا أتدخل، لأن التدخل في القصيدة خوفا من شيء أو تحفظا على أمر أو لعمل حساب لجهة ما، هذه هي الانتهازية بعينها ولا يمكن أن يصل الشعر إلى الناس أو يستقر في قلوبهم، وربما هذا هو سبب استمراري كشاعر، كما أنه حافظ على وجودي لمدة نصف قرن منذ جئت إلى القاهرة عام 1962، فقصيدة الميدان لو كان بها نبرة كذب واحدة ما كانت وصلت للناس، «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، الذي يمكث في الأرض معناه أنه خرج بصدق ومن دون أهداف ومن دون أجندات خاصة التي كثر الحديث عنها هذه الأيام.

- وماذا عن قصيدة «لسه النظام مسقطش» التي تناولت فيها كل الأحداث التي مرت بها الثورة وتنبأت بالبعض الآخر؟

- هذه القصيدة هي الوعرة في حياتي، لأن بها تنبؤات بواقع وأشياء تحدث الآن، فالشعر هو حزمة من التنبؤات، وتقاس قيمة الشاعر بقدرته على الرؤية، وهو ما نطلق عليه خطأ التنبؤ ولكنه في الحقيقة استبصار ووعي وإحساس بالقادم. فمع بداية تحول الفرحة بالتنحي إلى وعي بدأت تتبدى لي الأحوال المقبلة. فكتبت في القصيدة عن «العركة» التي بانت بوادرها بين الثوريين والإسلاميين، وفيها كتبت أيضا عن علاقة الجيش بالثوار، وعن المحاكمات العسكرية، وعن العدالة البطيئة وعدم القصاص لدم الشهداء حتى الآن، فهي تتكون من 41 موالا يحكي حكاية الثورة، وكم تمنيت أن تمكنني صحتي من النزول لميدان التحرير والمشاركة مع الثوار، ولكن قصائدي شاركت بالنيابة عني، فهي رد فعل عن حرماني من النزول بسبب حالتي الصحية.

* كم من الوقت استغرقت كتابة قصيدة «لسه النظام ماسقطش»؟

- استغرقت القصيدة نحو 15 يوما كتابة، لأنها قصيدة بها رؤية، ولبناء الرؤية من دون كذب ومن دون الخروج عن النسيج الأمر يتطلب وقتا كبيرا، فللكتابة عن الثورة لا بد أن يتفجر الشاعر ليكتب قصيدة شديدة الحرية، وهذه القصيدة من نوعية القصائد محبوكة الطرفين وهو نوع شديد الصعوبة.

* فزت بجائزة مبارك للآداب عام 2010 وقبل شهور من اندلاع ثورة 25 يناير، هل اسم الجائزة يضايقك؟

- طبعا يضايقني جدا، المشكلة أنني عندي جائزتان أضعهما على الجدار وأنا مضطر أن أرفعهما الآن، وهما وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولى من زين العابدين بن علي الذي نحي، وجائزة مبارك للآداب - وهي أكبر جائزة أدبية في مصر - من مبارك الذي نحي أيضا، فأنا أمام أحد أمرين إما أن أنحي الجدار الذي عليه الجائزتان، أو كما حدث وخاطبت الثوار في تونس أن يسارعوا في تغيير اسم الجائزة، وخاطبت وزير الثقافة المصري بأن يعيد الجائزة إلى اسمها وقد أعادوها إلى اسمها الأصلي، ولكن عليهم أيضا أن يعيدوا كل الجوائز التي أعطوها للمثقفين وتحمل اسم مبارك لأصلها لتحمل اسم جائزة النيل. وأحب أن أشير إلى أن هذه الجائزة أعطاني إياها 60 مثقفا مصريا وليس مبارك، وكذلك بالنسبة للوسام التونسي فأنا لم أر زين العابدين بن علي ولا وزير الثقافة التونسي وإنما أرسل إلي الوسام هنا لمجهوداتي في دراسة السيرة الهلالية وجمع السيرة الهلالية التونسية من الجنوب التونسي، للتقريب بين المشرق العربي وتونس، فلم آخذ هذا الوسام لشهرتي وإنما كنتيجة لعملي الدؤوب على الأدب الشعبي التونسي والمصري، وهذا تكريم من المثقفين التونسيين.

* في محنة مرضك كان الرئيس السابق دائم الاتصال بك للاطمئنان عليك وأصدر قرارا بعلاجك على نفقة الدولة، هل أثر هذا الوجه الإنساني للرئيس السابق على تقييمك له؟

- ضاحكا: هو دائما كان يتصل بكل المرضى في الحقيقة، وأردت أن أرد له الاتصال الآن ولكنهم يمنعوننا من الاتصال به. اتصال مبارك بي أو بغيري في الأزمات الصحية ليس وجها إنسانيا وإنما دعائيا وإعلاميا، ففي مصر هناك ملايين الفقراء لم يتصل بهم أحد وتركوا ليموتوا. فأنا لا أخلط الشخصي بالعام، أنا اعتقلت في عصر عبد الناصر 6 أشهر ولكن عبد الناصر بالنسبة لي شمس هذه الأمة العربية بأكملها، فهو محرر كبير، فالأمور الشخصية لا تعميني عما يحدث في الواقع أو في ضمير الأمة. وأنا لم أعالج على نفقة الدولة وإنما سرقت أموالي من قبل وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي، فأنا حين ذهبت إلى المستشفى في باريس بنفسي، دعمني صديقي الشاعر السعودي الأمير عبد الرحمن بن مساعد، الذي ما إن علم أنني مريض حتى أسرع بطائرته الخاصة لتنقلني للمستشفى الأميركي بباريس ووضع لي أموالا في خزينة المستشفى، وعندما هاتفني مبارك وزكريا عزمي وأصروا على علاجي على حساب الدولة، فإذ بالملحق الطبي لسفارتنا في باريس يستغل الحساب الذي وضعه لي صديقي الشاعر عبد الرحمن بن مساعد في تسديد فاتورة العلاج وأفهموا الناس أنني أحاسب على نفقة الدولة، وهذا لم يحدث، وأنا قلت ذلك في وجود الجبلي، وحين تحدث فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق مع حاتم الجبلي في الأمر، قال له الجبلي إن هذه الأموال دخلت خزانة وزارة الصحة وإذا كنت تريدها يمكن أن تأخذ بها أدوية، يريد أن يعطيني أدوية بـ28 ألف يورو.

* هل كنت تتوقع هذا القدر من الفساد الذي ظهر بعد سقوط الرئيس السابق؟

- أنا كنت أعلم بوجود فساد، ولكنني لم أكن أتوقع أن يكون مبارك بهذا القدر من البشاعة والشره، ففي النظام السابق كان الذي لا يفسد ليس له مكان.