هل بات رئيس الوزراء التركي أقوى بعد استقالات القادة العسكريين؟

«زلزال 4 نجوم» كان عنوانا رئيسيا لصحيفة «الصباح» الموالية للحكومة

TT

قبل 50 عاما، عندما اختلف رئيس وزراء تركي مع جيش البلاد انتهى الأمر بإعدامه شنقا، ولم يشفع له فوزه بـ3 انتخابات. تبدل الوضع هذه المرة؛ إذ انتهى الخلاف باستقالة معظم قادة الجيش التركي في وقت واحد، مع شكوى قائد الجيش من قلة الحيلة والصحافة السيئة.

فوجئ الأتراك، أول من أمس، بالاستقالات – وكانت هذه لحظة استثنائية في تاريخ تركيا الحديث – وسعى مسؤولون جاهدون إلى توقع ما سيحدث، بينما حذر منتقدون من سلطوية أعدها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي يحكم البلاد منذ 2003.

لكن بصورة أوسع، أعطت استقالات يوم الجمعة لأردوغان فرصة لإعادة تشكيل جيش تحده رقابة مدنية وتبني سياسة خارجية تعززت بالفوز الحاسم لحزبه المحافظ في الانتخابات خلال يونيو (حزيران) والسعي من أجل تعديلات دستورية يمكن أن تغير الساحة السياسية هنا.

ويبدو أن الصراع الذي طرح الخطر الأشد لأردوغان – جيش قوي مستعد للتصرف بعيدا عن القانون – قد انتهى في الكثير من النواحي. وقال كاتب العمود البارز جنكيز كاندار: «لقد ولت أيام كان يصدر فيها الجيش التركي الأوامر. وتوجد الآن معادلة جديدة في الساحة السياسية داخل البلاد، وعلى كل من يعتمد على الجيش لتسجيل نقاط في قضية سياسية أن ينسى ذلك».

وفي خطوة يقول مسؤولون إنها فاجأتهم، طلب قائد الجيش التركي أسيك كوسانير، ومعه قادة القوات البحرية والبرية والجوية، الاستقالة يوم الجمعة احتجاجا على إلقاء القبض على العشرات من الجنرالات كمشتبه فيهم في تحقيقات حول ضلوعهم في تآمر مستمرة منذ وقت طويل، ويقول منتقدو أردوغان إن هذه التحقيقات لها دوافع سياسية.

«زلزال 4 نجوم»، كان هذا عنوانا رئيسيا في صحيفة «الصباح» التركية الموالية للحكومة. لكن أردوغان قام سريعا بترقية الجنرال نجدت أوزل، قائد الشرطة العسكرية، كبديل متوقع لكوسانير. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء لم يذكر شيئا علنا، ربما في محاولة لكي ينأى بنفسه بعيدا عن النزاع، فقد قلل مسؤولون حكوميون آخرون من فكرة حدوث فراغ أو مواجهة في المستقبل، فيما بدت وكأنها محاولة لطمأنة 73 مليون تركي من أنه لن يحدث انقلاب.

وقال الرئيس عبد الله غل: «يجب ألا يبدو الأمر وكأن أزمة أو مشكلة ما زالت مستمرة». وأضاف: «كانت أحداث أمس استثنائية في نطاقها، ولكن عاد كل شيء إلى مساره».

ويتمثل السبب الأقرب للخلاف بين الجيش والقيادات المدنية في إلقاء القبض على قيادات عسكرية في سلسلة من التحقيقات حظيت بتغطية واسعة في الصحافة، اتهمت فيه هذه القيادات وآخرين بالتآمر للإطاحة بحكومة أردوغان. ولا يزال أكثر من 40 جنرالا في الخدمة قيد الإقامة الجبرية في تهم يقول أنصارهم إنها واهية.

لكن تتسع المعركة لتجعل حزبا له جذور إسلامية في مواجهة مؤسسة تعتبر نفسها حامي العلمانية التي شكلت مكونا أساسيا من تأسيس الدولة الحديثة عام 1923. وتنتشر الشكوك لدرجة أنه عندما سُئل عن توضيح لتسلسل الأحداث الغامض هذا الأسبوع، هز مسؤولون تابعون لأردوغان أكتافهم، في إشارة إلى الجنرالات. وكانوا يقصدون من ذلك إلقاء اللائمة على جيش يعتبر مسؤوليه غير خاضعين للمساءلة بصورة غير مناسبة.

وقال مسؤولون يوم السبت: إنه يوجد شعور متنامٍ بالإحباط من جانبهم بخصوص قتال الجيش ضد تمرد كردي في الجنوب الشرقي أدى إلى مقتل ما يصل إلى 40 ألف شخص، ويبدو أنه قد تفاقم خلال الأشهر الأخيرة. وفي 14 يوليو (تموز)، قُتل 13 تركيا في مصادمات مع مسلحين داخل محافظة ديار بكر، وتبين أن قضية حقوق الأقلية الكردية مزعجة مثلها مثل خلاف أردوغان مع الجيش.

وقال مسؤول بارز، شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية القضية: «من وجهة نظر عسكرية محضة، لا يبذل الجيش ما يكفي لمنع هذه الهجمات وتلك الخسائر. يوجد شيء مفقود في التخطيط في حربنا على الإرهاب».

وفي بعض الدوائر، يوجد إحساس بالنصر بشأن الاستقالات؛ حيث إنها تمثل إشارة لجيش يتراجع نفوذه عما كان في السابق، عندما نفذ 3 انقلابات بدأت عام 1960، وقام قبل 14 عاما بأخذ السلطة من حكومة لها بعض الروابط بحزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا.

ويقول مهمت بارلاس، وهو كاتب عمود في صحيفة «الصباح»: «في الماضي عندما كان يصعب التعايش بين الجيش والسياسيين، كان السياسيون يتلقون إخطارا وربما أجبروا على الرحيل. والآن يحدث العكس. وليس سهلا التعود على التغيير».

لكن يبدو أن النخبة المثقفة منقسمة، وتتشكل الآراء وفق اختلافات بين الليبراليين والمحافظين والعلمانيين والمتدينين والقوميين والإسلاميين. وقد ظهرت هذه الخلافات في الاستقالات نفسها. وبالنسبة إلى أنصار أردوغان، فإن رحيل الجنرالات يظهر نفوذا مدنيا متناميا على الجيش، وأن هذه إشارة صحية على نظام ديمقراطي. لكن يقول منتقدو رئيس الوزراء إنه أعد لفوزه من خلال تعبئة النظام القضائي ضد الجيش، في مثال آخر على تعزيز حزبه للسيطرة على مؤسسات الدولة.

ويقول إرسين كالايسيوغلو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي: «من يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية له أجندة ديمقراطية يصفقون له ويعتقدون أننا نتحرك تجاه الديمقراطية». وأضاف: «يعتقد آخرون أن حزب العدالة والتنمية حزب محافظ آخر له أجندة محافظة ويحاول تعزيز السلطة في شكل جديد للسلطوية أو حتى ديكتاتورية الفرد». ويضيف: «يوجد انقسام في الآراء، بكل ما في الكلمة من معان».

وربما يعتبر أردوغان، عمدة إسطنبول السابق، البالغ من العمر 57 عاما، أكثر الظواهر السياسية إقناعا في تركيا منذ أجيال. وقد فاز حزبه بـ50% من الأصوات في الانتخابات التي أجريت في شهر يونيو الماضي، ويعتبر هذا هو النصر الثالث منذ عام 2002. لقد تحدث أردوغان عن خطط لإصلاح الدستور الذي صيغ تحت وصاية الجيش التركي بعد انقلاب عام 1980. من أفكاره في هذا الصدد صياغة بنود تحد من سلطة بعض الهيئات القضائية وإقامة نظام جديد يمنح الرئيس سلطات أكبر من رئيس الوزراء. من المتوقع أن تساعده أغلبية الحزب في البرلمان في تنفيذ هذه الخطة على الرغم من عدم تمتع حزبه بأغلبية الثلثين التي تتيح له القيام بذلك بطريقة سهلة ومريحة نسبيا.

وتعهد أردوغان، في خطاب مسجل، أذيع يوم السبت الماضي، بالدفع نحو إجراء تعديلات دستورية واصفا المهمة بـ«الواجب الأعظم». ويعمل أردوغان مدعوما بالاقتصاد التركي المزدهر منذ سنوات على إحداث تحول في البلاد يجعلها قوة حاسمة في منطقة تهيمن عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

لكنه أصبح منذ الانتخابات أكثر شدة وتأثيرا في السياسة الخارجية وأكثر صداما وعدوانية على حد قول البعض في تصريحاته الموجهة إلى أرمينيا التي لديها تاريخ طويل من الاختلافات مع تركيا. ويبدو أن العلاقات مع إسرائيل، التي كانت دافئة في يوم من الأيام، لم تتجه نحو التحسن بعدُ؛ حيث تدهورت بشدة عام 2010 عندما قامت إسرائيل بعملية إنزال لقواتها على متن السفينة التركية التي كانت تحاول كسر حصار غزة، مما أسفر عن مقتل تسعة من النشطاء.

واتخذ أردوغان، الشهر الحالي، نهجا أكثر قسوة فيما يخص جزيرة قبرص المقسمة بين تركيا واليونان؛ حيث استبعد تقديم مزيد من التنازلات في المفاوضات التي تهدف إلى إعادة الوحدة للجزيرة.

وقال هوغ بوب، المحلل في مؤسسة «إنترناشيونال كرايسيز غروب» في إسطنبول: «لقد تغيرت الأجواء في غضون شهرين فقط. إنه أمر غير عادي. أعتقد أن رئيس الوزراء يشعر بالقوة».

ربما يكون للجنرال أوزل تأثير مباشر فوري على أردوغان، فعلى الرغم من أنه لا يعتبر حليفا لرئيس الوزراء، ربما يتمتع بصفة أكثر قيمة بالنسبة إلى القيادة المدنية التي طالما أعاقتها طموحات وحساسيات الجنرالات، لكن يبدو أن الجنرال أوزل بعيد عنها بحسب ما جاء في لمحة عن شخصيته بإحدى الصحف منذ عام مضى.

وكتب ناميك سينار، كاتب عمود في صحيفة «تاراف» التي تنتقد الجيش التركي: «لم يتخذ موقفا سياسيا حتى هذه اللحظة في أي وقت أو على أي أساس. ولن يصبح وسيطا له مصالح خاصة أو تيارا سياسيا بعينه».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهم سيبنيم أرسو في إعداد هذا التقرير