قادة أميركيون مترددون في الرحيل

مع اقتراب بدء سحب القوات من أفغانستان

TT

شهدت هذه المنطقة الزراعية بامتداد نهر هلمند، التي كانت من قبل أحد معاقل حركة طالبان بجنوب أفغانستان، حالة من الهدوء الشديد على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، لدرجة أن بعض عناصر المارينز الأميركية يتمنون سرا حدوث اشتباك. وعلق أحدهم قائلا: «نريد فقط إطلاق بعض طلقات الرصاص حتى نشعر أننا من قوات المارينز».

منذ وصول الكتيبة الأولى من فوج المارينز الثالث بمنطقة غارمسر في منتصف أبريل (نيسان)، لم تواجه سوى أقل من عشر قنابل زرعت على جانب الطريق، ولم ينتج عن انفجار أي من هذه القنابل موت أحد. وقال قائد الكتيبة ليفتينانت كولونيل سين ريوردان إنه لم يطلق عليهم سوى قذيفة واحدة فقط «وطلقات رصاص لا يتجاوز عددها ما يستطيع المرء وضعه في جيبه».

ويذكر أنه قبل عامين تقريبا كانت تسمع طلقات الرصاص وصوت التفجيرات في مختلف أنحاء المنطقة، وكانت مروحيات إخلاء طبية تحوم في السماء كل يوم لانتشال القتلى والجرحى بين صفوف المارينز بهذه المنطقة. ويبدو أن حالة الهدوء النسبي التي تحققت شرط لازم، قبل أن يرحل الأميركيون وينقلوا مسؤولية الأمن لرئيس شرطة محلي فاجأ الضباط الأميركيين بشدة بأسه وسعة حيلته. وعلى الرغم من ذلك، فإن قوات المارينز لا ترغب في الرحيل خلال أي وقت قريب، ويرغب ضباط المارينز في الإبقاء على مستوى القوة الحالية التي يبلغ عددها 1000 جندي حتى نهاية العام، وذلك من أجل تعزيز مكاسب حصلوا عليها بعد عناء، ومنع حركة طالبان من استعادة المنطقة مجددا. ويقدرون أنه في هذه المرحلة يجب أن يكونوا قادرين على البقاء بنصف العدد، على افتراض وصول قوات أمنية أفغانية إضافية إلى المنطقة. ويقول ريوردان: «يجب التعامل مع عملية الانتقال بحرص وبتخطيط جيد، فلا نريد أن يشعر الناس أننا تركناهم وذهبنا».

وتظهر منطقة غارمسر التوازنات التي تواجه القادة الأميركيين البارزين أثناء سعيهم الحثيث لإنجاز أمر الرئيس باراك أوباما بسحب 10000 جندي بنهاية العام الحالي، و23000 آخرين بنهاية فصل الصيف المقبل، مع تحويل عدد أكبر من الـ68000 جندي الباقين إلى شرق أفغانستان لمواجهة تزايد في أعمال التمرد هناك. وخلال قيامهم بذلك فإنهم لا يرغبون في تعريض المكاسب الأمنية التي حققوها في الجنوب لأي مخاطر. ومن الواضح أن قائد كل كتيبة أو لواء لديه أسباب يسوقها لتبرير إعفاء المنطقة التي يوجد فيها من عملية خفض عدد الجنود بشكل كبير. وفي غارمسر يرجع السبب إلى قرب المنطقة من باكستان. وفي مناطق أخرى بإقليم هلمند يوجد شعور بالقلق من زراعة الأفيون التي شهدت طفرة جديدة. وفي منطقة زهاري غرب مدينة قندهار يرجع السبب إلى أهمية المنطقة الرمزية بالنسبة إلى حركة طالبان، فقد ولد هناك زعيم الحركة، الملا عمر، ولطالما استخدمها المتمردون كمركز للقيادة والمتابعة في سعيهم لاستعادة السيطرة على قندهار.

وقد دفع بلواء مكون من 4500 جندي يتبع الفرقة الجبلية العاشرة بالقوات البرية الأميركية، إلى معاقل لطالبان كان يتعذر اختراقها من قبل، داخل زهاري في فصل الصيف من العام الحالي. وقد واجه الأميركيون عشرات من الألغام محلية الصنع أثناء سعيهم لتطهير القرى من المتمردين. وقد عززت العمليات من الأمن، ولكن لا يزال الوجود الحكومي الأفغاني ضعيفا، ولا تزال وحدة الجيش الأفغاني هناك غير قادرة على القيام بعمليات مهمة وحدها، وقد دفع هذا الوضع ضباطا أميركيين في المنطقة إلى التوصية بتخفيض طفيف لعدد الجنود هناك على مدار الأشهر الاثني عشر المقبلة.

ويعتقد ضباط بارزون أن الإبقاء على أعداد كبيرة من الجنود لعام أو عامين قد يساعد على استمرار ثقة المواطنين مع تحول القتال إلى مرحلة جديدة تتضمن عمليات قتل مستهدفة بدرجة أكبر. وقد أثارت المواطنين عمليات اغتيال لمسؤولين بارزين، من بينهم شقيق الرئيس حميد كرزاي، وعمدة قندهار، وعشرات من الأشخاص عملوا مع الحكومة، ولكن ليس لهم القدر نفسه من الشهرة داخل الجنوب.

ودفعت الثقافة العسكرية القادة إلى الميل لاستمرار أكبر عدد ممكن من الجنود، خشية النظر إلى الأمر على أنه رحيل سريع. ولا يزال الجنرالات الكبار ملتزمين باستراتيجية بناء الدولة التي تعتمد على الموارد الواسعة، على الرغم من آمال بعض المسؤولين في الإدارة – ومعهم نائب الرئيس جوزيف بايدن – بأن تدفع خطة الانسحاب إلى مهمة أكثر تحديدا تستهدف قتل زعماء «القاعدة» وحركة طالبان. ويراهن القادة على أنه يمكنهم تحقيق أهدافهم الأصلية من خلال توجيه ضربة شديدة لحركة طالبان، وبناء الحكومة الأفغانية والقوات الأمنية، وإقناع مقاتلين في المستويات الدنيا بتغيير لواءاتهم، قبل أن يضطروا إلى ترحيل عدد كبير من الجنود.

ولكنهم يتبنون حاليا مبادرات كانت ستقابل بالاستهزاء قبل عام في سعي لتعزيز الأمن سريعا، حيث يحولون الموارد من متابعة الجيش الأفغاني إلى الشرطة. كما يوسعون من برنامج لتدريب قرويين على الحراسة المسلحة بعيدا عن المناطق الريفية التي وضع البرنامج لها بالأساس. كما يستبدلون حواجز ممتلئة بالرمال بحوائط خراسانية في المئات من قواعد الدوريات الصغيرة، على أمل أن تؤدي المباني الدائمة إلى تلطيف مخاوف السكان المحليين وشعورهم بالتخلي عنهم.

*خدمة «واشنطن بوست»