بريطانيا: مخاوف تعليمية من تأثير رجال الأعمال على فلسفة المناهج لتسيير سوق العمل

تقرير يثير جدلا حول «التعليم من أجل الحياة أم العمل»

تشير بيانات صادرة عن التعليم العالي إلى أن 26 % فقط من خريجي عام 2010 نجحوا في الحصول على فرصة عمل بعد مرور ستة أشهر من مغادرة الجامعة
TT

أشار التقرير الحكومي الصادر بشأن التعليم العالي إلى أنه يتعين على الجامعات تدريب الطلبة على وظائفهم المستقبلية، ولكن لا يتفق كل الأكاديميين على ذلك، حيث تقول كل من كيم هيوز واوبهين هيرلي إن الجامعة ليست مكانا لتعليم مهارات التوظيف.

وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية تقوم هيوز بدراسة قطعة من الشوكولاته كما لو كانت تفحص قلادة من الماس. إنها لا تفكر في أكلها، ولكنها معجبة بتصميمها والجهد الذي بذل حتى يتم التوصل لهذا الشكل. وبعد أن أكملت هيوز برنامج تدريب الخريجين لشركة «نستله» العام الماضي، أصبحت الآن مكلفة باستعراض نظم إنتاج الحلويات.

وقد دخلت هيوز في منافسة شرسة مع مئات الطامحين للحصول على المنصب المرموق في شركة «نستله»، ولكنها تعترف بأنها محظوظة لأنها تخرجت قبل انحسار فرصها في العثور على عمل بشكل كبير.

وتشير أحدث البيانات الصادرة عن وكالة إحصائيات التعليم العالي إلى أن 26 في المائة فقط من خريجي دفعة عام 2010 نجحوا في الحصول على فرصة عمل بعد مرور ستة أشهر من مغادرة الجامعة، بالإضافة إلى 7 في المائة يجمعون بين العمل ومزيد من الدراسة، ويعد هذا تحسنا بالمقارنة بالعام السابق، ولكنه لا يزال أقل بكثير من مستويات ما قبل اندلاع الأزمة العالمية.

ومن جانبه، استغل ديفيد ويليتس، وزير التعليم العالي البريطاني، هذه الإحصائيات لكي يبرر المقترحات الواردة في التقرير الحكومي بشأن التعليم العالي حتى تعمل الجامعات مع أصحاب الأعمال بهدف تطوير المقررات التعليمية وتعزيز برامج تدريب الطلاب على مهارات العمل، كما أشار الوزير إلى أن التناقض الكبير بين الجامعات - تصل معدلات التوظيف إلى 100 في المائة في جامعة باكنغهام و78 في المائة في جامعة شرق لندن - يعد دليلا على أنه يجب تسمية المقررات الدراسية الضعيفة وفضحها حتى يتمكن الطلاب من اختيار المواد التي يدرسونها والأماكن التي يتلقون الدراسة بها.

ومع ذلك، فإن العديد من الأكاديميين غير متحمسين لتدريب الطلاب على العمل، حيث تقول الدكتورة ويندي بيات، وهي مديرة مجموعة رسل، إن المؤسسات الأعضاء في المجموعة يهدفون إلى تزويد الطلاب بالمهارات الأساسية، مثل حل المشكلات وتقنيات التحليل والتفكير الإبداعي والابتكار حتى يتمكنوا من التكيف على بيئات العمل. وتضيف: «إن تطوير هذه المهارات والصفات رفيعة المستوى، بدلا من التدريب على وظيفة محددة، يعد واحدا من الأدوار الحيوية التي يجب أن تلعبها الجامعات».

وقد قام البروفيسور جون برينان، مدير مركز بحوث التعليم العالي في الجامعة المفتوحة، بتدريس توظيف الخريجين على مدار العشرين عاما الماضية ويرى أن هناك خطرا حقيقيا في استبدال «التعليم من أجل العمل» بـ«التدريب من أجل الحياة».

ويضيف برينان: «إن مسألة توظيف الخريجين هو مسؤولية مشتركة بين أرباب العمل والجامعات، ولكن يتعين عليك حقا معرفة ما إذا كنت تعمل في مجال إعداد الطلاب لأول عمل لهم أو إعدادهم للعمل المهني طيلة حياتهم. في المملكة المتحدة يكون هناك في كثير من الأحيان فترة انتقالية تتراوح بين أربع وخمس سنوات وهي الفترة بين تخرج الطالب من مؤسسات التعليم العالي واستقراره في حياته المهنية».

وفي أحد المشروعات البحثية، عقد برينان مقارنة بين نظم التعليم العالي في كل من المملكة المتحدة وألمانيا وخلص إلى أن الخريجين في كلا البلدين قد يكونون في «نفس النقطة تقريبا» في أواخر العشرينيات من عمرهم، حيث يقضي الألمان فترة طويلة في التعليم العالي المهني، في حين يكتسب البريطانيون خبرة العمل بعد قضائهم فترة أقصر في التعليم.

وقال برينان: «هناك مزايا حقيقية في النظام البريطاني الذي يقضي فيه الطلاب فترة قصيرة في الجامعة، ولكن عليك أن تسأل ما هي الأشياء التي يجب دراستها بشكل معقول خلال فترة الدراسة الجامعية التي تستمر لمدة ثلاث سنوات، وما هي الأشياء التي يجب تركها حتى يتعلمها الخريج عندما يبدأ حياته المهنية؟».

ويعد برينان هو أول من يعترف بأن توفير خبرة العمل، مثل اختيار المكان الملائم للعمل وتدريب الطلاب والخريجين، يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة، أما مصدر القلق الحقيقي، والذي يشعر به كل الخريجين على ما يبدو، فيكمن في نية الحكومة بالسماح للشركات بالتأثير على المحتوى الأساسي للمناهج الدراسية.

وقبل انضمامها للعمل في شركة نستله، أكملت هيوز مقررا تعليميا لمدة خمس سنوات في الكيمياء الجزيئية البيولوجية والطبية في جامعة ستراثكلايد، وتضمن هذا المقرر عاما عمليا في مجال الصناعة. وعن ذلك تقول هيوز: «لقد ساعدتني التجربة في مكان العمل بكل تأكيد على التعامل مع البرنامج التدريبي لشركة نستله، وحتى عملي في وظيفة بدوام جزئي أثناء الدراسة علمني مهارات تتعلق بالعمل أكثر مما تعلمت من خلال الدراسة، ولكن لا أرى أن التوظيف يجب أن يُدرس في الأكاديميات».

وقبل صدور التقرير الحكومي حول التعليم العالي، قامت مؤسسة «إيدج» الخيرية بإصدار تقرير يوصي بأن تقوم الجامعات باستشارة أصحاب الأعمال فيما يتعلق بالمناهج الدراسية ووضع التوظيف في مركز التخطيط الاستراتيجي.

ووفقا للتقرير، يتوقع أرباب الأعمال أن يتمتع الخريجون بصفات مميزة بما في ذلك القدرة على العمل كفريق والاتصال والقيادة والتفكير النقدي وحل المشكلات والقدرات الإدارية. ومن جهته قال ديفيد هاربورن، وهو مدير الأبحاث بمؤسسة «إيدج» التي كلفت جامعة غلاسكو بإجراء الدراسة: «يميل أرباب العمل إلى أن يكون الخريجون جاهزين، ولكن ليس من العدل أن يشعر بعض الخريجين بالإحباط لأن خريجين آخرين أفضل منهم عند التقدم للوظائف».

وأضاف: «يرى بعض الأكاديميين أن التوظيف هو مسؤولية مكتب وظائف الجامعة ولا يريدون التدخل في ذلك. وهناك توازن ينبغي تحقيقه، ولكن لا يمكن القول بأن الطلاب الذين يدرسون الأدب الإنجليزي لن يفكروا في العمل الذي ينوون القيام به عند تخرجهم».

وقد تبنت بعض الجامعات مبدأ مهارات التوظيف في رسالة المنظمة (بيان مقتضب يوضح الهدف من المؤسسة) وعلى ومواقعها على الإنترنت، فعلى سبيل المثال أعلنت جامعة هيرتفوردشاير أن «فرص العمل تقع في صميم كل ما نقوم به».

وعلى الجانب الآخر هناك نهج مختلف في الكلية الجديدة للعلوم الإنسانية في لندن والمملوكة للفيلسوف البريطاني أنتوني جرايلينج، حيث تخطط الكلية لفرض رسوم بقيمة 18,000 جنيه استرليني وستخرج الطالب وهو حاصل على شهادة جامعية ودبلومة منفصلة لمنهج إضافي يشمل المهارات المهنية العملية مثل محو الأمية المالية والعمل الجماعي والعرض والاستراتيجية.

ويقول آلان سميثرز، وهو مدير مركز التعليم وأبحاث التوظيف في جامعة باكنغهام، إن العديد من أرباب العمل لديهم أفكار غامضة أو غير واقعية بشأن ما يتوقعون أن تقوم الجامعات بتدريسه، وتساءل «كيف يتم تعليم العمل الجماعي على سبيل المثال؟».

وقال إن هناك مخاطر في السماح لأصحاب العمل بالتأثير على المناهج الدراسية، مضيفا: «قامت الجامعات بتنظيم دورات تدريبية عملية أثناء الدراسة، ولكن لم تلقَ هذه الدورات قبولا كبيرا سواء من الطلاب أو أرباب العمل. وقام الطلاب بتأجيل ذلك، فعلى سبيل المثال في مجال الهندسة، قضى الطلاب عاما كاملا في صب المعادن في أحد المصانع، وتبين أن معظم أرباب العمل قد قاموا بتوظيف خريجي كليات الهندسة من الجامعات الأكاديمية».

ومن جهته يقول روجر براون، وهو المدير المشارك لمركز تطوير أبحاث التعليم العالي بجامعة ليفربول هوب: «يتعين على الجامعات توفير تعليم جيد يعد الطلاب لبقية حياتهم. إن مقترحات التوظيف الواردة في التقرير الحكومي عبارة عن هراء خطير لأنها تستند إلى معلومات غير موثوق بها ورديئة الجودة».

وأضاف أنه لا يتعين على الجامعات أن تقلق كثيرا «لأن هذه الأنواع من الأفكار هي جزء من سياسة الحكومة منذ الثمانينيات من القرن الماضي ولم يتم تطبيقها بنجاح حتى الآن».