لاجئون من مجاعة الصومال يبدأون صيام رمضان وسط الخيام

جسر جوي إلى مقديشو وتلقيح الأطفال في مخيم داداب

لاجئون صوماليون في مخيم مؤقت في جنوب مقديشو في حي هودان أمس (رويترز)
TT

بدأ صوماليون فارون من المجاعة في الصومال صيام شهر رمضان أمس وسط الخيام المنتشرة في أكبر مخيم للاجئين في العالم بعدما نحلت أجسامهم جراء القحط الشديد. وقال محمد دوبو سامان وهو يهدئ من روع ابنته خارج خيمتهم في مخيم داداب على الجانب الكيني من الحدود مع الصومال «بسبب المجاعة أمضينا أياما من دون أي طعام بأي شكل». وأضاف: «كان ذلك صياما من دون أجر. على الأقل هذا الصيام فريضة من الله».

ولا يتوجب على المرضى صيام رمضان. لكن معظم المقيمين في المخيم الذين حاصرتهم أشد موجة جفاف تجتاح القرن الأفريقي منذ عقود يصممون على ما يبدو على أداء فريضة الصيام.

ويحل رمضان في وقت عصيب على المسلمين في منطقة القرن الأفريقي. ويقول رعاة في المنطقة إن الأمطار لم تهطل في بعض المناطق التي يجتاحها القحط على مدى أربع سنوات متتالية.

وحذرت الأمم المتحدة من أن جنوب الصومال بكامله ينزلق إلى هاوية المجاعة. ويعاني أكثر من 12 مليون شخص في أنحاء منطقة القرن الأفريقي من هذه الظروف القاسية.

وحال تمرد يشنه متشددون إسلاميون دون توزيع المساعدات الغذائية في أنحاء من الصومال.

ويقوم الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد بجولة في دول المنطقة بدأها بجيبوتي للتشديد على ضرورة تسليم المساعدات داخل البلاد أولا حتى لا يضطر الصوماليون للذهاب إلى أماكن أخرى.

وقال أحمد لـ«رويترز»: «لا نريد لمواطنينا الذهاب إلى دول أخرى في رحلات صعبة للحصول على المساعدات». ويعتزم الاتحاد الأفريقي عقد مؤتمر للمانحين يضم زعماء الدول الأفريقية والشركاء الدوليين في التاسع من أغسطس (آب) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لجمع أموال لدعم المتضررين من القحط في منطقة القرن الأفريقي.

ومع حلول الليل على مخيم اللاجئين المزدحم تخرج فتاة صغيرة أمام أسرتها من بين شجيرات وهي تحمل على كتفها بساطا مزخرفا بآيات من القرآن.

وأفراد هذه الأسرة هم أحدث القادمين ضمن عشرات آلاف اللاجئين إلى المخيم الذي يكتظ بالفعل بأكثر من طاقته الاستيعابية والذي صمم في الأصل لإيواء 270 ألف شخص لكن يقطنه الآن أكثر من 400 ألف شخص غالبيتهم العظمى من الصوماليين.

ويحاول عمال المساعدات جهدهم للتعامل مع تدفق اللاجئين. ويستغرق الأمر من وكالة الأمم المتحدة للاجئين أياما وأحيانا أسابيع لتسجيل الوافدين الجدد وتزويدهم بالخيام.

وخوفا من طول الرحلة إلى كينيا كان على أسرة هذه الفتاة أن تشهد أول أيام رمضان وهي تنام في الأحراش. وبالقرب منها وقبل قليل من بدء الصيام كان عبد الرحمن عبدي يلتهم بقايا وجبة غذائية من الطحين والماء تكاد لا تكفيه هو وأطفاله العشرة.

وقال عبدي إن حصص الطعام المخصصة لأسرته على مدى أسبوعين لن تستمر على الأرجح طوال هذه المدة حتى لو التزموا بالقواعد الصارمة للصيام.

وأضاف عبدي: «هكذا ندخل شهر رمضان. سيكون الأمر صعبا». وقال: إنه في الأعوام السابقة كان يفطر على قطع من اللحم والأرز والمعكرونة والتمر. في نفس الوقت كان سامان يستعد للصلاة. وقال سامان: «سنصلي هنا بجانب الخيمة. في وضعنا لا يمكنك حتى أن تحلم بالصلاة في مسجد».

إلى ذلك، كثفت الوكالات الإنسانية الدولية أمس عملياتها لمساعدة السكان، وتوزعت هذه العمليات بين جسر جوي إلى مقديشو! وتوزيع مواد غذائية، وحملة تلقيح في أكبر مخيم لاجئين في العالم بكينيا.

من جهتها، رفعت فرنسا حجم مساعداتها للقرن الأفريقي 3 أضعاف لتبلغ 30 مليون يورو.

وأرسل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة طائرة جديدة حملت 10 أطنان من المواد الغذائية المكملة للأطفال إلى العاصمة الصومالية، كما سرع وتيرة توزيع الأغذية في الدولو جنوب البلاد قرب الحدود الكينية.

وقال ديفيد أور الناطق باسم البرنامج في مقديشو لوكالة الصحافة الفرنسية إن «طائرة وصلت اليوم (أمس) إلى مقديشو، وهي السادسة منذ بدء الجسر الجوي الأربعاء، 27 يوليو (تموز) الذي سيتواصل».

وأوضح أنه «بذلك يرتفع إلى 80 طنا مجمل المواد الغذائية المكملة المرسلة إلى مقديشو للأطفال الذين يعانون من نقص في التغذية». وأضاف أن هذه المساعدة التي تغطي احتياجات 80 ألف طفل شهريا! ستوزعها المنظمات غير الحكومية المحلية المتعاملة مع برنامج الأغذية العالمي.

وقد أعلنت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية فاليري بيكريس أن فرنسا قررت رفع مساعدتها إلى القرن الأفريقي 3 أضعاف! أي من 10 ملايين إلى 30 مليون يورو! كما عرضت مساعدة لوجيستية لتوزيع المساعدات.

وبعد أن ذكرت أن باريس ضاعفت المساعدات أصلا في يوليو عبرت عن أملها في «مشاركة أكبر»، موضحة أن وزارتي الدفاع والخارجية «يمكن أن تقدما دعما لوجيستيا».

وأعلنت أن رئيس الوزراء فرنسوا فيون سيجمع «في نهاية أغسطس المنظمات والجمعيات لمناقشة الوضع».

ويعتبر الوضع خطيرا بشكل خاص في الصومال حيث أعلنت المنظمة رسميا وجود حالة مجاعة في منطقتين في جنوب البلاد تسيطر عليهما حركة الشباب المجاهدين الإسلامية المتطرفة.

وتخشى الأمم المتحدة من أن تتفشى المجاعة في غضون شهر أو شهرين لتشمل جنوب الصومال بأكمله. وتفاقم الوضع في الصومال بسبب حركة التمرد الموالية لتنظيم القاعدة والتي تعقد إرسال المساعدات الإنسانية ما أدى إلى فرار عشرات آلاف اللاجئين إلى مخيمات مكتظة في إثيوبيا وكينيا.

وأضاف أور أن «برنامج الأغذية العالمي أقام أيضا جسرا جويا نحو الدولو في جنوب الصومال لتوزيع بسكويت حراري ومساعدة غذائية طارئة أخرى».

وقال: «نواصل أيضا إرسال كميات كبيرة من الأغذية بحرا نحو مقديشو لكن ذلك سيأخذ وقتا».

من جهتها، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها توزع حاليا مساعدات على 162 ألف صومالي متضررين بالجفاف في جنوب ووسط البلاد المنطقتين الواقعتين تحت سيطرة المتمردين.

وقالت اللجنة في بيانها: «إنها توزع للمرة الأولى مواد غذائية على نطاق واسع في هذه المنطقة من البلاد منذ بداية العام». وقد تم توزيع 3 أطنان من المواد الغذائية من أرز وزيت وغيرهما على 162 ألف شخص لتغطية احتياجاتهم خلال شهر. وفي الأثناء أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حملة تلقيح واسعة ضد الشلل والحصبة في داداب! أكبر مخيم للاجئين في العالم ويضم في ظروف صعبة للغاية 380 ألف لاجئ صومالي في شرق كينيا. وقالت ميليسا كركوم الناطقة باسم اليونيسيف إن «فرقنا تتنقل من خيمة إلى أخرى للتأكد من تلقيح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 سنوات».

وتابعت: «ثمة مصابون بالحصبة في المخيم لأن الأطفال يأتون من الصومال حيث نسبة المناعة ضعيفة جدا». من جانبها قالت هاو حسن علي الأم الشابة وهي تحمل بين ذراعيها رضيعة عمرها 7 أشهر خضعت للتلقيح لتوها إن «الحياة صعبة جدا هنا. إننا نتلقى مساعدة طبية لكن الغذاء غير كاف».

وعلى الجانب الإثيوبي من مخيم اللاجئين عند الحدود الصومالية بمنطقة دولو ادو، تراجعت وتيرة النازحين وباتت بمعدل 240 لاجئا جديدا خلال الأيام الأخيرة مقابل ألفين خلال الأسابيع الأخيرة.

وتعتبر نسبة النقص في التغذية هناك مثيرة للقلق الشديد حيث يطال النقص نصف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات. وأفادت وكالات الأمم المتحدة الإنسانية أن مخيما رابعا سيفتح في تلك المنطقة هذا الأسبوع يتسع إلى 40 ألف شخص.