قصة عاطفية تهز مدينة أفغانية

شاب وفتاة تعارفا في مصنع.. واكتشاف أمرهما تسبب في مواجهة

خار محمد والد الفتاة (يضع يده على خده) يريد من الحكومة قتل ابنته وعشيقها (نيويورك تايمز)
TT

التقى المراهقان داخل مصنع للأيس كريم، وقبل أن تنطق الشفاه تحدثت العيون. كانت التحية تتبادل خلسة بعيدا عن أعين المشرفين، وأخيرا طوت الفتاة الورقة التي تحمل رقم هاتفها على الأرض عند قدمي فتاها.

كانت تلك بداية قصة عاطفية أفغانية لم تعبأ بمراسم الزواج التقليدية التي تبدأ وتنتهي بالأسرة. هي قصة حب بين مراهقين من عرقيتين مختلفتين أبرزت عدم تسامح القرية مع النزوات الحديثة للقلوب، وجاءت العواقب كالصاعقة، أسرع مما توقع العاشقان.

فقد عثرت مجموعة من الرجال على المراهقين وهما يستقلان سيارة، هذا الشهر، فأنزلوهما إلى الطريق وبدأوا في سؤالهما ما الذي يجمعهما سويا؟ وما الرابط بينهما؟

تجمع حولهما ما يقرب من 300 شخص واتهموهما بالزنى وطالبوا برجمهما بالحجارة أو الشنق حتى الموت. وعندما تدخلت قوات الأمن وأنقذت العاشقين، تفجر غضب العامة وانقضوا على رجال الشرطة المحلية وأضرموا النار في السيارات واقتحموا مركز الشرطة الواقع على بعد 6 كيلومترات من وسط مدينة هراة، مما أثار التساؤلات بشأن قوة القانون في هذه المنطقة الواقعة غرب أفغانستان وفي واحدة من أولى المدن التي انتقلت فيها السيادة إلى القوات الأفغانية.

انتهت أعمال الشعب التي استمرت 4 ساعات بمقتل أحد الأفراد وتفحم مركز الشرطة وبات مصير المراهقين، حليمة خار محمد ورافي محمد، الآن معلقا بنظام قضائي متقلب. لكنهما يواجهان أحكاما أكثر قسوة من الأسرة والمجتمع.

زار عم حليمة السجن ليقول لها إنها جلبت الخزي لأسرتها وإنهم أقسموا على قتلها ما إن يفرج عنها. أما والدها، وهو عامل أمي يعمل في إيران، فوافق على قرار الأسرة آسفا. بكى والدها خلال الزيارتين اللتين قام بهما إلى السجن، ولم يقل شيئا لابنته. وقال إن الدم ربما يكون المخرج الوحيد للأزمة. قال خار محمد، والد الفتاة: «ما نطلبه هو ضرورة أن تقتلهما الحكومة».

وأكد المراهقان، اللذان أبديا حرجا في الحديث عن علاقتهما العاطفية، أنهما «على استعداد للموت، لكنهما اختلفا حول الطريقة التي يرغبان في الموت بها». وقال رافي، البالغ من العمر 17 عاما: «أشعر بالتعاسة، أنا أبتهل إلى الله أن يعيد إليَّ رفيقتي. أنا لا أخاف الموت، ولا أريد سوى أن أراها آمنة».

أما حليمة، التي يعتقد أنها تبلغ من العمر 17 عاما أيضا، فقالت: «نحن كلنا بشر، والله خلقنا من تراب، فلماذا لا نتزوج من بعضنا أو أن نحب بعضنا؟».

أثارت القضية صدى كبيرا في هراة؛ إذ ذكَّرت مواطني الإقليم بقضية الرجم التي أمرت بها طالبان الصيف الماضي في شمال أفغانستان؛ حيث رُجم شاب وفتاة في مقتبل العمر حتى الموت من قبل عشرات من الأفراد من بينهما عدد من أفراد الأسرتين بعد هروبهما سويا، وقد نُشر هذا الفيديو في أعقاب الواقعة بعدة أشهر على شبكة الإنترنت. وقد وعدت الشرطة الأفغانية بالتحقيق في القضية بعد الكثير من المناشدات الدولية، غير أنه لم توجه أي تهم جنائية لأحد.

الرد الفوري على العنف في هراة كان مشجعا في المقابل. فقد تراجع كبار العلماء عن إدانة أي من الشابين، وخاطر رجال الشرطة بأنفسهم لإنقاذ المراهقين وتوصيلهما إلى بر الأمان وتقديمهما إلى العدالة بدلا من أقاربهما الغاضبين. وأشارت تقارير الشرطة إلى هروب 5 أو 6 فتيات من المدينة مع عاشقيهن خلال الأسابيع التي تلت أعمال الشغب. وفي أعقاب مناقشة القضية قرر المجلس المحلي بأحقية حليمة ورافي في الحماية الحكومية لأنهما ليسا مخطوبين ولأنهما أبديا رغبة في الزواج. ويقول عبد الله زاهر، رئيس المجلس: «إنهما ليسا مجرمين، حتى إن كانا قد ارتكبا أعمالا جنسية». لكن إمكانية السجن لفترة طويلة لم تفت حتى الآن في عضد الشاب والفتاة.

في البداية اقتيدت حليمة إلى ملجأ النساء في الإقليم الذي يقطنه 1.5 مليون شخص، لكن الشرطة نقلتها سريعا فيما بعد إلى مركز اعتقال الأحداث في المدينة، حيث ينام ما يقرب من 40 فتاة و40 شابا في مهاجع متفرقة. وقالت الشرطة إنها أحالت الملف إلى النائب العام.

وتقول سريا باكزاد، مديرة منظمة أصوات النساء، وهي منظمة حقوقية زودت حليمة بسرير من أجل قضاء الليل: «إنها ارتكبت جريمة من وجهة نظرهم». وأشارت باكزاد إلى أن غالبية النساء في الملاجئ المقامة في غرب أفغانستان أُجبرن على الهرب أو نتيجة الإيذاء الجسدي الذي يعانينه من أزواجهن أو نُبذن من مجتمعاتهن لأنهن يواعدن شبابا دون علم الأسرة. وعادة ما يعاقب أهالي الفتاة مثل هذه الأفعال بالضرب أو القتل.

لكن رافي وحليمة أكدا، خلال المقابلات التي أجريت معهما في سجن الأحداث، أنهما لا يخافان أيا من هذه الأشياء. فلم يفكر رافي، الشاب الطاجيكي، في العواقب إذا تزوج من فتاة هازارية، في حي تهيمن عليه أغلبية هازارية متحفظة. ويقول رافي: «إنه الحب، فعندما تحب شخصا ما، فإنك لا تسأل عن نسبه أو أصله، المهم هو أن تنال قلب من تحب».

يملك العاشقان الصغيران الكثير من السمات المشتركة؛ فوالد رافي متوفى كما هو الحال بالنسبة لوالدة حليمة. وكلاهما يصف صاحبه بالمؤدب والهادئ، كما أنهما خجولان. وكلاهما يحب الأغاني العاطفية التي تتدفق من إيران.

بعد 6 سنوات من الدراسة الابتدائية أرادت حليمة دراسة اللغة الإنجليزية وحضور فصول لدراسة الكومبيوتر، لكنها قالت إن عائلتها أخبرتها أن ذلك مضيعة للوقت وأرسلتها إلى العمل في مصنع للأيس كريم، مقابل 95 دولارا شهريا.

ربما كان في المصنع نوع من السلوان، على الأقل، لكل منهما، فقد وجد فيه كل ضالته. في البداية أمضيا شهرا يختلسان فيه السلام على بعضهما البعض قبل أن تلقي رقم الهاتف تحت قدميه.

كان الشابان يقضيان الليالي يتجاذبان أطراف الحديث في الهاتف على الرغم من عدم موافقة زوجة والدها، حتى فاض بهما الكيل من إخفاء علاقتهما. قرر الاثنان الالتقاء والتوجه إلى قاعة المحاكمة والزواج، وأقنع رافي ابن عمه الأكبر بالذهاب معه إلى قرية تدعى جبريل حيث كانت تنتظره في ساحة المدينة.

لم يسيرا أكثر من 30 قدما قبل أن تعترض طريقهما سيارة «تويوتا كورولا» صفراء اللون قفز منها رجال غاضبون. لم تصب حليمة في العراك الذي تبع ذلك، لكن هؤلاء الرجال ضربوا رافي وابن عمه وأخذوا يكيلون له اللكمات حتى خر على الأرض. وقالت: «كنا نعلم أنهم سيقتلوننا».

الآن يقضي كل منهما يومه بعيدا عن الآخر في سجن الشباب. يقوم رافي بمداواة الجروح التي لا تزال بارزة في وجهه المتورم وعينيه الداميتين. أما حليمة فتم إلحاقها بدروس للحياكة وتعلم التفصيل.

ويقول كلاهما إنه يرغب في أن يكون برفقة الثاني، لكن هناك الكثير من القيود. فأفراد أسرة الشخص الذي قتل في أعمال الشغب بعثت برسالة إلى حليمة تقول لها فيها إنها تتحمل ذنب وفاته، لكنهم عرضوا عليها الحل وهو أن تقبل بزواج أحد أبناء الأسرة الآخرين وبهذا تسقط الدية عنها.

* أسهم كل من شرف الله ساهاك ولينزلي أداريو في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»