المغرب ينفي حرق مركز للشرطة ومكاتب حكومية لتبرير التصدي لمتظاهرين في آسفي

أحداث دموية في المدينة أسفرت عن جرح قرابة 100 شخص حالة بعضهم «حرجة»

TT

نفت السلطات الأمنية المغربية أن تكون دبرت حادث حرق مركز للشرطة في آسفي (جنوب الدار البيضاء)، لتبرير تدخل ضد شبان متظاهرين يوم الاثنين الماضي، وهو ما أدى إلى أحداث عنف بالغة الضراوة. وفي غضون ذلك، تظاهرت أمس مجموعة من أسر شبان اعتقلوا على خلفية أحداث آسفي، للمطالبة بإطلاق سراحهم، في حين سيمثل عدد من هؤلاء المعتقلين اليوم (الخميس) أمام المحكمة. وكانت أحداث العنف أدت إلى حرق مركز للشرطة ومصلحة تابعة لوزارة الداخلية في المدينة. وأسفرت تلك الأحداث عن سقوط جرحى من الجانبين، في حين قالت مصادر مطلعة إن حالة أربعة من رجال الشرطة حرجة. وانتقد خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام)، والمتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية، الاحتجاجات التي نظمتها مجموعة من الشباب العاطلين، الذي عرقلوا سير القطارات في المدينة، ثم اشتبكوا بعد ذلك مع الشرطة، وقال «إن هذا ليس نقاشا ديمقراطيا وليس ربيعا للديمقراطية بل مجموعة من الانحرافات يجب على المتسببين فيها تحمل نتائجها». وأضاف «هناك جهات تركب عن وعي أو من دون وعي مطالب ليست لها علاقة بالديمقراطية». ومضى يقول «الحكومة في حاجة إلى مساندة من طرف الرأي العام من أجل تطبيق القانون لأنه قانون يهدف أصلا لخدمة المواطنين».

وقالت مصادر محلية اتصلت بها «الشرق الأوسط» إنه تم اعتقال 16 شابا شاركوا في تلك الأحداث التي جرت الاثنين الماضي، وسيمثل ستة معتقلين منهم اليوم (الخميس) أمام ممثل النيابة العامة، في حين سيمثل ثمانية منهم أمام المحكمة الابتدائية، حيث وجهت لهم تهم «تنظيم تجمع غير مشروع، وعرقلة أعمال السلطات، وإضرام النار في ممتلكات عامة، وإحراق وثائق حكومية». وأفادت المصادر نفسها بأن أحداث آسفي بدأت بحركة احتجاجية نظمتها مجموعة تطلق على نفسها «تنسيقية أبناء الضاحية المجاورة للمعامل الكيماوية»، وهي مصانع تابعة لمؤسسة الفوسفات. وكانت السلطات وعدت هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل بتوظيفهم ابتداء من أول أغسطس (آب) الحالي، في مصانع الفوسفات الكيماوية. ويقول هؤلاء الشباب إن المسؤولين في مؤسسة الفوسفات تراجعوا عن وعدهم، لذلك اضطروا لاحتلال السكك الحديدية لقطار يربط بين المصانع الكيماوية ومحطة القطار والميناء في المدينة، مما أدى إلى تعطيل قطار يحمل مواد كيماوية لمدة ساعة، وهو ما أدى إلى تدخل قوات الأمن. ورشق الشبان المتظاهرون هذه القوات بالحجارة، مما أسفر عن جرح 58 عنصرا، من بينهم أربعة في وضعية حرجة، كما جرح 35 شابا من المحتجين، ونقلوا جميعا إلى مستشفى في المدينة.

وبعد المواجهات العنيفة قرب سكة القطار انتقلت المواجهة بين الطرفين من منطقة تسمى «البيار» إلى منطقة «قليعة»، وفي دروب وأزقة هذا الحي حوصر رجال الأمن بعد أن انضمت مجموعة كبيرة من شباب الحي إلى العاطلين الغاضبين، وراح آخرون يرشقون رجال الشرطة بالحجارة من فوق أسطح المنازل، حيث اضطروا إلى اقتحام بعض المنازل للاحتماء بداخلها، مما أسفر عن كسر أبواب ونوافذ عدد من منازل هذا الحي.

ثم انتقل الشباب الغاضب بعد ذلك إلى المقاطعة الحضرية العاشرة (مكاتب إدارية تابعة لوزارة الداخلية) في حي قليعة، وشرعوا بعد اقتحام تلك المكاتب في تخريبها وحرق جميع الملفات الإدارية، وإضرام النار في مكاتب الأرشيف، كما تم تخريب أجهزة الحاسوب، ثم توجهوا بعد ذلك نحو مركز للشرطة (الدائرة الأمنية الخامسة) في حي كاوكي، وبعد تكسير الباب الرئيسي للمركز تعرضت مرافقه للتخريب، وأصيب عميد شرطة، وهو رئيس المركز، وتم إحراق دراجتين ناريتين لرجال الأمن وإضرام النار في الوثائق الإدارية. وأشارت المصادر إلى أن المنطقة التي عرفت أحداث شغب كان يسكن فيها كمال عماري، عضو «حركة 20 فبراير» الشبابية الاحتجاجية، الذي توفي في يونيو (حزيران) الماضي بعد أن تعرض للضرب بالهراوات عقب مشاركته في مظاهرة احتجاجية. وكان عادل العثماني المتهم الرئيسي بتفجير مقهى «أركانة» في «ساحة جامع الفنا» في مراكش في أبريل (نيسان) الماضي، بدوره يسكن في المنطقة التي شهدت احتجاجات الاثنين الدامية في آسفي.

وفي تطور لاحق، نفت «إدارة الأمن الوطني» أن تكون السلطات الأمنية سخرت أشخاصا لحرق مركز الشرطة والمكاتب الحكومية في آسفي لتبرير تدخلها في مواجهة المحتجين. وقال بيان أصدرته إدارة الأمن أمس «إنه على أثر أحداث الشغب التي شهدتها آسفي يوم الاثنين الماضي، والتي نجم عنها إضرام المحتجين للنار في مقر الدائرة الخامسة للأمن (مركز شرطة) ومقر الملحقة الإدارية العاشرة (مكاتب تابعة لوزارة الداخلية) وعرقلة حركة سير القطار، وزعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآسفي بيانا يقول إن أشخاصا «مسخرين من طرف الأمن أقدموا على حرق تلك المقرات وتكسير واجهاتها لتبرير التدخل الأمني في مواجهة المحتجين».

وقال بيان إدارة الأمن «إن نحو 50 شخصا من خريجي المعاهد (تحالف أبناء جيران مصانع الفوسفات) عمدوا صباح الاثنين إلى وضع حواجز على خط السكة الحديدية الرابط بين المجمع الكيميائي وميناء آسفي، مما أدى إلى قطع الطريق في وجه حركة القطارات، واستدعى ذلك تدخل قوات حفظ النظام، التي طلبت من المحتجين أن ينفضوا طبقا لما يقتضيه القانون، غير أن المحتجين عمدوا في حدود الخامسة عصرا من اليوم نفسه إلى ارتكاب أعمال شغب نجم عنها إضرام النار في مقر الملحقية الإدارية العاشرة، ومقر الدائرة الخامسة للأمن وتخريب محتوياتها وإتلاف الوثائق الشخصية الموجودة بها، كما نتج عن تلك الأفعال إصابة 58 عنصرا من قوات حفظ النظام نتيجة رشقهم بالحجارة من طرف المحتجين». ونتيجة لهذه الأعمال تقرر إيقاف 16 شخصا ممن أسهموا في أعمال الشغب، تم تسليم اثنين منهم لذويهما بسبب صغر سنهما القانونية تنفيذا لتعليمات النيابة العامة المختصة، بينما تم الاحتفاظ بالباقي من أجل التحقيق معهم وتقديمهم للعدالة. وأشار البيان إلى أن النيابة العامة طلبت من الشرطة القضائية في آسفي التحقيق في بيان فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول مسألة إقدام أشخاص مسخرين من قبل أجهزة أمنية على التسبب في أعمال الشغب تلك.