المصريون يستقبلون شهر رمضان مختلفا بعد ثورة 25 يناير

يميزه التقشف الاقتصادي وغياب المراقبة الأمنية على المساجد

TT

«بالطبع هو رمضان مختلف، كل شيء فيه سيكون بطابع ثوري».. هكذا يرى أحمد إبراهيم، 27 عاما، صيدلي، شهر رمضان الذي يبدأ اليوم في مصر في ظروف تبدو استثنائية على الجميع، خاصة بعد قيام ثورة «25 يناير».

فإبراهيم، الذي شارك في الثورة كغيره من المصريين، يعتقد أنها ستغير كثيرا من شكل رمضان هذا العام، سواء من الناحية الاقتصادية للمواطنين أو من الناحية الأمنية التي ستلعب دورا كبيرا في إعطاء شكل ومناخ مختلفين لرمضان الثورة، حسب قوله.

كانت الثورة في مصر قد أثرت، بشكل كبير، على دخول الكثير من المصريين ومدخراتهم، وهو ما جعل الاستعدادات لرمضان هذا العام تأخذ شكلا أكثر تقشفا ومغايرا لما اعتاده المصريون عبر سنين من إسراف في شراء متطلبات الشهر الكريم من الأغذية والمشروبات، ونتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية عمدت الكثير من الأسر الميسورة أصلا إلى التقشف في مشترياتها تحسبا لكل ما هو طارئ على الصعيد الاقتصادي أو حتى السياسي.

ويرى إبراهيم، الذي يعول أسرته الصغيرة المكونة من فردين، أنه كان أكثر حرصا هذا العام في مشترياته؛ حيث قال: «المشكلة الكبرى أن أحدا لا يدرك ما الذي يمكن أن يحدث غدا». وتابع إبراهيم: «في مثل هذه الظروف لا بد أن نكون أكثر حرصا وحذرا، فنحن لا ندري ما الذي تخبئه لنا الأيام».

قبل عام واحد، كانت المساجد في مصر تشهد حضورا أمنيا كبيرا في رمضان، خاصة في العشر الأواخر التي تشهد اعتكاف آلاف المصريين، وهو ما كان يواجَه برقابة شديدة من أجهزة الأمن المصرية التي كانت تشترط تحققها من هوية المعتكفين، وكان من المعتاد أن يمنع الاعتكاف في مساجد عدة أو يُمنع شيوخ بارزون من الخطابة في صلاة التراويح دون إبداء أسباب واضحة. وكثيرا ما أعلن أن شيخا أو داعية مدعو لإلقاء عظة في صلاة التراويح ثم تلغى بتدخل أمني، وهو ما يعتقد الكثيرون أنه زال وأصبح جزءا من التاريخ بحل جهاز أمن الدولة المصري.

ويقول مراقبون إن تنامي التيار الإسلامي في مرحلة ما بعد الثورة سينتج رمضان جديدا ومختلفا، خاصة مع غياب التضييق الأمني على نشاط الدعاة والشيوخ. اللافت والمثير أن ميدان التحرير، رمز الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أسقطت الرئيس السابق حسني مبارك، سيكون مقصدا لآلاف الثوار مساء كل يوم لأداء صلاة التراويح بعدما أعلن شباب الثوار أنهم بصدد إقامة الصلاة في ساحة مجمع التحرير بقلب ميدانهم الأثير.

لكن إبراهيم، الذي قضى أيام الثورة بين الميدان واللجنة الشعبية أمام بيته في الحي الراقي على أطراف العاصمة، يعتقد أن الانفلات الأمني سيحد كثيرا من العادات التي دأب عليها في رمضان، سواء من حيث التوجه للمسجد الذي اعتاد الصلاة فيه في منطقة نائية على أطراف العاصمة أو حتى السهر لساعات متأخرة خارج المنزل، وهو ما عزاه إبراهيم إلى الانفلات الأمني الذي تشهده مصر منذ فترة كبيرة. وتابع إبراهيم: «اعتدنا في رمضان أن نسهر خارج المنزل لساعات طويلة، لكن مع الحالة الأمنية الحالية أعتقد أنه يجب عليَّ العودة للمنزل مبكرا».

وبعيدا عن الأوضاع الأمنية، تشهد القاهرة كل رمضان حالة اختناق مروري كبير، وهو ما سوف يزداد بطبيعة الحال هذا العام، لكنه سيرتبط ارتباطا أساسيا بالأوضاع السياسية على غير العادة، فميدان التحرير في قلب العاصمة القاهرة مغلق مع تواصل اعتصام ممثلي القوى السياسية في ميدان التحرير لليوم الـ23 على التوالي للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم، وهو ما يشكل اختناقا مروريا كبيرا في أيام العمل الطبيعية، ويقول ضابط شرطة مسؤول عن المرور في منطقة المهندسين القريبة من التحرير: «لا أتصور أن يظل ميدان التحرير مغلقا في رمضان، فنحن بالكاد نحاول ضبط الأمور في الأيام العادية».

اللافت أن شنطة رمضان التي اعتاد الحزب الوطني (المنحل، الحاكم سابقا) في مصر إعدادها وتوزيعها على المواطنين استأثرت بإعدادها هذا العام تيارات وأحزاب سياسية أخرى تتنافس اليوم على حجز مكان في الشارع السياسي المصري ولم تجد فرصة أفضل من رمضان لكسب الثقة ومن ثم أصوات المصريين في الانتخابات المقبلة.

وتعتقد راجية طارق، 23 عاما، محاسبة، أن أكثر ما سيميز رمضان هذا العام هو محاكمات رموز نظام مبارك؛ حيث قالت: «اعتدت أن أتابع 5 مسلسلات على الأقل في رمضان، أما هذا العام فإنني سوف أتابع محاكمة الرئيس، فهي الأهم بنظري». ثم أضافت بطريقة ساخرة: «التلفزيون المصري اعتبرها من المسلسلات وتعاقد عليها حصريا»، فمحاكمة مبارك التي تشغل الرأي العام ستنطلق بعد يومين فقط من بداية الشهر الفضيل.

وبعد 6 أشهر من الأحداث المتسارعة والمتقلبة على الساحة السياسية يتمنى المصريون أن يمر عليهم شهر رمضان بردا وسلاما، على الرغم من أن غالبيتهم الساحقة يعتقدون أن رمضان الثورة يختلف تماما عن كل رمضان سبقه.