ناشطون من حماه لـ«الشرق الأوسط»: لم نعد نخاف الرصاص.. وسندافع عن أنفسنا ولن نسمح بتكرار المجزرة

الجيش يحاصر حماه ولم يدخلها بعد.. وقناصون يرعبون السكان

متظاهرون سوريون يحملون مصابا خلال التظاهرات في مدينة حماه أمس (إ.ب أ)
TT

أكد ناشطون من مدينة حماه لـ«الشرق الأوسط» أن السكان «صامدون» في وجه الدبابات التي تحاصر مداخل المدينة وتقصف الأهالي منذ يوم الأحد الماضي، في مشاهد ذكرت بمجازر الثمانينات التي ارتكبها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار. ولم يتمكن الجيش بعد من دخول المدينة، ولا يزال يتمركز على مداخلها ويقصف المدينة برشاشات تم تثبيتها على الدبابات، كما أكد ناشطون لـ«الشرق الأوسط». كما انتشر القناصة على أسطح الأبنية على مداخل المدينة. ورغم الحملة الأمنية العنيفة على حماه التي أثارت استياء دوليا واسعا، يستمر الأهالي بتحدي الأمن وقد خرجوا في مظاهرات في الأحياء بعد صلاة التراويح ليل أول من أمس، يطالبون بخروج الجيش وإسقاط النظام، بحسب ما أكد ناشطون.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن ثلاثة أشخاص قتلوا أمس في حماه بينهم اثنان بقذيفة، وذكر أن «ثلاثة أشخاص قتلوا في حماه بينهم شقيقان كانا يستقلان سيارة لنقل الدجاج أصيبت بقذيفة في منطقة دوار السجن مما أدى إلى مقتلهما على الفور». وأضاف «قتل ثالث برصاص قناصة قرب الإطفائية» في حماه. وأشار عبد الرحمن إلى «انتشار كثيف للدبابات على الطريق الواصل بين حمص والرستن وفي محيط الرستن»، لافتا إلى وجود «تخوف لدى الأهالي في الرستن من تنفيذ عملية عسكرية».

من جهته، أكد الناشط عمر حبال الذي تحدث من حماه لـ«الشرق الأوسط» في لندن أمس، أن المدينة تعرضت لتجدد القصف في العاشرة من صباح أمس، مشيرا إلى انتشار كثيف للقناصة على أسطح البنايات على مداخل المدينة من الجهتين الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية. وأشار حبال إلى أن القوات السورية تستخدم ذخائر من دون رأس متفجر «لخلق الرعب» في النفوس.

وقال حبال إن القناصة المنتشرين على مداخل المدينة، يطلقون النار على كل من يتحرك، مشيرا إلى مقتل شخصين على الأقل قنصا يوم أمس. وأكد الناشط السوري أن أهالي حماه «لم يعودوا يخافون من النار»، وقال: «يقتلون واحدا يهجم عليهم عشرات الآلاف». وأشار إلى استمرار وجود الحواجز التي رفعها الأهالي في المدينة لمنع دخول قوات الأمن، مؤكدا أن سكان حماه لن يسمحوا بتكرار مجزرة الثمانينات وسيدافعون عن أنفسهم. ونفى وجود عصابات مسلحة في حماه، ولكنه قال إن «السكان يدافعون عن أنفسهم». ودعا حبال المجتمع الدولي ليساعد أهالي حماه وقال: «الذاكرة في المدينة ليست مستعدة أن تسمح بحصول الشيء نفسه» مرة أخرى، مشيرا إلى مذبحة حماه في عام 1982 التي قتل فيها نحو 10 آلاف شخص.

وأكد ناشطون آخرون من قلب المدينة المحاصرة بالرصاص والنار أن «سكان حماه صامدون، ولن يستسلموا لدبابات الطاغية وعصاباته المجرمة». وقال أحد الناشطين إن «حماه اليوم ليست حماه الثمانينات، ففي ذلك الوقت كان النظام في حرب مع جماعة معينة هي جماعة الإخوان المسلمين، أما اليوم فالنظام في حرب ضد الشعب والسكان والأهالي»، مشددا على أن «المدينة كلها يد واحدة، متضامنة ضد الهجوم الشرس الذي يشنه وللأسف الجيش السوري عليها».

وعن بث التلفزيون السوري مشاهد قتلى قال إنها لمواطنين من المدينة لقوا حتفهم على يد عصابات مسلحة رمت جثثهم في نهر العاصي، وصور مسلحين ادعى أنهم يعيثون في أحياء المدينة خرابا ويرعبون السكان، قال ناشط آخر: «ليست هذه هي المرة الأولى التي يكذب فيها التلفزيون السوري ويفبرك ويخترع الترهات الخيالية، لكنه هذا المرة تجاوز حدود الأخلاق والقيم»، مشيرا إلى أنه «عندما يستغل هذا التلفزيون التابع للنظام السوري وليس للشعب، صور جثث الناس الذين قتلتهم عصابات بشار الأسد لمحاولة البرهنة على روايته الكاذبة فهذا يشكل قمة الانحطاط والإسفاف».

ويتخوف الناشطون في مدينة حماه من أن «تتم تصفيتهم وليس اعتقالهم في حال اقتحم الأمن السوري الأماكن التي يختبئون فيها»، ويتحدثون «عن شبان أقاموا حواجز بدائية من الخردة وأشياء غير قابلة للاستعمال ويتناوبون على حراستها، يصورها التلفزيون السوري على أنها عائدة لعصابات مسلحة تحمي السكان من غوغائية الأمن السوري ووحشيته وتمنع دخوله إلى الأحياء». وأكدوا أنه «لا يمكن لهذه الحواجز أن تصمد أمام هول الدبابة والمدفعية والرشاشات، فإذا قرر الجيش الاقتحام والتغلغل في الأحياء والأزقة، بالتأكيد سيستطيع تحقيق ذلك، لكننا سنواجهه بما نملك من إرادة وإيمان وعزيمة».

واستغرب الناشطون «القصف الذي تعرض له القصر العدلي في حي الشريعة وسط حماه، وهو دليل على أن النظام السوري يتصرف كعصابة وليس كدولة، إذ كيف يمكن لدولة أن تقصف قصرها العدلي ومصلحة الكهرباء ومرافق حيوية أخرى».

وكان سكان مدينة حماه استقبلوا أول أيام شهر رمضان المبارك في ظل أجواء من الرعب والهلع بسبب وابل القذائف المدفعية والقنابل الرشاشة التي لم تتوقف دبابات الجيش السوري المتمركزة في أنحاء مختلفة من المدينة عن إطلاقها إلا في وقت قصير أثناء موعد الإفطار، لتستعيد نشاطها بعد أداء صلاة التراويح التي جرت في مساجد معينة بعد قصف المدفعية السورية لمساجد أخرى أحدثت فيها تدميرا جزئيا.

وأفادت مصادر من المدينة لـ«الشرق الأوسط» بأن «مظاهرات حاشدة خرجت بعد صلاة التراويح من أكثر من جامع هتفت للحرية ونادت بإسقاط النظام، ما جعل دبابات الجيش وسيارات الأمن المنتشرة في المدينة تصعّد من حملتها الوحشية قصفا وإطلاقا للنار، بشكل عشوائي على المتظاهرين، فسقط أكثر من خمسة عشر قتيلا ومئات الجرحى».

وأكدت هذه المصادر «حدوث عصيان داخل السجن المدني في حماه» متوقعة «حصول مجزرة أثناء قمع أجهزة الأمن لهذا العصيان، حيث تحدث شهود عيان عن رمي جثث متفحمة خارج السجن، من دون أن يتم تأكيد ذلك بشكل قاطع».

وعلى شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، نشرت الكثير من صفحات المعارضة السورية مقاطع فيديو وصورا تظهر آثار القصف العنيف على أحياء المزراب والحمرا والبساتين والصناعة والقصور والأربعين بهدف دحض الرواية الرسمية التي تنفي دخول الدبابات إلى مدينة حماه.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بسقوط عشرة قتلى وعشرات الجرحى في مظاهرات معارضة للنظام خرجت بعد صلاة التراويح مساء الاثنين في عدة مناطق من سوريا. وقال المرصد إن «حصيلة الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الأمن السورية خلال المظاهرات التي خرجت في عدة مدن سورية بعد صلاة التراويح مساء الاثنين ارتفعت إلى عشرة شهداء وعشرات الجرحى». وأوضح المرصد أن «صلاة التراويح شهدت مظاهرات ضخمة دعت إلى إسقاط النظام وهتفت لحماه الجريحة ودير الزور».

وقتل بحسب المرصد ستة أشخاص في منطقة عربين شمال شرقي العاصمة السورية دمشق برصاص قوات الأمن فيما قتل متظاهر في المعضمية قرب دمشق واثنان في اللاذقية غرب سوريا وآخر في مدينة حمص وسط سوريا.

وفي عربين أفاد المرصد بأن «الآلاف في المدينة خرجوا بمظاهرة حاشدة»، مضيفا أن «رجال الأمن والشبيحة هاجموا المظاهرة وأطلقوا الرصاص بشكل مباشر على المتظاهرين العزل». كما أفاد بـ«معلومات عن وجود عدد من الجثث ملقاة في الشوارع لا يتمكن الأهالي من الوصول إليها بسبب الوجود الأمني الكثيف».

وأضاف المرصد أن «عددا من القناصة شوهدوا يتمركزون على بناء الطيوري المطل على ساحة الحرية».

كما أشار إلى جرح أكثر من 14 متظاهرا في عربين و5 في المعضمية وأكثر من 11 في اللاذقية إضافة إلى عدد من الجرحى في حمص وآخرين في مدن الزبداني والكسوة إصابات بعضهم خطرة. وأضاف المرصد «اعتقل أكثر من 150 شخصا في مختلف المدن السورية».

وكانت حصيلة سابقة أشارت إلى سقوط سبعة قتلى، الاثنين، في سوريا من بينهم أربعة قتلى في حماه الواقعة على بعد 210 كلم شمال من دمشق، وشخصين بينهما طفل في الثالثة عشرة في البوكمال قرب الحدود العراقية حيث اعتقلت قوات الأمن 17 شخصا. كما قتل شخص آخر في المعضمية حيث أصيب خمسة أشخاص بجروح.