وزير الدفاع الفرنسي يدعو سكان طرابلس لـ «الانتفاض»

لونغيه: الحرب ستطول ولا يجب إعطاء القذافي انطباعا بأن الوقت لصالحه

وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه (أ.ف.ب)
TT

بعد 134 يوما من القصف الجوي المتواصل على مواقع قيادة العقيد القذافي وكتائبه وتجمعاته، بما فيها بعض المواقع المدنية، مثل مقر التلفزيون، ورغم الجهود العسكرية المتواصلة التي تبذلها دول التحالف تحت راية الحلف الأطلسي لمساعدة الثوار الليبيين تدريبا وتجهيزا وتسليحا، ما زال هدف إسقاط الزعيم الليبي بعيد المنال. فموجة التفاؤل في الأسابيع الأولى للحرب انحسرت، وبعد أن كان القادة الغربيون السياسيون والعسكريون يتحدثون عن «أسابيع» من الحرب، تغيرت اليوم اللهجة ولكن دون الوصول إلى ما وصل إليه رئيس الأركان الأميركي المغادر، مايكل مولن، الذي تحدث عن «مأزق» الحرب في ليبيا.

وفيما عمدت إيطاليا إلى سحب حاملة طائراتها «غاريبالدي» من ساحة عمليات الأطلسي، بالتوازي مع سحب النرويج لطائراتها المشاركة في الغارات الجوية، التي قامت أمس بآخر طلعاتها الجوية في ليبيا، دعا وزير الدفاع الفرنسي، جيرار لونغيه، في تصريحات نقلتها صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» إلى «مشاركة أكبر» للدول الأوروبية المساهمة في العمليات العسكرية، مشيرا بالاسم إلى إسبانيا وألمانيا وبولندا ودول شمال أوروبا.

وتتحمل باريس ولندن ما نسبته 60 في المائة من الطلعات الجوية، وهما البلدان الوحيدان اللذان أرسلا طوافات إلى جانب الطائرات المقاتلة. غير أن أهم ما ورد على لسان لونغيه، كان إشارته إلى أن الحرب ستطول، وبالتالي لا يجب خفض الجهد العسكري ولا إعطاء الشعور للقذافي بأن الوقت يلعب لصالحه، حيث قال لونغيه «إذا شعر القذافي، ولو قليلا، بأن الوقت يلعب لصالحه، فإنه سيستخدم هذه الورقة إلى أقصى حد». وأردف لونغيه قائلا: «سنواصل مهمتنا مهما استغرقت من وقت، وبذلك نسهل التوصل إلى تسوية تفاوضية، ونقول للقذافي إننا لن نخفف ضغوطنا، ولمعارضيه إننا لن نتخلى عنهم». وردا على الذين بدأوا يشكون من كلفة الحرب، أشار لونغيه إلى أن الحرب مكلفة «ولكن عدم المضي فيها ستكون كلفته أكبر». وخلص المسؤول الفرنسي إلى اعتبار أنه كلما كنا أكثر عددا في إظهار أن لا شيء ممكن مع القذافي، تمكنا من عزله كليا وأسرعنا في الانتهاء من هذه الحرب».

ومن هذا المنظور، أكدت باريس أن العمليات العسكرية لن تتوقف خلال شهر رمضان، لا بل إن التوجه هو إلى تكثيفها. وترى فرنسا أنه رغم استطالة الحرب، فإن «كل يوم يمر يقرب حكم القذافي من نهايته». وقال لونغيه إنه «لا يتعين على دول التحالف أن تكون رهينة أجندات معينة أو عوائق تقنية، بل يتعين عليها أن تبرز قدرتها على الاستمرار (في العمليات العسكرية)، وبذلك نكون بصدد تسهيل الوصول إلى حل سياسي»، بمعنى إزالة أية أوهان من ذهن القذافي.

وقررت باريس مؤخرا، إرسال طائراتها من طراز «رافال» القاذفة المقاتلة إلى قاعدة سينيونيلا الأطلسية في جزيرة سيسيليا الإيطالية. وبحسب وزير الدفاع، فإنها ستحل بذلك محل طائرات رافال التي كانت تنطلق من حاملة الطائرات نووية الدفع «شارل ديغول»، التي تشارك مع طواقمها في الحرب منذ بدايتها، ومحل الطائرات المنطلقة من قاعدة سولنزارا في جزيرة كورسيكا الفرنسية. لكن القاعدة الأطلسية لا تبعد سوى 500 كلم عن طرابلس بينما قاعدة كورسيكا على مسافة ألف كلم. وستنتهي مهمة شارل ديغول في الخريف المقبل، مما يعني أن باريس تتوقع أن تطول الحرب إلى أبعد من ذلك.

وتكلف الحرب فرنسا ما يقارب 1.2 مليون يورو في اليوم. وتواترت معلومات تفيد أن القوات الفرنسية استنفدت مخزونها من القنابل والصواريخ، وأنها تعتمد على الإمدادات الأميركية للاستمرار فيها. لكن لونغيه شدد على ضرورة أن تتحمل فرنسا مسؤولياتها، معتبرا أن كلفة وقف الحرب اليوم مع بقاء القذافي «ستكون أكبر من كلفة الاستمرار فيها والانتهاء منها».

واليوم يستقبل وزير الخارجية ألان جوبيه «سفير» المجلس الليبي المؤقت الجديد، منصور سيف النصر، الذي قدم أوراقه إلى الخارجية الفرنسية الأسبوع الماضي. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن باريس ستقدم 250 مليون يورو للمجلس. لكن لم يعرف ما إذا كان هذا المبلغ بمثابة قرض أو هبة. وسعت باريس إلى إيجاد صيغة لتجيير الأموال الليبية المودعة لدى مؤسساتها لصالح بنغازي. غير أن العقبات القانونية حالت دون ذلك.

وتدعو باريس سكان طرابلس إلى «التحرك»، لا بل إن لونغيه حثهم على «الانتفاض» ضد القذافي للتسريع في رحيله، وهو يتوقع أن تذهب الأمور في هذا الاتجاه في شهر رمضان.

ويعود الملف الليبي إلى طاولة مجلس الأمن الدولي بداية شهر سبتمبر (أيلول) للنظر في تمديد العمليات العسكرية 90 يوما جديدة.

ويرى مراقبون أن الاتصالات التي جرت في الأسابيع الأخيرة، والهادفة إلى العثور على مخرج سياسي للحرب في ليبيا، أخفقت جميعها، لأنها لم تحل موضوع رحيل القذافي عن السلطة وشروطه. وترجع هذه المصادر المسؤولية، إلى الرسائل «المتناقضة» التي يرسلها القذافي من جهة، وإلى التضارب في الوساطات والمقترحات بين أفكار المبعوث الدولي، عبد الإله الخطيب، والاتحاد الأفريقي وروسيا وتركيا والأطراف الوسيطة الأخرى. أما العنصر الإضافي فيتمثل في طروحات ممثلي المجلس الوطني التي «تذهب في كل اتجاه».

وما بين هؤلاء وأولئك، فإن الحرب مرشحة لأن تستمر أكثر وأكثر. وبانتظار مقترحات وسطية، يمكن الانطلاق منها للتوصل إلى تسوية «مقبولة» من القذافي والثوار ودول التحالف، فإنه لا مفر أمام هذه الأخيرة، من تأكيد استعدادها للاستمرار في الحرب، وهذا ما سعى إليه الوزير الفرنسي.