سينمائي أميركي يتتبع تجربة فتيان يحفظون القرآن بمصر

مراسل سابق في الخليج أعد «القرآن عن ظهر قلب» لعرضه على الشاشة الأميركية مطلع رمضان

المخرج السينمائي غريغ باركر«نيويورك تايمز»
TT

في طريق عودته للوطن بعد تغطية أحداث حرب الخليج، قضى المخرج غريغ باركر ليلة بأكملها في إحدى القرى المصرية. وفي صباح اليوم التالي أيقظه صوت لم يعتد سماعه. فبالنسبة لشخص نشأ في ساوثرن كاليفورنيا، حيث عادة ما يأتي مصدر الإزعاج في فترة ما قبل الفجر من أصوات أبواق السيارات، كان بحاجة إلى بعض الوقت ليدرك أنه يسمع صوت الأذان المقبل من المسجد.

ثمة شيء متعلق بالنداء لأداء الصلاة يمس، بعمق، الناس المتوجهين إلى المسجد. إلا أنه حتى بعد عمله شهورا صحافيا في المملكة العربية السعودية والكويت، لنقل أخبار عن الحرب في وسط العالم الإسلامي، كان على باركر الاعتراف بأنه لا يعرف أي شيء عن الإسلام.

والآن، بعد مرور 20 عاما، أثمر الفضول والتحدي اللذان اكتنفا تلك اللحظة عن إعداد الفيلم الوثائقي «القرآن عن ظهر قلب». يتتبع الفيلم مسيرة 3 أطفال يتنافسون في مسابقة دولية لحفظ القرآن الكريم. وسيعرض الفيلم على شبكة «هوم بوكس أوفيس» (إتش بي أو) غدا الاثنين، تزامنا مع بداية شهر رمضان.

يتضمن الفيلم الوثائقي «القرآن عن ظهر قلب» بعض سمات أحد أنواع الأفلام الوثائقية المعروفة، ويختلف عنها في الوقت نفسه في سمات أخرى؛ فمثلما لاحظ الكثير من النقاد حينما عرض الفيلم في مهرجان «تريبيكا» للأفلام الوثائقية، يتابع الفيلم مسيرة أطفال أذكياء واقعين تحت وطأة ضغط الفوز أو الهزيمة، وهو الموضوع الذي تم عرضه للجمهور في فيلمي «سبيل باوند» عام 2002 و«ماد هوت بول روم» عام 2005.

وعلى الرغم من ذلك، بخلاف وجود نحلة تتحدث أو مسابقة رقص، فإن مسابقة القرآن الكريم الدولية التي تقام سنويا في القاهرة لها تبعات تتجاوز الفوز أو الهزيمة. ومن منظور باركر، المخرج البارع، تتيح المنافسة وسيلة لشرح الخلاف في إطار الإسلام بين التطرف المتأصل والتعليم الحرفي والحداثة خارج أسوار المدرسة.

«كنت مهتما بالإسلام كقوة في العالم».. هكذا تحدث باركر (48 عاما) في لقاء معه عبر برنامج «سكايب» من منزله في لوس أنجليس. وأضاف: «كنت منجذبا للصراعات والحوار عن الحداثة في سياق الإسلام. إنه ليس بالأمر الذي يعيه معظم الناس. كنت أبحث عن وسيلة لإضفاء بُعد إنساني على الدين والصراع. وباعتباري منتج أفلام، كنت أبحث عن مدخل».

قبل بدئه المشروع، رسخ باركر مكانته كمخرج روائع فنية وسياسية، من خلال أفلام وثائقية أهمها: «أشباح رواندا»، وهو الفيلم الذي يؤرخ لأحداث الإبادة الجماعية التي حدثت هناك، وفيلم «سيرغيو» الذي تناول اغتيال سفير الأمم المتحدة في العراق في تفجير شاحنة أودى بحياة 22 شخصا.

ومنذ قرابة عامين، سمع باركر وشيلا نيفينز، رئيسة شعبة الأفلام الوثائقية بشبكة «إتش بي أو»، كل على حدة، بمسابقة حفظ القرآن الكريم. وبدعم من شبكة الكابل شكل باركر طاقم عمل، وتمكن من تخطي الإجراءات البيروقراطية المعقدة في مصر وبدأ في إعداد فيلم عن المسابقة التي امتدت لأسبوعين في أغسطس (آب) الماضي. وحتى عندما توافرت لباركر الإمكانات، قوبل المشروع بحالة من الشك والعداء. ففي الوقت الذي كان يرغب فيه في الاقتراب من الإسلام من خلال مسابقة القرآن الكريم، كان المنظمون والمشاركون يوضحون مواقفهم تجاه الغرب لفريق عمل الفيلم الوثائقي.

«السؤال الأكبر الذي يتكرر مرارا وتكرارا دون انقطاع هو: لماذا يعكف هؤلاء الأفراد على إنتاج الفيلم؟».. هكذا استرجعت رزان الغلاييني، 25 عاما، وهي أميركية مسلمة ومنتجة مساعدة في الفيلم. وأضافت: «هل يكره الأميركيون والمسيحيون الإسلام؟ لا أعتقد حتى أفهم مدى شعور الناس بهذا الكره».

وفي وسط هذا المناخ، تمكن باركر من تجسيد الروح المهرجانية التي تهيمن على المنافسة - 110 أطفال وبالغين صغيري السن من شتى بقاع العالم، من إيطاليا ونيجيريا وباكستان وأستراليا، جميعهم يتم اختبارهم في نص مكون من 200 ألف كلمة عربية، كما يتم اختبار قدرتهم على ترتيل وتجويد القرآن الكريم – ومن توجيه جل الاهتمام إلى الشخصيات التي ستدعم أكثر المواضيع عمقا في الفيلم في نهاية المطاف.

كان هناك 3 أطفال في سن العاشرة: نبي الله سعيدوف، من طاجيكستان، ورفدة رشيد، من جزر المالديف، وجميل دجينغ، من السنغال. وبعد انتهاء المسابقة تتبع باركر وطاقم عمله الثلاثة في طريق عودتهم إلى دولهم الأم. فوجد أن نبي الله على الرغم من كونه قارئا بارعا للقرآن الكريم فإنه يجهل اللغة الطاجيكية، وتلقى تعليمه الوحيد من إمام مدرسة خصصتها الحكومة الطاجيكية لمناهجها التعليمية الدينية.

ويشرح مدير مدرسة مدنية في الفيلم قائلا: «المشكلة هي وجود مدارس ريفية صغيرة؛ حيث هناك مدرس واحد فقط يدرس للتلاميذ، ويمكنه أن يوجه الشباب للانضمام إلى الجماعات المتطرفة».

وفيما يبدو تناقضا واضحا، تعتبر رفدة، وهي ابنة لمحاسبين، طالبة ناجحة وتطمح إلى أن تصبح عالمة. وعلى الرغم من ذلك فإن والدها قد اتجه إلى التشدد الديني، وتعامل مع المصريين بازدراء باعتبارهم لا يتقيدون بالعادات والتقاليد بالدرجة الكافية، ويخبر رفدة أنه يخطط لنقل الأسرة بأكملها إلى اليمن، وأنها حتى إذا تلقت تعليما فسيكون مستقبلها أن تصبح ربة منزل.

وتشهد الدراما على صحة الكلمات التي جاءت على لسان ميمون عبد القيوم، الرئيس السابق لجزر المالديف، خلال الفيلم، وهي: «لقد كنا دائما نطبق الإسلام بشكل متواضع جدا في جزر المالديف، لكن الاتجاه – للعودة بالتاريخ إلى بداية ظهور الإسلام – ملحوظ بأنحاء العالم الإسلامي كافة».

وقد يكون من غير الملائم هنا أن نكشف عما سيحدث لرفدة ونبي الله بنهاية الفيلم الوثائقي أو ما إذا كانا سيفوزان في المسابقة أم لا. يكفي القول إنهما يجسدان معا مفهوم الأمة الإسلامية وفكرة الالتزام التام الذي لا مجال للشك فيه بما جاء في القرآن الكريم.

وقال باركر: «بالنسبة لي، الأمر يرجع إلى التعليم. إذا كنا نصنع فيلما عن المسيحيين البروتستانت الذين يحفظون الكتاب المقدس، وكأن هذا هو كل ما فعلوه، كنا سنعاني مشكلات. وفيما يتعلق بالإسلام، لدينا مشكلة تتعلق بذلك الأفق الضيق الذي يمكن أن يقود إلى التطرف، وفي أسوأ الحالات، إلى الإرهاب. لكن، طالما يحظون بقسط كبير من التعليم، فإن دينهم أمر خاص بهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»