جدل حول استطاعة باكستان القضاء على الملاذ الآمن للمسلحين

شعور أميركي بالإحباط حيال تحرك إسلام آباد نحو تطهير الشريط القبلي من المتمردين

TT

تعكف قوات أميركية وأخرى حليفة لها في أفغانستان على تعزيز الدفاعات على امتداد الحدود مع باكستان لإلقاء القبض على شبكة حقاني أثناء محاولتهم التحرك نحو كابل لشن هجمات كبرى، طبقا لما ذكرته مصادر عسكرية رفيعة المستوى.

وما تزال المناقشات جارية بين قادة عسكريين حول ما إذا كانت باكستان عاجزة - أو غير مستعدة - للقضاء على الملاذ الآمن داخل حدودها الذي تستخدمه شبكة حقاني، وهي جماعة تمرد قوية يقول مسؤولون أميركيون إنها تتلقى دعما من ضباط أمن واستخبارات باكستانيين للإبقاء على نفوذهم داخل أفغانستان.

بعدما زار أدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، المنطقة الحدودية الأفغانية - الباكستانية، الأحد، طار عائدا لكابل حيث أثنى على استراتيجية جديدة لتعزيز الدفاعات على الحدود وحتى كابل لزيادة صعوبة استغلال عملاء حقاني الممرات الجبلية الوعرة للمرور والانضمام لصفوف مسلحين لشن هجمات.

وقال أدميرال مولن: «وقد زاد الأمر صعوبة بالفعل».

واعترف أدميرال مولن، الذي سعى لإعادة العلاقات مع باكستان لسابق عهدها بعدما تضررت من الغارة الأميركية الانفرادية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن، بشعور أميركي بالإحباط حيال وتيرة تحرك قوات الأمن الباكستانية نحو تطهير المناطق الحدودية من المسلحين.

وقال: «يجب تناول هذا الأمر، وهو أمر تعيه القيادة الباكستانية».

خلال زيارته لأفغانستان التي استمرت ثلاثة أيام، التقى أدميرال مولن أيضا قادة عسكريين وقوات عبر جنوب وجنوب غربي البلاد، وهي المنطقة التي ركزت عليها جهود زيادة أعداد القوات التي أمر بها الرئيس أوباما. ورغم وقوع موجة من الهجمات الانتحارية اللافتة هناك، أكد أدميرال مولن أن قوات تابعة للتحالف وقوات محلية ستستمر في الضغط على المتمردين لإجبارهم على الانسحاب.

وأكد أدميرال مولن على أن جماعة طالبان عانت من خسائر فادحة خلال الشهور الأخيرة لدرجة جعلتها عاجزة عن شن هجمات مسلحة ضخمة لإعادة السيطرة على ملاذات آمنة أو توسيع نطاق سيطرتها السياسية، ولجأت بدلا من ذلك، في مؤشر على يأسها، إلى الهجمات الإرهابية الفردية.

ومع ذلك، تسبب مقتل اثنين من القيادات المحلية البارزة ذات نفوذ على المستوى الوطني - أحدهما الأخ غير الشقيق للرئيس حميد كرزاي، والآخر عمدة قندهار - في زعزعة استقرار المنطقة التي عملت من قبل بمثابة عاصمة لطالبان، في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأميركية انسحابها حسب تعليمات الرئيس أوباما.

وذكر مسؤول غربي أن أشهر حوادث القتل - وهي مقتل أحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس - يبدو الآن أنها كانت نتاج خلال شخصي وليست عملية اغتيال مدبرة من طالبان.

إلا أن طالبان ما تزال مستمرة في تنفيذ سلسلة من الهجمات لا هوادة فيها ضد «الناتو» وقوات الأمن الأفغانية ومدنيين أفغان - وهي حقيقة تسلطت عليها الأضواء، صباح الأحد، جراء تفجير سيارة مفخخة خارج مركز لتدريب الشرطة في عاصمة إقليم هلمند. وأعلنت السلطات الأفغانية أن تفجيريا اقتحم قافلة للشرطة الأفغانية أثناء مرورها عبر بوابات المركز إلى داخل شوارع لاشكارغاه، وهي مدينة جنوبية سيطر الأفغانيون على الأمن بها في 20 يوليو (تموز) الماضي.

وقتل في الحادث 12 ضابط شرطة وصبي، بجانب إصابة 12 آخرين - أغلبهم ضباط - حسبما أعلنت وزارة الداخلية التي نددت بالهجوم. وكانت لاشكارغاه واحدة من المدن والأقاليم السبعة التي اختارتها الحكومة الأفغانية لتحقيق انتقال نحو أمن يقوده الأفغان هذا الصيف. وتعد المجموعة الأولى من إجراءات تسليم رمزية للمسؤولية الأمنية خطوة مبكرة في خطط انسحاب تدعو لانسحاب القوات التي يقودها الناتو بحلول نهاية عام 2014.

وقد استهدفت طالبان، التي أعلنت مسؤوليتها عن هجوم الأحد، لاشكارغاه ومناطق أخرى تشهد عمليات النقل المبكر للمسؤولية الأمنية.

وفي تقييمه للمهمة بوجه عام، قال أدميرال مولن إن أوامر الرئيس ببدء انسحاب الـ33.000 جندي أميركي الإضافيين يمكن تنفيذها من دون تعريض المهمة للخطر. طبقا لأوامر الرئيس، يجب أن يغادر الـ33.000 جندي أفغانستان بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) 2012.

وأضاف مولن: «إنني واثق تمام الثقة بأننا سنتمكن من تلبية كل الاحتياجات على أرض الواقع، فضلا عن المواعيد النهائية والأهداف التي تم وضعها من قبل الرئيس».

ولم يتم الانتهاء من وضع تفاصيل عملية الانسحاب، ولكن من المؤكد أن بعض الوحدات التي ستغادر بالكامل لن يتم استبدال وحدات أخرى بها؛ من المتوقع مغادرة كتيبتين من كتائب الحرس الوطني في كابل وكتيبة من مشاة البحرية في مقاطعة هلمند دون إرسال وحدات أخرى لتحل محلها. ومن الجدير بالذكر أن عدد أفراد تلك الوحدات الثلاث وحدها يبلغ 4,000 جندي من ضمن العشرة آلاف جندي الذين أمر الرئيس أوباما بعودتهم بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول).

وقد صرح ضباط في الجيش بأن التخفيضات التي أمر بها الرئيس ستتم أيضا من خلال تحديد المهام التي يؤديها حاليا العسكريون داخل أفغانستان والتي يمكن تأديتها من خلال مقر موجود خارج منطقة الحرب، كما يمكن إحالة بعض المسؤوليات، مثل تدريب قوات الأمن الأفغانية، إلى المتعاقدين الأمنيين.

وكشف مولن النقاب عن أنه من المحتمل أن يقوم كبار القادة في أفغانستان بتقديم مقترحات محددة من أجل وضع جدول زمني للانسحاب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وخلال زيارته، استخدم مولن كلمات شديدة اللهجة للتعبير عن المخاوف الأميركية بأن الفساد لا يزال يشكل مصدر خطر للنجاحات الأمنية، وانتقد على وجه التحديد ما وصفه بـ«شبكات المحسوبية الإجرامية الموجودة هنا، وكيف شقت طريقها نحو النسيج الذي يمكن من خلاله التحكم في الأمور، والولاءات بين الناس، وكيفية اتخاذ القرارات وكيفية تقديم الدعم للمواطن الأفغاني العادي الذي يشعر بالقلق نتيجة فشل حكومته في تقديم خدمات جيدة».

وبعد ثلاثة أيام من المشاورات مع القادة في جميع أنحاء جنوب وشرق أفغانستان، قال مولن إن «جميع القادة واثقون كثيرا في الجانب الأمني وربما يشعرون بالقلق تجاه ما يتعلق بالحكم».

* ساهم في كتابة التقرير تايمور شاه من إقليم قندهار الأفغاني.

* خدمة «نيويورك تايمز»