أوروبا توسع نطاق العقوبات وتشمل 5 مسؤولين سوريين.. وموسكو تحث على وقف العنف بـ«أشد لهجة»

واشنطن تفكر في فرض مزيد من العقوبات * مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة.. ولندن تدعو إلى مزيد من الضغط الدولي على دمشق

دبابات للجيش السوري على دوار السباهي في حماه (شبكة شام الاخبارية)
TT

تواصلت أمس ولليوم الثاني حملة الاستنكار الدولية ضد القمع الذي تمارسه قوات الأمن السوري ضد المتظاهرين المناوئين لنظام الرئيس بشار الأسد. ووسع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات المفروضة على حكومة دمشق بتجميد أصول وحظر سفر خمسة أشخاص آخرين على صلة بالحملة الدموية لقمع الاحتجاجات، محذرا من مزيد من «الخطوات» إذا استمر العنف، كما تزايدت المطالبات بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأوضاع في سوريا. ومن جانبه، قال الأمين العام لحلف الأطلسي (الناتو) آندريه فوغ راسموسن إن «الشروط لم تتضافر» لتدخل عسكري.

وقالت واشنطن أمس إنها تدرس احتمال فرض مزيد من العقوبات على دمشق، معربة عن أملها في أن يبعث مجلس الأمن الدولي برسالة «قوية وموحدة» ضد حملة القمع الدموي التي تشنها القوات السورية ضد المتظاهرين.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر للصحافيين «سبق أن فرضنا مجموعة من العقوبات ضد (الرئيس بشار) الأسد ونظامه». وأضاف: «لا يزال هذا (تشديد العقوبات) خيارا ندرسه حين نفكر في اتخاذ الخطوات التالية ومن بينها، كما ذكرنا سابقا، فرض عقوبات على النفط والغاز». كما دعا تونر مجلس الأمن الدولي، الذي من المقرر أن ينعقد في وقت لاحق الاثنين (أمس) في نيويورك، إلى اتخاذ خطوات أكثر تشددا».

وأضاف: «بالطبع نعتقد أنه من المهم أن نبعث برسالة قوية وموحدة إلى الأسد ونظامه. ولكنني لا أستطيع الآن التنبؤ بنتيجة» الاجتماع. وتسعى أوروبا والولايات المتحدة إلى القيام بمحاولة جديدة الاثنين (أمس) لإجبار مجلس الأمن الدولي على إدانة حملة القمع الدموية التي يشنها الأسد على المتظاهرين، حسب دبلوماسيين. إلا أن المجلس الذي يضم 15 دولة لا يزال منقسما حول كيفية الرد على حملة القمع في سوريا، حيث تطالب الدول الغربية باتخاذ تحرك قوي، بينما تهدد الصين وروسيا باستخدام الفيتو ضد أي قرار رسمي. ومن المقرر أن يجري المجلس مشاورات مغلقة الساعة 5:00 مساء (21:00 بتوقيت غرينتش) بعد الإدانات الواسعة لحملة القمع التي ذهب ضحيتها نحو 140 شخصا أول من أمس معظمهم في مدينة حماه.

ومع إعلان توسيع نطاق العقوبات الأوروبية لتشمل خمسة أفراد آخرين على صلة بأعمال العنف، حذرت كاثرين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي من أنه قد تكون هناك المزيد من الخطوات «إذا استمرت القيادة السورية في مسارها الحالي»، بحسب «رويترز».

وأوضح دبلوماسي، طالبا عدم ذكر اسمه، أن أسماء خمسة مقربين آخرين من الأسد قد تضاف اعتبارا من اليوم إلى لائحة الأشخاص المحرومين من التأشيرة الذين تم تجميد أرصدتهم.

وقد أقرت أوروبا 3 رزم من العقوبات بحق مسؤولين من النظام من بينهم الرئيس السوري شخصيا وشركات على علاقة بالحكم وكذلك مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني متهمون بمساعدة النظام السوري على قمع المحتجين.

ومن جانبه، قال الأمين العام لحلف الأطلسي في مقابلة مع صحيفة «ميدي ليبر» الفرنسية الصادرة أمس إن «الشروط لم تتضافر» لتدخل عسكري في سوريا. وأضاف راسموسن «في ليبيا نقوم بعملية بالاستناد إلى تفويض واضح من الأمم المتحدة ولدينا دعم دول المنطقة. هذان الشرطان لم يتوفرا في سوريا».

وأشار ناشطون حقوقيون إلى مقتل 136 شخصا الأحد في سوريا من بينهم مائة خلال هجوم واسع للجيش في حماه (وسط) في «أحد أكثر الأيام دموية» منذ بدء الحركات الاحتجاجية في أواسط مارس (آذار)، بحسب الناشطين.

ومن جانبها، حثت ألمانيا أمس الرئيس السوري على وضع نهاية للعنف ضد المحتجين، وقال كريستوف شتيجمانز المتحدث باسم الحكومة «تدين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأقوى لهجة تصرفات الحكومة السورية ضد مواطنيها المدنيين». وأضاف في مؤتمر صحافي عادي «تحث (ميركل) بشكل واضح الرئيس الأسد على وقف العنف ضد شعبه على الفور».

وكانت ألمانيا قد دعت إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، لكن من المرجح أن تبرز الدعوة الألمانية مجددا الانقسام العميق حول الملف السوري في مجلس الأمن الذي لم يتمكن حتى الآن من الاتفاق ولو على بيان يدين القمع المستمر في سوريا منذ أربعة أشهر. وتقدمت فرنسا وثلاث دول أخرى (بريطانيا وألمانيا والبرتغال) منذ أسابيع عدة بمشروع قرار يندد بالقمع في سوريا ويدعو إلى إجراء إصلاحات سياسية، إلا أن الصين وروسيا العضوين الدائمي العضوية في مجلس الأمن عارضا النص.

وقال المتحدث باسم البعثة الألمانية في الأمم المتحدة ألكسندر ايبيرل إن ألمانيا طلبت أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا أمس لمناقشة العنف المتفاقم في سوريا.

وكانت ألمانيا تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي حتى منتصف ليل الأحد ثم تولت الهند رئاسة المجلس خلال أغسطس (آب). وقال المتحدث إن بعثته طلبت من البعثة الهندية ترتيب مشاورات مغلقة لمجلس الأمن في وقت لاحق أمس. كما كان وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني قد دعا في وقت سابق إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث تطورات الوضع في سوريا.

من جهته، طالب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بـ«مزيد من الضغط الدولي» على سوريا رافضا في الوقت نفسه إمكانية تحرك عسكري برعاية الأمم المتحدة.

وقال هيغ لإذاعة «بي بي سي»: «نريد مزيدا من الضغط الدولي وبالتأكيد ضغط فعلي لا يمكنه أن يأتي من الدول الغربية وحدها». وأضاف أن «هذا يشمل (ضغوطا من جانب) الدول العربية وتركيا التي كانت ناشطة جدا في محاولة إقناع الرئيس (السوري بشار) الأسد بالإصلاح بدلا من القيام بهذه الأعمال المروعة».

وردا على سؤال عن احتمال تدخل عسكري في سوريا تقرره الأمم المتحدة، استبعد الوزير البريطاني هذا السيناريو، وقال «إنه إمكانية ليست مطروحة وحتى إذا كنا نؤيدها والأمر ليس كذلك».

كما نددت كندا بشدة بـ«العنف الوحشي» الذي مارسه النظام السوري في حماه «ضد شعبه»، مؤكدة أن الرئيس السوري بشار الأسد عليه أن يختار بين قيادة الإصلاح أو التنحي، وأفاد البيان «ندعو حكومة سوريا والمعارضة إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن الاستفزازات والقمع». وأضافت الوزارة أن «موسكو تعرب عن قلقها الشديد من معلومات تفيد بسقوط الكثير من القتلى (في حماه)، وأن اللجوء إلى القوة سواء ضد المدنيين أو ممثلي هيئات الدولة غير مقبول ويجب أن يتوقف».

وتعتبر دعوة وزارة الخارجية الروسية أمس إلى النظام السوري الأشد لهجة منذ بداية حركة الاحتجاج.

وفي تطور لاحق أمس، عبر الرئيس التركي عبد الله غل عن شعوره بالارتياع جراء استخدام قوات الأمن السورية للأسلحة الثقيلة بما في ذلك الدبابات في قمع الاحتجاجات في حماه.

وأضاف غل في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول: «التطورات الأخيرة في سوريا زادتنا قلقا على قلق. لقد راعنا ما رأيناه في التغطية الإعلامية لأحداث أمس. استخدام الأسلحة الثقيلة في حماه ضد المدنيين أصابني بصدمة عميقة».

وقال: إنه مضطر للحديث علنا بسبب الهجوم في حماه الذي يأتي عشية بدء شهر رمضان، وأوضح: «لا يمكننا البقاء صامتين والقبول بالأجواء الدموية في رمضان.. فهذا مناقض تماما لروح رمضان.. وهي فترة يتوقع فيها الناس تأمين الهدوء وتنفيذ الإصلاحات»، وحذر الرئيس التركي من أنه ليس بمقدور سوريا أن تخفي أحداث حماه عن الأنظار حيث بات بمقدور الناس في كل مكان رؤية ما يحدث بفضل وسائل الاتصال الحديثة بخلاف ما حدث عام 1982 حينما سحق الرئيس الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي انتفاضة إسلامية مسلحة في المدينة ذاتها مما أسفر عن مقتل الآلاف.

ومن المتوقع أن يكون الملف السوري أحد المواضيع الرئيسية التي سيناقشها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم غير الرسمي في بولندا اليوم وغدا، في إطار ما يسمى «اجتماعات غيمنيش» الدورية التي تحصل مرتين في العام.

ولا ينتظر أن يصدر عن الاجتماع قرارات محددة، لأن غرضه «تشاوري» ويهدف إلى توفير الإطار الملائم لوزراء الخارجية الالتقاء والبحث بحرية وصراحة تامة في مواضيع الساعة وعلى رأسها الموضوع السوري.

وتعلق باريس أهمية كبرى على اجتماع اليوم كونه سيشكل فرصة لمسؤولي السياسة الخارجية الأوروبية للنظر بصراحة تامة فيما يمكن عمله وفيما هو متعذر للتعامل مع النظام السوري بعد يوم الأحد الدامي في حماه ومدن سورية أخرى.

وترى باريس، وفق ما تعترف به مصادرها، أن هامش التحرك ضد سوريا «محدود» ما دام مجلس الأمن بقي عاجزا على التغلب على انقساماته. وما تسعى إليه باريس سياسيا أمران: وضع حد للعنف وتحقيق إصلاحات جذرية. لكن المصادر الفرنسية تؤكد على أمرين؛ الأول: أنها «فقدت أي أمل» من حصول إصلاحات حقيقية في سوريا وأن الوقت الذي كان ملائما للإصلاحات قد مضى، والثاني: أن الرئيس السوري بشار الأسد ربما لا يملك كافة الأوراق داخليا ما يعني تجاذبا داخل النظام وتصارعا بين الأجنحة.