أكد مصدر سياسي إسرائيلي رفيع أن الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس كان ينوي «تقديم عرض مقترحات جديدة جدية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء بينهما يوم الخميس الماضي، تتعلق بالتسوية الدائمة. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تراجع عن بعض هذه المقترحات، وبذلك أجهض اللقاء وتسبب في إلغائه».
وقال هذا المصدر إن نتنياهو كان قد وافق على صيغة جديدة حول مستقبل القدس الشرقية، يقول فيها إن «إسرائيل لم تغير شيئا في الأمر الواقع على باحة الأقصى طيلة 40 عاما في زمن كل الحكومات، وأبقت هذه المنطقة تحت إدارة دائرة الأوقاف الفلسطينية، وأبقت كنيسة القيامة تحت إدارة مسيحية مستقلة، ولا تنوي تغيير هذا الواقع في إطار التسوية الدائمة»، مما يعني أنها توافق على إبقاء المقدسات الإسلامية والمسيحية تحت الإدارة الفلسطينية في المستقبل أيضا.
وأضاف المصدر أن المقترحات تتضمن خريطة لحدود الدولة الفلسطينية والأراضي والمستوطنات التي تريد إسرائيل ضمها إلى تخومها من الضفة الغربية والأراضي الواقعة في تخوم إسرائيل قبل احتلال 1967، والمستعدة لمنحها للدولة الفلسطينية في إطار تبادل الأراضي والتعويض عن المستوطنات. وأكد أن هذه الخريطة قريبة جدا من تلك التي عرضها رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت. وقال: «اللقاء بين بيريس وأبو مازن كان من الممكن أن يتحول إلى نقطة انعطاف في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، تتيح استئناف المفاوضات الرسمية المباشرة بين الطرفين، بحيث لا تعود هناك حاجة إلى التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، ولا حتى المطلب الفلسطيني بتجميد البناء في المستوطنات». وفسر كلامه قائلا: «عندما تتفق على الحدود، يصبح واضحا أن البناء في المستوطنات التي ستضم إلى إسرائيل سيستمر، والبناء في المستوطنات التي سيتم تفكيكها سيتوقف. فالمقرر أن لا تطول المفاوضات في هذه الحالة عن بضعة أشهر».
وحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أمس، كان اللقاء مقررا يوم الخميس الماضي في العاصمة الأردنية عمان بمعرفة وموافقة نتنياهو. ولكن، قبيل اللقاء بساعات، أي عندما كان أبو مازن بسيارته في طريقه إلى الحدود الأردنية، وكانت الطائرة المروحية جاهزة لنقل بيريس إلى مطار عمان، حضر نتنياهو إلى بيريس وبحث معه في التفاصيل طيلة ثلاث ساعات، وبدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتراجع عن العديد من الأمور التي كان قد وافق عليها في الماضي، ويكبل أيدي بيريس ويقلص مساحة المناورة عنده. عندها، شعر بيريس أن مجال المناورة ضيق لدرجة يخشى فيها أن يشعر أبو مازن بالإهانة وخيبة الأمل، فقرر إلغاء اللقاء.
وقد اتصل آفي جيل، مدير عام وزارة الخارجية الأسبق المعروف بقربه من بيريس، سريعا بالرئيس أبو مازن ونقل له رسالة صريحة: «لم أرد أن أتسبب لك في خيبة أمل وحرج. فرئيس الوزراء نتنياهو لم يعطني فسحة كافية للحوار معك بما يجدي للتوصل إلى اتفاق. ولذلك، أفضل أن يلغى اللقاء في هذه المرحلة».
وقال المحرر السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، معلقا على هذا النشر، إن نتنياهو تراجع لخوفه من وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، المعروف بتطرفه، فهو لا يريد أن يغضبه، خصوصا في هذا الوقت الذي تمتلئ فيه الشوارع الإسرائيلية بالمتظاهرين احتجاجا على السياسة الاقتصادية، فهو بحاجة ماسة إلى ما يعزز قوة الحكومة. وأضاف كسبيت أن الرئيس بيريس مصاب باليأس من نتنياهو، ويقول للمقربين منه إن هناك فرصة تاريخية لتحويل شهر سبتمبر (أيلول) المقبل إلى نقطة انطلاق إلى الأمام في تحقيق سلام بين الشعبين، لكن هذه الفرصة تضيع ليتحول سبتمبر إلى خطر تدهور رهيب.
ويضيف كسبيت: «الآن يستطيع أبو مازن أن يضحك بملء الفم. فهو يبرهن مرة أخرى على أنه لم يفوت فرصة لإحداث اختراق يعيد الطرفين إلى المفاوضات، ورغم خيبات أمله العديدة من إسرائيل، فإنه عاد ليحاول إعطاء دفعة للمفاوضات، ولكن نتنياهو يرفض ويتشبث بسياسته ويجهض كل هذه المحاولات».
وكان بنيامين نتنياهو، قد رد بشكل غير مباشر على هذا النشر، وذلك خلال لقائه مع لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، فقال إن الرئيس الفلسطيني حسم أمره وقرر أن يتوجه إلى الأمم المتحدة في أي ظرف، وبهذا أبعد المفاوضات وزاد الهوة في مواقف الطرفين. وأضاف أن هناك احتمالات كبيرة لفوز الفلسطينيين باعتراف بدولة مستقلة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنه في الوقت نفسه يثق بأن الولايات المتحدة الأميركية ستستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وتمنع بذلك قبول الدولة الفلسطينية عضوا في الأمم المتحدة. وقال إنه شخصيا يعمل بكل ما في وسعه لضمان الفيتو الأميركي.
وقد هاجمت رئيسة المعارضة، تسيبي ليفني، أقوال نتنياهو، وقالت له: «أنت تدمر مكانة إسرائيل في العالم وتدفع بها بشكل جنوني إلى العزلة الدولية وتمس مصلحتها القومية بسياستك الرفضية». وكشفت ليفني بعض ما قيل في لجنة أمنية سرية تابعة للكنيست تتعلق بأخطار سياسة نتنياهو على مستقبل إسرائيل، فاعترضها زميلها ومنافسها في حزب «كديما»، رئيس اللجنة شاؤول موفاز، وقال إن من المحظور اقتباس شيء من الأبحاث السرية، فلم تكترث وواصلت اتهاماتها.