الملك محمد السادس يدعو لانتخابات مبكرة وتحفيز الشباب على الانخراط في العمل السياسي وتجديد النخب

جدد دعوته فتح الحدود مع الجزائر واعتبر أن «الحكم الذاتي» هو الحل الوحيد لمشكلة الصحراء

TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى التبكير بانتخاب مجلس للنواب، طبقا للدستور الجديد للبلاد، حتى يتسنى تعيين رئيس حكومة من الحزب الذي سيحتل المرتبة الأولى في الانتخابات، وعبر عن أمله في أن تتشكل «حكومة جديدة منبثقة من أغلبية برلمانية متضامنة ومنسجمة». ودعا إلى تجديد النخب، منتقدا المشهد السياسي الحالي، وقال إنه يحفل بالسلبيات. وكانت مصادر وثيقة الاطلاع أكدت أن انتخابات سابقة لأوانها ستجري في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل وأن تحفظات حول هذا الموعد من طرف بعض الأحزاب يمكن التغلب عليها.

وأعلن العاهل المغربي أن مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) يمكن أن يستمر حتى السنة المقبلة، على أن يجري انتخاب مجلس جديد قبل نهاية العام المقبل، وبرر ذلك بقوله إن انتخاب مجلس جديد للمستشارين مرتبط بإقرار «القوانين التنظيمية والتشريعية المتعلقة بالجهوية المتقدمة وبالجماعات الترابية الأخرى وبالغرفة الثانية، وكذا بإجراء الاستحقاقات الانتخابية الخاصة بها وفق جدول زمنية محدد».

وركز الملك محمد السادس في خطابه الذي وجهه أمس إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لتوليه الحكم على مرحلة ما بعد إقرار دستور جديد سيمنح رئيس الحكومة والبرلمان صلاحيات واسعة، ونوه ملك المغرب بالمشاركة الواسعة في إقراره عبر استفتاء كان قد جرى في أول يوليو (تموز) الحالي.

وشدد العاهل المغربي في إشارة لافتة إلى ضرورة تجديد النخب، وقال في هذا الصدد: «لكل زمن رجاله ونساؤه، ولكل عهد مؤسساته وهيئاته، ودستور 2011 بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة، قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية والمواطنة الملتزمة، والمسؤولية العالية، وخدمة الصالح العام».

وعلى مستوى تطبيق الدستور، دعا إلى وضع جدول زمني مضبوط لتطبيقه على أرض الواقع، خاصة مسألة قيام مؤسسات جديدة، وقال في هذا الصدد «ندعو كافة الفاعلين المعنيين إلى اعتماد جدولة زمنية مضبوطة تمكنهم من رؤية واضحة لإقامة المؤسسات الدستورية في الآجال القصيرة والمتوسطة»، مشيرا إلى إعطاء الأولوية في المدى القريب إلى أسبقية إقرار القوانين الجديدة الخاصة بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، طبقا لأحكام الدستور الجديد.

وحدد العاهل المغربي 3 مرتكزات تضمن حسن سير المؤسسات الدستورية، وهي الالتزام بسمو الدستور روحا ونصا، واعتبار أي ممارسة أو تأويل مناف لجوهره يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادة الملك والشعب، وثانيا إيجاد مناخ سياسي سليم، جدير بما أفرزه الدستور من مغرب جديد، والالتزام بتجسيد جوهره المتقدم على أرض الواقع، وثالثا العمل بروح التوافق الإيجابي، على تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، جدير بدستورنا المتقدم، وكفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات. وطلب العاهل المغربي من الأحزاب «مضاعفة جهودها لتحقيق مصالحة المواطنين، وخاصة الشباب مع العمل السياسي بمفهومه الوطني النبيل، سواء في نطاق الأحزاب التي أناط بها الدستور مهمة المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، أو بالانخراط في المؤسسات الحكومية الممارسة للسلطة التنفيذية أو في المؤسسة البرلمانية ذات السلطات التشريعية والرقابية الواسعة أو في المجالس البلدية والهيئات المحلية».

وفي موضوع آخر، عبر العاهل المغربي عن اقتناعه بأن تطبيق الدستور الجديد «سيشكل دعما قويا لمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي ونهائي لنزاع الصحراء» وقال إن المغرب سيعمل من أجل «تفاوض جاد مبني على روح التوافق والواقعية وفي إطار المنظمة الأممية وبالتعاون مع أمينها العام ومبعوثه الشخصي». لكنه قال إن قضية الوحدة الترابية «لا مجال فيها للمساومة».

وحول الوضع في منطقة المغرب العربي جدد الملك محمد السادس تشبث بلاده باتحاد المغرب العربي، وقال إن المغرب سيظل متشبثا «ببناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي لا محيد عنه، مع ما يقتضيه الأمر من تصميم ومثابرة لتذليل العقبات التي تعرقل تفعيله ضمن مسار سليم ومتجانس». وبشأن العلاقات مع الجزائر دعا إلى تسوية جميع المشاكل العالقة وفتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ صيف عام 1994. وقال: «نحن ملتزمون وفاء لأواصر الأخوة العريقة بين شعبينا الشقيقين وتطلعات الأجيال الصاعدة بإعطاء دينامية جديدة منفتحة على تسوية كل المشاكل العالقة بين البلدين». وتعهد ألا يدخر المغرب جهدا لتنمية علاقاته الثنائية مع دول المنطقة، ونوه في هذا الصدد بالوتيرة الإيجابية للقاءات الوزارية والقطاعية الجارية مع الجزائر.

وبشأن الأوضاع العربية قال الملك محمد السادس إن المغرب «يتابع بانشغال ما يجري في بعض البلدان العربية الشقيقة من تحولات، يعتبر أنه لا مناص من التعاطي مع قضايانا وتحدياتنا بروح جريئة واستشرافية بالحوار التوافقي البناء بعيدا عن كل أشكال التعامل التقليدي الذي برهن عن محدوديته وعدم جدواه، وذلك لتطويق المخاطر المهددة لسلامة الدول ووحدتها الترابية»، ووجه العاهل المغربي، بصفته رئيسا للجنة لقدس، نداء للجنة الرباعية الدولية لتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقال: إن السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط يمر عبر ضمان حقوق جميع شعوب المنطقة في الحرية والاستقرار والازدهار وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار عاصمتها القدس الشرقية. وحول الأوضاع في أفريقيا دعا إلى تعزيز الأمن والاستقرار خاصة في منطقة الساحل والصحراء.