مبارك في «قفص» الاتهام على سرير متحرك يستسلم لـ«محاكمة القرن»

الرئيس المصري السابق ونجلاه أنكروا التهم الموجهة إليهم

الرئيس السابق مبارك يتحدث من خلف قفص الاتهام ليؤكد حضوره وينفي التهم (أ.ب)
TT

عاش المصريون، أمس، لحظة تاريخية فارقة في تاريخهم، حيث جمع قفص الاتهام الرئيس المصري السابق ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار معاونيه.. وبعد جلسة استمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة، قررت محكمة جنايات القاهرة، أمس، برئاسة المستشار أحمد رفعت، تأجيل محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم إلى جلسة 15 أغسطس (آب) الحالي، كما أرجأت المحكمة نفسها نظر محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار معاونيه ومساعديه إلى جلسة اليوم «الخميس». كما أمرت المحكمة بإيداع مبارك مستشفى المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي مع توفير الرعاية الطبية التي تستلزمها حالته الصحية، مع السماح للفريق الطبي المعالج له بمتابعة حالته الصحية، وصرحت للطبيب ياسر صلاح أستاذ الأورام بكلية الطب جامعة القاهرة، بمتابعة حالته الصحية كلما استلزم الأمر ذلك. وجاء قرار تأجيل محاكمة مبارك وعلاء وجمال وحسين سالم، لتمكين هيئة الدفاع عن المتهمين من الحصول على نسخة من كارت الذاكرة المسجل عليه إلكترونيا أوراق قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها حبيب العادلي وآخرون. كما صرحت للدفاع نفسه بالحصول على نسخ من بعض أوراق استجواب جمال مبارك التي لم يكن قد تم تصويرها ضمن الملف المصور المسلم للدفاع، وطلبت المحكمة إلى النيابة العامة إحضار مبارك ونجليه في الجلسة المقبلة مع استمرار حبسهم.

ويعد ظهور مبارك ونجليه، أمس، هو الأول لهم منذ ثورة 25 يناير.. دخل مبارك إلى قاعة المحاكمة على سرير طبي متحرك، وبدا حليق اللحية مصبوغ الشعر وفي وزنه المعتاد، كما ارتدى بدلة تدريب «ترينينغ سوت» بيضاء، وفي عروق يده اليمنى جهاز طبي لتركيب المحاليل الطبية (كانيولا)، وساعة جلدية سوداء، وفي يده اليسرى دبلة الزواج، فيما ظهر نجلاه وهما يرتديان الملابس البيضاء الخاصة بالمحبوسين احتياطيا. بينما ظهر حبيب العادلي وهو يرتدي ملابس زرقاء لكونه محكوما عليه بالسجن في قضية أخرى، وبدا أن وزنه زاد خلال فترة وجوده في السجن، بينما ارتدى أربعة من مساعديه المتهمين الملابس البيضاء، وارتدى اثنان الملابس المدنية لكونهم مفرجا عنهم.

وقامت المحكمة خلال جلستها التي استغرقت 3 ساعات ونصف الساعة بإثبات حضور المتهمين جميعا - باستثناء حسين سالم الذي يحاكم غيابيا - بحضور هيئة الدفاع عنهم، والمدعين بالحقوق المدنية في القضية. ورفع القاضي الجلسة مرتين، الأولى للاستراحة والثانية للمداولة، قبل أن تصدر المحكمة قرارها. وفي بداية الجلسة شرع في النداء على المتهمين في القضية الأولى رقم 1227 لسنة 2011 جنايات قصر النيل، المتهم الأول فيها حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق إلى جانب 6 من كبار مساعديه من القيادات السابقة بوزارة الداخلية، بشأن قتل المتظاهرين السلميين إبان أحداث ثورة 25 يناير، على نحو يمثل جناية القتل العمد مع سبق الإصرار. واستمعت المحكمة إلى أمر الإحالة الصادر بحق المتهمين، حيث طالبت النيابة في ختامه بتوقيع أقصى العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات، التي تصل إلى الإعدام شنقا فيما يتعلق بالاتهامات الخاصة بالتحريض على قتل المتظاهرين مع سبق الإصرار.. بينما تصل العقوبات إلى السجن المشدد في قضايا الفساد المالي الأخرى المتعلقة بإهدار المال العام واستغلال النفوذ السياسي بغية تربيح الغير.

وأثبتت المحكمة طلبات هيئة الدفاع عن المتهمين وعن المدعين بالحقوق المدنية وكذلك هيئة قضايا الدولة. وطالب الدفاع الحاضر عن 32 من المدعين بالحق المدني بتعويض مدني قدره 50 ألف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت، عن كل شهيد.. و10 آلاف جنيه عن كل مصاب.. وطالب رئيس المحكمة الدفاع بسداد الرسوم المالية المقررة في شأن الادعاء المدني.

وطالب المحامون المدعون بالحق المدني بضم جميع قضايا قتل المتظاهرين السلميين إلى القضية نفسها لوجود ارتباط بين تلك القضية المتهم فيها (الرئيس السابق) وباقي قضايا قتل المتظاهرين على مستوى الجمهورية، مطالبا بتوسيع قرار الاتهام ليشمل كل من لهم دور في قتل المتظاهرين، مناشدا رئيس المحكمة بنقل مبارك إلى مستشفى سجن طرة. وتلا المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة، أمر الإحالة، الذي تضمن اتهام مبارك بقتل وإصابة المتظاهرين بالاشتراك بالاتفاق مع حبيب العادلي. وقال ممثل النيابة إن مبارك وافق على الاستمرار في الاعتداء على المتظاهرين دون أن يتدخل بما يملكه من سلطات وصلاحيات لمنعهم أو وقفهم عن ذلك، قاصدا من ذلك إزهاق أرواح عدد من المتظاهرين لحمل الباقين على التفرق وثنيهم عن مطالبهم وحماية منصبه واستمراره في الحكم، واتهمت النيابة مبارك بصفته رئيسا للجمهورية بالقبول والأخذ لنفسه ولنجليه علاء وجمال العطية المبينة وصفا وقيمة بالتحقيقات، وهي عبارة عن 5 فيللات وملحقات لها بلغت قيمتها 39 مليونا و759 ألف جنيه بموجب عقود صورية تم تسجيلها بالشهر العقاري من المتهم الثاني حسين سالم، كما اشترك مبارك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع موظف عمومي للحصول لغيره، دون وجه حق، على منفعة من عمل من أعمال وظيفته، بأن اتفق مع المتهم سامح فهمي وزير البترول آنذاك (السابق إحالته للمحاكمة الجنائية عن هذه التهمة) على إسناد أمر بيع وتصدير الغاز الطبيعي المصري لدولة إسرائيل إلى «شركة البحر الأبيض المتوسط للغاز» التي يمثلها ويستحوذ على أغلبية أسهمها المتهم حسين سالم (السابق إحالته للمحاكمة الجنائية عن الجريمة ذاتها موضوع هذه التهمة).

وعقب تلاوة قرار الإحالة، جاءت اللحظة التاريخية التي انتظرها المصريون طويلا حيث نادى المستشار أحمد رفعت، رئيس المحكمة، على الرئيس السابق من فوق منصة القضاء التي كتب عليها «العدل أساس الملك» فرد قائلا بصوت متحشرج: «أفندم أنا موجود»، فواجهه القاضي بالاتهامات المنسوبة إليه فأنكرها جميعا، وهو ما تكرر مع نجليه علاء وجمال.

وفي مفاجأة أخرى، طالب المستشار أشرف مختار، ممثل هيئة قضايا الدولة (المسؤولة عن إدارة قضايا الحكومة)، المحكمة بالتصريح لهم بالادعاء مدنيا بمبلغ مليار جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت لصالح الخزانة العامة للدولة، ضد جميع المتهمين، وفي مقدمتهم المتهم الأول محمد حسني مبارك وباقي المتهمين، وذلك لحين حصر كل الأضرار الناشئة عن أعمال قتل وإصابة المتظاهرين وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة نتيجة تلك الجرائم المبينة في أمر الإحالة وتحقيقات النيابة العامة. وأشار إلى أن الادعاء المدني يأتي في ضوء لجوء الخزانة العامة للدولة إلى إفراد بند خاص من ميزانية الدولة بوزارة المالية لمعالجة آثار هذه الجرائم، بما في ذلك إنشاء صندوق لتعويض المصابين وأهالي الشهداء والضحايا في أحداث الثورة، كما أفردت الدولة بندا آخر بالميزانية لإعادة هيكلة وإصلاح جميع المرافق والمنشآت العامة للدولة، وكذلك منشآت وزارة الداخلية وسياراتها المختلفة وما تم إتلافه بسبب الجرائم المذكورة بأمر الإحالة ضد المتهمين، وتداعيات حالة الانفلات الأمني.

وأثبتت المحكمة ادعاء أعداد كبيرة من أسر الضحايا والمصابين بالحقوق المدنية بمبالغ تراوحت ما بين 10 آلاف وحتى مائة ألف جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت لكل منهم. كما طالب محامو المدعين بالحقوق المدنية بضم تقرير لجنة تقصي الحقائق في شأن أحداث ثورة 25 يناير إلى ملفات القضية وكذلك ضم جنحة إتلاف التسجيل الصوتي للواء أحمد رمزي المتعلق بالتعامل مع المتظاهرين التي كان يبلغ بها أحد قادة الأمن المركزي.

وطالبوا أن تباشر النيابة العامة التحقيق مع حسني مبارك في الوقائع المتعلقة بحصوله على عمولات من صفقات الأسلحة وبإدخال كل من صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى السابق، ورجل الأعمال أحمد عز، وزكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، كمتهمين في القضية، كما طالبوا باستدعاء المسؤولين بشركات الهواتف المحمولة لسؤالهم عن عمليات قطع خدمات الاتصالات والإنترنت أثناء المظاهرات.

من جانبه، طالب فريد الديب، المحامي عن مبارك ونجليه، بتفريغ كارت الذاكرة المسجل عليه إلكترونيا أوراق القضية المتهم فيها حبيب العادلي وآخرون، وطباعة المخزون عليها وتسليمه إليه.. وكذلك التصريح له بتصوير صفحات استجواب جمال مبارك التي لم يتم تصوير بعضها حتى الآن. كما طالب بسماع شهادة جميع شهود الإثبات الواردة أسماؤهم في قائمة أدلة الثبوت، وعددهم 1631 شاهدا، أمام المحكمة.. كما طالب الديب بسماع شهادة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع وكذلك سماع شهادة اللواء حسن بشر، سكرتير عام محافظة جنوب سيناء، وأيضا شهادة كل من تقلدوا منصب محافظ جنوب سيناء المتعاقبين في شأن عمليات تخصيص وبيع الأراضي بشرم الشيخ والقواعد المتبعة والمنظمة لذلك. وطالب المحامي الديب أيضا بالتصريح للطبيب الخاص المعالج للرئيس السابق حسني مبارك لزيارته وعلاجه بدلا من الطبيب الألماني الذي خشي المجيء لمصر.