المعارضة في الخارج تستشعر لحظة التغيير.. بعد 48 عاما من الديكتاتورية

معارض: نؤدي دور الخادم لهذه الثورة بدعمها وإسنادها

TT

حين كان الدبلوماسي السوري السابق بسام البيطار مقيما في باريس منذ 3 عقود دق أحد أفراد الشرطة السرية من العاملين في السفارة باب شقته ليبلغه تهديدا مبطنا بالقتل إن هو لم يكف عن انتقاد عائلة الأسد.

وقال البيطار، 55 عاما، وهو يتذكر اليوم الذي زاره فيه الضابط من السفارة بمنزله في إحدى الضواحي بعد فصله من عمله بها في مايو (أيار) عام 1987 إن الضابط من السفارة الذي عرف نفسه باسم المقدم غياث أنيس وهو ليس اسمه الحقيقي، قال له إنه ينصحه كصديق بأن يلتزم الصمت وإلا سيواجه العواقب.

وتابع قائلا لـ«رويترز» إنه كان ينتقد الابتزاز والصفقات التجارية غير المشروعة لعائلة الأسد. وقال إنه فقد وظيفته وحرم من رؤية بلده. وتابع قائلا لـ«رويترز» إن السوريين يتحدون الآن طلقات الرصاص من أجل الحرية ويدفعون ثمنا أغلى كثيرا. وكان يتحدث في بهو فندق بإسطنبول على هامش اجتماع عقد هذا الشهر لمعارضين للرئيس بشار الأسد من خارج سوريا وداخلها.

ويسعى الأسد الذي خلف والده الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 2000 إلى سحق انتفاضة مضى عليها أربعة أشهر تدفع المعارضين في الخارج إلى إقامة اتصالات مع الزعماء السريين لاحتجاجات الشوارع وإمدادهم بالدعم التنظيمي والمعنوي. ويتراوح المعارضون من علماء دين يقيمون في عواصم عربية، إلى رجال أعمال في عواصم غربية وناشطات يرتدين الجينز ويعشن في كندا والولايات المتحدة مما يعكس التنوع الثقافي والديني والاجتماعي للشعب السوري.

اليوم ألهم المحتجون الذين يتحدون طلقات الرصاص في الشوارع شخصيات المعارضة التقليدية السورية التي ينظر إليها في بعض الأحيان على أنها محدودة التفكير وتلاحقها ذكريات الحملة الدموية على انتفاضة مسلحة قادها الإسلاميون في حماه عام 1982. وكان مؤتمر إسطنبول الأحدث ضمن سلسلة من التجمعات في العواصم الغربية تهدف إلى إقامة صلات بين زعماء احتجاجات الشوارع في سوريا والمعارضين في الخارج الذين يقعون تحت ضغط لتنحية خلافاتهم جانبا والاتحاد.

ويرى البيطار وهو مسيحي من حلب فرصة الآن في إجراء تغيير سياسي حقيقي للمرة الأولى خلال عقود من العمل السياسي، وبعد 48 عاما من الديكتاتورية. وانتعش أمله في العودة إلى الوطن وهو ينظم احتجاجات أمام البيت الأبيض. وقال البيطار الذي كان يحشد تأييد الإدارة الأميركية لتشدد العقوبات على عائلة الأسد، إن المعارضة الآن مختلفة جدا، فالمعارضة اليوم متحدة في هدفها وهو التخلص من النظام الحالي. ولم تجر محاولات الجمع بين المعارضين في الخارج وزعماء احتجاجات الشوارع دون أن يلحظها الجهاز الأمني للأسد الذي شن حملة في 15 يوليو (تموز) على ضاحية القابون في دمشق حيث كان يأمل نشطاء الانضمام لمؤتمر إسطنبول من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة. وتخلوا عن الفكرة بعد أن قتل الجهاز الأمني 14 محتجا.

وساعدت الاحتجاجات في سوريا في بث الروح في معارضة محتضرة. كما حفزت معارضين في الخارج على السعي لطرق مبتكرة لتمويل الاحتجاجات الداعية للديمقراطية والتنسيق مع منظميها داخل سوريا على أرض الواقع. وجلس معارضون في الخارج يقيمون في أستراليا ودول عربية وكندا، حول مائدة مؤتمر إسطنبول ومعهم أجهزة الكومبيوتر المحمول واللوحي يخططون لاجتماعات ويدردشون عبر موقع «سكاي بي» مع لجان تنسيق محلية داخل سوريا.

ويقول ياسر سعد الدين وهو محلل مستقل يميل إلى التيار الإسلامي ويقيم في قطر «على المعارضة بالخارج أن تؤدي دور الخادم لهذه الثورة ودعمها وإسنادها». وتلقى المعارضون في الخارج دفعة حين تم رفع الحظر على السفر المفروض على هيثم المالح هذا الشهر. والمالح قاض سابق أمضى عشر سنوات في السجن لمقاومته احتكار عائلة الأسد للسلطة وسيطرة حزب البعث على جهاز القضاء.

واستقبل المالح في مؤتمر إسطنبول استقبالا يليق برجل دولة وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من الإفراج عنه وهو يلعب دورا رئيسيا في إقامة جسور بين معارضي الأسد في الداخل والخارج. وقال المالح خلال تناوله الغداء في فندق الخمسة نجوم قرب البوسفور الذي عقد فيه اجتماع المعارضة، إن المعارضة في الخارج تجمع الأموال حتى يستمر المحتجون وتساعد في توسيع نطاق العصيان المدني الذي جعل بعض المدن مثل حماه وحمص مناطق محررة.

وأظهر مكان عقد المؤتمر حجم النفوذ المالي والتنظيمي لجيل شاب ميسور ماديا من المعارضين في الخارج الذين فروا من القيود في وطنهم ليقيموا مشاريع تجارية في الخليج وأوروبا. ومن بين النشطاء أسامة الشوربجي، 32 عاما، الذي قطع دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الكائنات الحية الدقيقة بجامعة باريس للحضور. وألقي القبض عليه عام 2003 مع مجموعة من النشطاء الشبان بعد حملة لتنظيف شوارع دارايا وهي ضاحية بدمشق وهي المبادرة التي اعتبرت محاولة تخريبية لتعطيل عمل المجلس البلدي.

وقال الشوربجي إنه يعتبر الجيل الجديد من المعارضين السوريين في الخارج أكثر تحررا من العقيدة السياسية التي يتشبث بها الجيل الأكبر سنا. ويقول سوريون مغتربون أنشأوا مواقع إلكترونية مناهضة للأسد وأمدوا منظمي الاحتجاجات في سوريا بالهواتف التي تعمل بالقمر الصناعي إنهم يجدون وسائل سرية أيضا لتمويل حملات العصيان في مدن مثل حماه وحمص يأملون أن تسرع بإسقاط حكم عائلة الأسد.