رئيس الكتلة الكردستانية في البرلمان العراقي: مشكلتنا الأساسية هي اتفاقات الساعات الأخيرة

فؤاد معصوم في حديث لـ «الشرق الأوسط»: كلما تقدمنا تتعقد مشاكلنا السياسية وتزداد

فؤاد معصوم (تصوير: حاتم عويضة)
TT

لا يتحدث الدكتور فؤاد معصوم عن الوضع السياسي العراقي بصفته رئيس الكتلة الكردستانية في مجلس النواب العراقي فحسب، بل كونه قياديا في الاتحاد الوطني الكردستاني ومن أول مؤسسيه، وباعتباره الرئيس الأسبق لحكومة إقليم كردستان العراق، كما أنه قبل هذا وذاك سياسي عراقي مخضرم، وكان أحد أبرز قادة المعارضة العراقية، ومن ثم عضو أول تشكيل برلماني عراقي وفي لجنة صياغة الدستور العراقي، وهذا ما يجعله يتمتع برؤية سياسية ثاقبة وجامعة للشأن العراقي المعقد.

في الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع معصوم خلال وجوده في لندن، تحدث باعتباره سياسيا عراقيا يشخص الأمور بروح وطنية حريصة وليس كبرلماني كردي، مؤكدا أن «مشاكلنا تتعقد بسبب اتفاقات الوقت الضائع». وفيما يلي نص الحوار:

* باعتباركم رئيسا للكتلة الكردستانية في البرلمان العراقي، وعضو مجلس نواب مخضرما، كيف ترون مسار الأمور السياسية في العراق اليوم؟

- لا نستطيع القول إن الأوضاع جيدة، فالمشاكل كثيرة وكلما تقدمنا في الزمن تتراكم هذه المشاكل يوما بعد آخر وباعتقادي ما دمنا ندور في حلقة النقاط المختلف عليها بين الكتل السياسية فلن نصل إلى أية نتيجة وبرأيي فإن علينا أن نترك كل الاتفاقات السابقة ونبدأ من الآن، وأن ندعو جميع الأطراف للحوار مجددا ونترك الاتفاقات السابقة.

* بما فيها مبادرة مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان؟

- مبادرة السيد مسعود بارزاني أدت إلى اجتماع مجلس النواب وانتخاب رئيس له وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل والحكومة وهذه ليست بقليلة على الإطلاق، ولكن هذه المبادرة كانت عبارة عن مبادئ عامة وعندما نريد تطبيق هذه المبادئ تبدأ الخلافات ونجد أن لكل طرف وجهة نظره الخاصة وبالذات فيما يتعلق بآلية تطبيقها.. مثلا فيما يتعلق بالمجلس الوطني للسياسات العليا، نسأل هل نحن بحاجة إلى هذا المجلس، نحن كتحالف كردستاني نقول نعم نحن بحاجة له ومنذ أول يوم قدمنا فيه مقترحنا حول تشكيل الحكومة ذكرنا فيه هذا المجلس وتحدثنا عنه، لكن الخلافات حول تفاصيل تشكيل المجلس وكيفية تشكيله وهرمية رئاسته. ونرى عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق حول تفاصيل تشكيل هذا المجلس كونها تخضع لتصورين متضادين ولا يمكن أن يلتقيا ويسيران مثل خطين متوازيين، وطالما أن الجدل سيستمر على هذا المنوال فلن نحقق أي شيء، لهذا أقول إن علينا أن نبدأ من جديد.

* أن تبدأوا من جديد على أساس ماذا؟

- على أساس أن العراق لا يمكن أن يحكم من قبل مكون واحد أو مكونين، إذن لا بد أن يكون هناك توافق بين ممثلي جميع المكونات، لأن تاريخ العراق حافل بالمآسي ولا يمكن إلغاؤها واجتثاثها من مشاعر الناس، وهذه المآسي لا تزال آثارها باقية والهواجس هي التي تتحكم، إذن لا بد أن نبدأ الآن بأفكار ومقترحات جديدة، وأعود إلى المثل الذي ذكرته حول المجلس الوطني للسياسات العليا، فهناك رأي يعود لأحد الأطراف يقول إن هذا المجلس يخطط للسياسات في المجالات كذا.. وكذا.. وأن يكون بين أعضائه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية، وأن يكون للمجلس رئيس، بينما ترى أطراف أخرى أن هذا لا يمكن تحقيقه لأن هناك دستور وصيغة المجلس هذه مخالفة للدستور، ولأنه مخالف للدستور، خاصة فيما يتعلق بموضوع الرئاسات الثلاث التي ستخضع لرئيس المجلس، فنحن نقترح مثلا أن نسمي من سيكون على رأس المجلس الأمين العام وإذا حضر رئيس الجمهورية اجتماعات المجلس فسيكون هو الرئيس للمجلس وينوب عنه رئيس الوزراء، بينما يتولى الأمين العام مهمة إعداد برامج وجداول أعمال المجلس ومتابعة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من قبل كل السلطات التشريعية والتنفيذية وبذلك لا نخالف الدستور من جهة، ولن نبقي بيد الطرف المعترض أية حجة.

* ألم يناقشوا هذه النقاط عندما وافقت جميع الأطراف السياسية على مبادرة الرئيس بارزاني؟

- لم يناقشوا التفاصيل. مبادرة الرئيس بارزاني جاءت في وقتها المناسب للغاية وكانت مهمة وضرورية جدا لإنقاذ العملية السياسية من الانهيار، ولولا هذه المبادرة لما كان مجلس النواب قد اجتمع ولا كانت انسيابية انتخاب رؤساء البرلمان والجمهورية وتشكيل الحكومة، كل ذلك تحقق بفضل مبادرة بارزاني التي جرى الاتفاق، وبحضوره (بارزاني) يوم 11/11 وأيضا الساعة 11 من العام الماضي على ثلاث نقاط وتركت التفاصيل فيما بعد، والآن ندخل في التفاصيل لأن هذه المبادئ لا بد من الاتفاق عليها.

* ولماذا برأيكم لم يتم الاتفاق على التفاصيل وقتذاك؟

- المشكلة الأساسية التي نعاني منها، ولا نزال، في العملية السياسية، هي اتفاقات الساعة الأخيرة، ويحدث هذا منذ سقوط النظام السابق، في 2003، حيث نكون دائما تحت ضغط رحمة الوقت، إذ نجد أنفسنا وحسب الدستور فإن الوقت ينتهي في يوم كذا، وبتاريخ كذا، إذن لا بد أن نتفق، يعني نهدر الوقت الطويل في نقاشات بيزنطية طويلة وعريضة حتى ينتهي ونجد أنفسنا أمام ضغط الوقت حيث لم يتبق مثلا أمامنا سوى 24 أو 48 ساعة حتى نتوصل إلى اتفاق، وعندما نتفق نجد أن لكل طرف تصوره الخاص به عما تم الاتفاق عليه إذ ليس هناك وضوح واتفاق على نقاط معينة وإنما ما يهمهم أنه فهم الاتفاق حسب تصوره ومن ثم ندخل في التفاصيل، وها نحن نحصد النتائج الآن. مثلا بعد ظهور نتائج الانتخابات طلبت وباعتباري رئيس السن لمجلس النواب اللقاء بممثلي الكتل البرلمانية للتداول حول اجتماع البرلمان قبيل انعقاده فلم تستجب أية كتلة لهذه الدعوة، جميعهم ودون استثناء، وكان المبرر أنهم لم يتفقوا على أي شيء وهم لا يريدون الدخول في هذا اللقاء حتى لا يتسببوا في مهاترات ومشاكل من دون التوصل إلى نتائج. لهذا قدمت ورقة عمل ذكرت فيها أننا نريد تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية، وأن العقد شريعة المتعاقدين، وأننا نريد تشكيل مجلس يخطط للسياسات العليا للدولة العراقية، والغريب أن كل الأطراف رفضت هذا المشروع.

* بما فيها القائمة العراقية؟

- نعم. كلهم رفضوه.

* لماذا؟

- لأن كل طرف كان عنده تصور يختلف عن بقية الأطراف، والرفض جاء بسبب اختلاف التصورات بين الكتل، ، فهناك من أراد لهذا المجلس أن يصدر بقانون وأن يتضمن عنصرا إلزاميا، وهذا لا يجوز، وحتى اليوم أقول إن هذا لا يجوز إذ تجب إحالته إلى مجلس النواب، ولكن وفق أي قانون أو مادة دستورية يحال إلى البرلمان؟ وهذا السجال مستمر حتى الآن. وبعد أن تشكلت الحكومة حيث نال كل طرف ما يرضيه في هذه التشكيلة بدليل أن أي طرف لم يعترض على هذه التشكيلة وكلها تمت ضمن الاتفاقات ولم يتبق عندنا سوى مسألة المجلس الوطني للسياسات العليا المختلف عليه للأسباب المذكورة آنفا.

* وما الحل بشأن المجلس الوطني للسياسات العليا؟

- إذا نريد لهذا المجلس أن تكون له طبيعة قانونية ويكون بإمكانه إعادة القوانين والمشاريع التي تصدر عن مجلس النواب إلى المجلس لإعادة النظر فيها فعلينا أن نتجه إلى تشكيل المجلس الاتحادي الذي هو بمثابة مجلس الشيوخ ويتكون من ممثلين عن جميع المحافظات وإقليم كردستان.

* هل يتعين أن يتم انتخاب أعضاء هذا المجلس؟

- حتى الآن غير واضح، وهذه أيضا نتيجة من نتائج اتفاقات الساعات الأخيرة أو الوقت الضائع؛ إذ كتب في الدستور التالي: «ومجلس الاتحاد يشكل بقانون»، هل من المعقول أن مجلس الاتحاد الذي تكون له صلاحية إعادة القوانين إلى مجلس النواب وتكون له فوقية على البرلمان أن يذكره الدستور بجملة مقتضبة: «يشكل بقانون».

* لكنك كنت في لجنة صياغة الدستور ولم تعترض على ذلك؟

- نعم أنا كنت في لجنة صياغة الدستور لكننا كنا خاضعين للالتزام بوقت محدد، وما زلت أتذكر مقولة السيد السيستاني الذي قال «لماذا تستعجلون في إنجاز الدستور بهذه السرعة، أنتم كنتم بلا دستور لما يقرب من 40 عاما فما الضير من الانتظار لأربع أو خمس سنوات أخرى لإنجاز الدستور على مهل».

* وهو محق في ذلك؟

- نعم محق جدا لكن كان علينا الالتزام بالوقت وإنجازه ضمن المدة المحددة.

* تعني المدة والوقت الذي حددته الإدارة الأميركية وقتذاك؟

- نعم. هذه التحديدات الزمنية الضيقة هي التي تتحمل كل مشاكلنا، ذلك لأننا لا نتفق إلا في الساعات الأخيرة من الوقت المحدد.

* تعني اتفاقات الوقت الضائع؟

- نعم هي اتفاقات الوقت الضائع وهذه هي مشكلتنا الكبيرة. والآن عندنا الوقت للاتفاق على تشكيل المجلس الاتحادي وأن يترأسه أي شخص يتم التوافق حوله.

* هل توافقون على أن يترأسه الدكتور إياد علاوي مثلا؟

- لم لا. والدكتور علاوي هو ليس برجل غريب على العملية السياسية أو شخص طارئ، بل هو عمل لسنوات طويلة في المعارضة العراقية، وكان له دور مؤثر فيها ولا أحد بإمكانه أن ينكر دوره الوطني، بل أنا أعتقد أن وجوده ضمن مؤسسات الدولة ضروري جدا، ولكن لا بد من الاتفاق على مجلس الاتحاد وأن يتولى رئاسته الدكتور علاوي.

* وهل تعتقدون أن في هذا المقترح مخرجا للأزمة السياسية؟

- نعم هذا مخرج دستوري وقانوني.

* لكن الطرف الآخر الذي يتحجج بالدستور خرق ويخرق الدستور كل يوم..

- نعم، لكننا لا نريد أن نبني خطأ اعتمادا على خطأ. يعني لا نريد أن نستند إلى خرق دستوري ونبني عليه خرقا آخر، ولا بد أن نعترض ونقف ضد كل المخالفات الدستورية، لذلك هذا الجدل سيستمر ولن ينتهي، لهذا أنا أدعو إلى أن نبدأ من جديد.

* وماذا عن الوقت الطويل الذي مضى هل تتم التضحية به؟

- هل علينا أن نستمر بهذا الجدل وهذه الأزمة لما يقرب من ثلاث سنوات مقبلة، أم نكسب ما سيأتي من زمن وننتهي من هذه الأزمة وننشغل ببناء الدولة. اليوم وضع الدولة غير مستقر، أنا لا أقول الحكومة وحسب بل الدولة وضعها غير مستقر ولهذا لا بد من العودة إلى طاولة المفاوضات من جديد لأننا لا يمكننا الاستمرار بهذه الحالة، فالعراقية مشاركة بالحكومة وفي ذات الوقت هي معارضة للحكومة وهذا لا يجوز، إما أن يكونوا في الحكومة أو في المعارضة، لا يجوز المشاركة في الحكومة ومعارضتها في آن واحد، وإذا شاركت في الحكومة فعليك أن لا تعارضها، أو في أن تكون المعارضة ضمن سياقات معينة وليس عبر الإعلام وإذا لا يرضيهم ذلك فاخرجوا.

* هل تعتقد أن خروج القائمة العراقية من الحكومة سوف يحل المشكلة السياسية؟

- لا. لا ستتعقد المشكلة أكثر، والحقيقة أن عدم خروجهم من الحكومة نقطة تحسب لـ«العراقية». خروجهم سوف يعرض العملية السياسية إلى مشكلة كبيرة وتؤدي إلى إحراج الآخرين لأنه ليس من المعقول أن يُحكم العراق من قبل مكون أو مكونين، هذا غير مقبول نهائيا.

* لكن هل تجدون أنه من المقبول أن تفوز كتلة سياسية في الانتخابات ولا يسمح لها بتشكيل الحكومة؟

- هنا لا بد من التعامل مع الدستور والقانون، نوري المالكي شكل مع الائتلاف الوطني كتلة التحالف الوطني واعتمدوا على النص الدستوري الذي يقول الكتلة النيابية الأكبر هي التي تشكل الحكومة ولا يقول القائمة الانتخابية باعتبار أن الكتلة الانتخابية مصطلح له صلة بمفوضية الانتخابات، ولكن عندما نقول الكتلة النيابية فهذا يتصل بمجلس النواب، وهذا يعني استخدام مفردات الدستور وفق معانيها الواضحة.

* لكن الدستور العراقي فيه الكثير من المطاطية..

- نعم، وطبيعة الدساتير هي أن تكون مطاطية، ليس هناك دستور لا توجد فيه مطاطية؛ كونه عبارة عن عقد اجتماعي بين الأطراف السياسية التي تتفق على هذه الصيغ وكل واحد يريد تفسيره حسب هواه لذلك وضعوا محكمة دستورية أو مجلسا دستوريا يتم اللجوء إليه عندما يختلفون على تفسير مواد الدستور.

* أنتم كتحالف كردستاني، هل أنتم راضون عن الأوضاع الراهنة، أعني الترهل الحكومي، غياب الوزراء الأمنيين، رئيس الوزراء يمسك بزمام كل الأمور، الفساد المالي، وغيرها من الأزمات؟

- لا، غير راضين. نحن قلقون، بل قلقون جدا من هذه الأوضاع، ولكن ما العمل؟ هل نسحب الثقة من الحكومة مثلما تطالب بعض الأصوات؟ السياسة ليست قضية عاطفية، وهي ليست قصة حب وغرام، السياسة فكر ومصالح ومواقف، لنفترض أننا حصلنا على أكثرية لإسقاط الحكومة، ثم ماذا؟ هذه الحكومة ستبقى حكومة تصريف أعمال ولا أعتقد أننا سنتمكن خلال سنتين من تشكيل حكومة جديدة، وهناك نقطة مهمة لا يفكر بها الكثير من السياسيين، فالحكومة ستبقى لتصريف الأعمال لكن رئيسها سيبقى القائد العام للقوات المسلحة وبيده كل الأمور الأمنية وليس قائد تصريف أعمال لأن الوضع الأمني واتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية لا تتحمل مثل هذا التوصيف، أو بقاء البلد بلا قائد فعلي للقوات المسلحة، وأهم صلاحية لدى رئيس الوزراء هي قيادته العامة للقوات المسلحة وهي الصلاحيات التي لا يشاركه فيها أحد، وهذا ما ينص عليه الدستور. إذن التهديد بسحب الثقة لا يؤدي إلى نتيجة مرضية.

* وماذا عن الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة؟

- حسب الدستور لا بد أن يدعو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى حل البرلمان، أو أن يطلب عدد من أعضاء البرلمان، أعتقد ثلث عدد الأعضاء، إلى حله، وبالنتيجة فإن الآلية الدستورية لحل البرلمان لا بد أن تتم من خلاله، يعني حتى إذا أراد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حل مجلس النواب فعليهما إرسال رسالة بهذا الشأن لرئيس المجلس لمناقشة حل نفسه، وأنا لا أعتقد أن هناك عضوا في البرلمان سيعمل على حل المجلس حيث إنه لا أحد منهم سيضمن وصوله ثانية إلى مقاعد البرلمان إذا ما تم حله في الانتخابات القادمة. لهذا فإن هذا المقترح صعب تنفيذه.

* وكيف تنظرون إلى مبادرة الرئيس جلال طالباني؟

- بالنسبة لمبادرة الرئيس فإنها تؤتي نتائج إيجابية ففي أول اجتماع، وإن كان الدكتور علاوي لم يحضره بسبب وجوده في لندن لإجراء فحوص طبية كما أخبر الرئيس هاتفيا، فإن هذا الاجتماع توصل إلى قرار إيقاف الحملات الإعلامية بين الكتل المختلفة، وهذا أمر جيد، وفي الاجتماع الثاني حضر علاوي، وهذه أيضا نقطة إيجابية، وفي اجتماع قادة الكتل أعلن الجميع التزامهم بمبادرة السيد بارزاني واتفاقية أربيل، وهذه أيضا نقطة إيجابية جدا، والنقطة الأخرى هي استمرارية اللجنة الثلاثية التي كانت تتابع تنفيذ اتفاقية أربيل. ومع ذلك أقول وحسب رأيي فإن الوصول إلى صيغة لتشكيل مجلس السياسات اعتمادا على مواقف الأطراف السابقة سيكون صعب جدا، إلا إذا غير أحد الأطراف رأيه.

* إذا كانت الأزمة في موضوع المجلس الوطني للسياسات العليا تكمن في عدم إمكانية أن يكون رؤساء الجمهورية والبرلمان والوزراء والسلطة القضائية أعضاء فيه وبرئاسة شخص ليس من هؤلاء الرؤساء فلماذا لا تقترحون مثلا أن يكون نواب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء والسلطة القضائية أعضاء فيه وممثلين عن الأصل؟

- هذه فكرة ومقترح عملي ولم نفكر به بالفعل، وبهذه الطريقة لن يكون هناك خلاف وها أنت تطرحه علينا وسنجرب بحثه، كما أن المقترح الآخر هو تشكيل المجلس الاتحادي، هناك مخارج للأزمة لكننا نحتاج إلى الحوار ولذلك أكرر دعوتي إلى البدء مجددا بالحوار، وإلا فإننا سنستمر على هذه الحالة ولن تكون هناك طمأنينة بين الأطراف.

* تصدر الكثير من التوصيفات من جانب كتل أو شخصيات سياسية عراقية عن المالكي باعتباره تسلطيا وانفراديا في قراراته وأنه يريد التمسك بالوزارات الأمنية، وتتهمه بمسؤوليته عن تراجع ملف الحريات وتردي الخدمات، ترى كيف تتعاملون مع هذه المسألة؟

- ولماذا يسكتون في مجلس الوزراء عن هذه الأوضاع، لماذا لا يناقشونها في المجلس، خاصة أن الوزراء هم أعضاء في الكتل السياسية المختلفة، فرئيس الوزراء لا يملك حرية اختيار الوزراء بل هم رشحوا من قبل كتل مختلفة ولهم أن يناقشوا هذه الأمور هناك، لكن كل هذه النقاشات تنقل إلى مجلس النواب الذي لا تحل فيه مثل هذه المشاكل.

* لكنني أسألكم باعتباركم تمثلون التحالف الكردستاني وعن رأيكم بهذه التوصيفات؟

- نحن لا ندافع عن رئيس الوزراء، ولنا رأينا في هذه الأوضاع ومنها تسمية الوزراء الأمنيين، وهناك نقطة تتعلق أيضا بمسألة اتفاقية أربيل، فرئيس الوزراء يقول إن الاتفاق حول اختيار الوزراء الأمنيين (الدفاع والداخلية والأمن الوطني) ينص على أن يكونوا مهنيين وغير حزبيين وأن يتم اختيارهم بالتوافق وليس هناك ما يشير إلى أن وزير الدفاع يجب أن يكون من الكتلة الفلانية ووزير الداخلية من كذا كتلة، وأقول إن من يمثل جهة سياسية معينة لا بد أن يكون مدركا لكل كلمة يتضمنها الاتفاق.

* هل هذا يعني أن اتفاقية أربيل لم تنص على أن يكون وزير الدفاع من «العراقية»؟

- حسب معلوماتي، لا، على الأقل فيما هو مكتوب ويمكن هناك اتفاق شفوي غير مكتوب حول ذلك، أو يمكن أن الاتفاق يقول إن وزير الدفاع من العرب السنة وأكبر كتلة سنية هي القائمة العراقية.

* لكن القائمة العراقية ترفض تسميتها بأنها سنية وإنما وطنية وتمثل جميع الأطياف العراقية؟

- هناك توصيفات نرفض قولها لكن الواقع يفرضها علينا، نحن نريد مثلا أن نقدم الشعب العراقي كأمة عراقية، ولكن هل هو كذلك؟ كلا هو مجموعة من المكونات العراقية، ولكن نتظاهر من غير أن نقول هذه كتلة سنية وأخرى شيعية وكردية، فنحن نقول نحن كتلة كردستانية لأن هناك عربا وآشوريين وتركمان في إقليم كردستان بالإضافة إلى الأكراد.

* ذكرتم أنكم لا تدافعون عن رئيس الوزراء، لكنكم أنتم، وبالذات الاتحاد الوطني الكردستاني من دعم بقوة المالكي للبقاء في منصبه حتى قبل ظهور النتائج، وهناك قيادات كردية في حزبكم وفي الحزب الديمقراطي الكردستاني تؤكد أن الاتحاد هو من قاد الموقف الكردي لدعم المالكي؟

- نحن عندما عرفنا أنه سيكون هناك اتفاق بين كتلة دولة القانون والائتلاف الوطني تحركنا لدعم هذه الكتلة.

* موقفكم الداعم للمالكي كان قبل هذا الاتفاق ومنذ البداية..

- كنا نعرف قبل أن يعلن عن تشكيل التحالف الوطني أن مرشح دولة القانون (المالكي) سيكون رئيسا للوزراء، وإلا يمكن كان هوانا مختلفا عن هذا الاتجاه.

* مثلا، ماذا كان سيكون اتجاه هواكم؟

- هذا أحتفظ به لنفسي. ثم إننا نقف بالفعل على مسافة واحدة من الجميع وتربطنا علاقات عميقة مع بقية الكتل والقيادات السياسية، وبالذات تربطنا علاقة نضالية تاريخية مع حركة الوفاق الوطني ورئيسها الدكتور علاوي.

* كيف تتعاملون مع مطالب بعض المحافظات العراقية للتحول إلى فيدراليات؟

- من حق كل محافظة، ودستوريا، أن تشكل إقليما، والإقليم سيكون ضمن خريطة المحافظة، أي أن التقسيم الإداري سيبقى نفسه للمحافظة، وحدودها ستبقى مثلما هي، كل ما في الأمر أن طبيعة المسؤوليات هي التي ستتغير لكن الخارطة الإدارية لا تتغير وتحول من الإدارية إلى الإقليمية، إلا إذا اتفقت أكثر من محافظة لتشكيل الإقليم مثل أن تتفق محافظات البصرة وميسان وذي قار لتكون إقليما في جنوب العراق. موضوع تشكيل الإقليم حق يكفله الدستور ولا أحد يستطيع الاعتراض عليه.

* لكن رئيس الوزراء، المالكي، أبدى علنا اعتراضاته على تشكيل الأقاليم..

- أنا التقيت بالسيد رئيس الوزراء حول هذا الموضوع، وقال: «أنا لست ضد تشكيل الأقاليم ولكن يمكن تصير مشاكل»، ولكننا لا نستطيع الوقوف ضد حق أي سكان محافظة في تشكيل الإقليم حتى لو «تصير مشاكل»، مثلا الموصل (مركز محافظة نينوى) محافظة كبيرة جدا وكذلك الأنبار والبصرة وفي هذه المحافظات فيها مقومات إدارية وبشرية واقتصادية تمكنها من تشكيل أقاليم، وهذا لا يعني أن البصرة إذا صارت إقليما سوف تنفصل، ها نحن في إقليم كردستان موجودون ضمن العراق ولم ننفصل، وإذا أردنا البحث عن مبررات الانفصال فعندنا منها الكثير لكننا لا نريد الانفصال، هذا الموضوع لا يتم بهذه السهولة.

* ألا تعتقد أن تجربة إقليم كردستان هي التي تقلق الشارع العراقي من تجربة الأقاليم والخشية من الانفصال، فمع أنه من حقكم كأكراد لكم قوميتكم وثقافتكم ولغتكم المختلفة عن عرب العراق، وغالبا ما يتحدث السياسيون الكرد وكذلك الناس عن حق الانفصال، وغدا إذا مارستم حقكم وأعلنتم الاستقلال عن العراق فربما تخطو بقية الأقاليم نحو ذات الاتجاه؟

- مسألة الانفصال أو البقاء مرهونة بعدة ظروف وهو ليس مجرد رغبة ذاتية، يعني استقلال أو انفصال إقليم كردستان عن العراق لا يخضع للرغبات الذاتية، بل هذا يخضع للواقع ولجملة من المشاكل ومعرفة الدول التي ستعترف بنا أو لا تعترف، والدول التي ستقف ضدنا وتحاربنا، وقبل هذا وذاك علينا أن نقدر مصلحة شعبنا العليا، المسألة ليست بهذه البساطة، ولكن أحيانا يأخذون على بعض السياسيين الكرد الذين يقولون «من حقنا» كرد فعل مقابل على بعض النزعات الشوفينية لدى البعض الآخر، ونحن نجد أن مصلحتنا هي البقاء ضمن عراق ديمقراطي فيدرالي.

* على الرغم من أن الأكراد، وخاصة القيادات الكردية، برهنت على عراقيتها خاصة مبادرات رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني العراقية ومنذ سنوات الثورة الكردية، فإنه ما زالت هناك مخاوف من الانفصال؟

- هذه كلها هواجس. فكما أن العراقيين عندهم هواجسهم من انفصال إقليم كردستان فللأكراد هواجسهم من ترسبات الماضي، هواجس من أنفال أخرى، أو أن يتصارع الشيعة والسنة على السلطة ويكون الأكراد هم الضحية، أو من أية هواجس تتعلق بتطبيق النظام الديمقراطي التعددي في العراق. كردستان وحدها ليس لديها مقومات الدولة، أنا لا أتحدث عن الأوضاع السياسية أو الاقتصادية بل الإقليمية، فحدود الإقليم مع تركيا وإيران وسوريا، ليس لكردستان العراق حدود مفتوحة مع دولة أخرى لا يوجد فيها أكراد، وعندما بدأت الحركة الكردية في العراق واستمرت كانت دائما هناك اجتماعات دورية في دول الجوار حول كيفية تحجيم هذه الحركة، واستمر هذا الوضع حتى بعد 2003 عندما كنا نعمل على الإعلان عن حكومة إقليم كردستان، ثم إننا ومنذ انطلاق ثورتنا الكردية نادينا بالحرية والديمقراطية لكل العراق والحكم الذاتي للأكراد.

* بمناسبة الحديث عن إقليم كردستان، كيف تنظرون إلى أداء رئيس حكومة الإقليم الدكتور برهم صالح، نائب أمين عام حزبكم؟

- أداؤه متميز، الدكتور برهم شخصية ممتازة وهو يمتلك خبرة إدارية وأكاديمية وثقافة واسعة وعلاقاته مع الجميع ممتازة ويحظى بثقة رئيس الإقليم السيد بارزاني.

* لكن في مدينة السليمانية هناك من يتحدث عن وجود قيادات داخل حزبكم تضع العراقيل في طريق عمل رئيس الحكومة..

- هذا أمر طبيعي ويحدث داخل كل حزب سياسي، لا سيما وأن الاتحاد الوطني الكردستاني تشكل من كتل مختلفة وفيما بعد اندمجت تماما في حزب واحد، والعلاقات الشخصية أحيانا قد تتحكم في طبيعة الآراء والتصرفات لكن الأمر لا يصل لأن يضع أحدهم أية عراقيل بعمل رئيس حكومة الإقليم ولا بسياسته.

* فيما يتعلق بموضوع كركوك، هل تعتقدون بالفعل أنها ستضم لإقليم كردستان على الرغم من اعتراض العرب والأكراد على ذلك؟

- هذه مسألة يقررها أهالي كركوك أنفسهم وعبر الاستفتاء حسب المادة 140 من الدستور العراقي، وانضمام كركوك، ولا أقول ضم، للإقليم سيكون ضمن اتفاقات معينة ضمن دستور الإقليم تراعي خصوصية التنوع القومي في هذه المحافظة، إذ لا نستطيع أن نتعامل مع كركوك كما نتعامل مع دهوك أو السليمانية أو أربيل ذات الأغلبية الكردية.