نجل اللواء عبد الفتاح يونس لـ «الشرق الأوسط»: لا نريد فقط محاكمة من قتل والدي وإنما من خطط ودبر لذلك

انتقد تقاعس المجلس الوطني الليبي.. وهدد باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية

عنصر من الثوار يتفقد بقايا صاروخ من نوع «غراد» بالقرب من تيجي أمس (رويترز)
TT

بدا أمس أن محاولات المجلس الانتقالي الوطني المناهض لنظام حكم العقيد الليبي معمر القذافي، استيعاب غضب وتململ أسرة وقبيلة اللواء عبد الفتاح يونس، القائد العام السابق لهيئة أركان تحرير جيش الثوار، الذي اغتيل مؤخرا في بنغازي مع مرافقين له في ملابسات مثيرة للجدل، قد باءت بالفشل، بعدما كسرت عائلة يونس الصمت، وقررت أن تتحدث للمرة الأولى لكي تعرب عن سخطها بشأن الطريقة التي يتعامل بها المجلس مع ملف قضية اغتيال يونس، والتحقيقات الجارية بشأنها.

وفي تهديد واضح لا لبس فيه، قال معتصم، الابن الأصغر للواء يونس، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في بنغازي بشرق ليبيا، إنه «إذا كانت لجنة التحقيق في داخل ليبيا قد تقاعست عن العمل، وفشلت في التحقيق في هذه القضية الخطيرة، فنحن عائلة يونس وقبيلة العبيدات سنطلب المساعدة من المحكمة الجنائية الدولية».

وجاءت تصريحات نجل اللواء يونس عقب اجتماع عقده معظم وجهاء قبيلة العبيدات التي ينتمي إليها يونس، وهي واحدة من كبرى قبائل ليبيا في بنغازي.

وأعلن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة لمعرفة الحقيقة في ملابسات مصرع يونس، التي مثلت عملية اغتياله ضربة كبيرة للثوار المناوئين للقذافي على كافة المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية.

وتوعد عبد الجليل بإنزال أقصى العقوبات بمرتكبي هذا الحادث، وهو نفس التعهد الذي قدمه لاحقا وزير الدفاع في المجلس الانتقالي، اللواء جلال الدغيلي.

وسعى المجلس الانتقالي إلى احتواء ثورة الغضب العارمة التي تنتاب أفراد عائلة يونس وقبيلته، لكن تجرؤ هؤلاء على تحدي النبرة الهادئة والواثقة نسبيا للمجلس في ملف قضية يونس سيمثل دون شك إحراجا كبيرا للمجلس الذي يجاهد لمطاردة الطابور الخامس الموالي لنظام العقيد القذافي في بنغازي وللسيطرة على أي توترات قبلية أو عائلية تنجم عن مصرع يونس الذي كان يعتبر من أبرز وأهم القادة العسكريين في صفوف الثوار على الإطلاق. وقال مسؤول في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه القضية يجب أن لا نتعامل معها عبر وسائل الإعلام، المستفيد من بروز بعض الخلافات أو سوء فهم وجهات النظر المختلفة هو عدونا؛ نظام القذافي نفسه». وبعدما اعتبر أن لا مصلحة للمجلس الانتقالي أو أي من أعضائه في إخفاء أي معلومات تتعلق بملابسات اغتيال يونس، دعا عائلة وقبيلة يونس إلى الالتزام بالهدوء وضبط النفس إلى حين انتهاء التحقيقات الجارية.

لكن نجل وزير الداخلية الليبي الأسبق قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يصدق رواية نظام القذافي حول تورط تنظيم القاعدة في مقتل والده، نافيا أن يكون شقيقه الأكبر، أشرف، قد رفع العلم الأخضر الذي يرمز إلى نظام القذافي خلال مراسم تشييع جثمان والدهما أو لدى تلقيهما نبأ وفاته. وأضاف: «هذه تقارير كاذبة، ولاء أبي كان لثورة الشعب الليبي، ونحن عائلة وقبيلة عبد الفتاح يونس مع ثورة 17 فبراير (شباط)، لم يتغير ولاؤنا، مطلقا، نحن مع شعبنا ضد الطاغية».

وروى معتصم لـ«الشرق الأوسط» أنه وبقية أفراد أسرته سمعوا للمرة الأولى بنبأ مصرع والده عبر القنوات الفضائية، مضيفا: «من التلفزيون جاءنا أول خبر، وطبعا هذه فاجعة وأكبر صدمة مرت علي في حياتي الشخصية وعلى عائلتي وعلى ثورة 17 فبراير في ليبيا».

وهذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها معتصم على التحدث بشكل صريح وعلني لوسيلة إعلام عربية أو أجنبية منذ مصرع والده في بنغازي الأسبوع الماضي.

وقال معتصم لـ«الشرق الأوسط» إن والده خلال آخر اتصال هاتفي بينهما لم يكن قلقا ولم يلمح إلى أي شيء غامض من حوله. وأضاف: «آخر اتصال كان في الساعة الثانية صباح يوم الخميس، قال لي: أنا موجود مع الأشخاص الذين قدموا من أجدابيا، وأنا معهم. وقال إنه سيغلق الهاتف وبعدها سيتحدث إلي، لكني لم أسمع منه مرة ثانية، هذه آخر مكالمة بينا».

وعند سؤاله عما إذا كان يونس يلمح إلى شيء مريب من حوله أو لمح إلى أنه قد يتعرض للقتل، فقال معتصم: «أعطاني كل الأمان، لا.. لم يلمح إلى مسألة قتله، كان مطمئنا جدا، وقال إنه بعدما يتفاهم مع هؤلاء الناس سيتصل بي».

لكن اللواء يونس لم يعاود الاتصال بنجله الذي فوجئ مع بقية أفراد عائلته بتواتر المعلومات حول حادث مريب تعرض له يونس قبل أن يخرج المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، لكي يعلن بشكل رسمي أن يونس قد توفي مع مرافقين له على أيدي جماعة لم يسمها أو يحدد هويتها.

وبدا نجل اللواء يونس غير مقتنع كثيرا برواية المجلس الانتقالي حول وفاة والده بما في ذلك مبررات استدعائه من الجبهة في أجدابيا والبريقة إلى بنغازي على خلفية تقارير عن نقص التسليح والاتصالات. وأضاف: «ما زالت ملابسات موضوع استجوابه غير واضحة، ولا نعرف لماذا تم التحقيق معه.. الأسباب التي قيلت غير واضحة». واعتبر معتصم نجل اللواء يونس لـ«الشرق الأوسط» أن قضية اغتيال والده ما زالت غامضة حتى الآن، ودائرة الاتهام واسعة جدا، و«ننتظر فقط نتائج التحقيق وإذا لم يفعلوا، فسنتصرف»، لافتا إلى أن تقاعس المجلس الانتقالي عن إتمام تحقيق سريع وشامل، تمثل في بطء تشكيل اللجنة المكلفة التحقيق، وبعض الإجراءات أخذت الوقت الكافي لكنها لم تتحقق.

وفي نبرة ساخطة، قال معتصم لـ«الشرق الأوسط»: «مرت 5 أيام منذ استشهاد يونس، ولا توجد أي مبادرة أو علامة على قرب تقديم الجناة للمحاكمة، الإجراءات بطيئة وهذا ما يقلقنا». وأكد معتصم صحة معلومات سبق أن انفردت بنشرها «الشرق الأوسط» حول أن قاتل والده اللواء عبد الفتاح يونس، يدعى أبو ختالة، وهو أحد المحسوبين على الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي تقاتل الآن في صفوف الثورة الشعبية من أجل الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي منذ 17 فبراير الماضي. وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت هذه المعلومات صحيحة، قال نجل القائد العام لثوار ليبيا: «نعم، هذا الشخص معتقل ويحقق معه، وهناك أشخاص آخرون»، لكنه أضاف بشكل حاسم: «نحن لا نريد فقط محاكمة من قتل والدي الشهيد عبد الفتاح يونس، بل من خطط ودبر ونفذ، هؤلاء كلهم في دائرة الاتهام». وتابع: «دائرة الاتهام واسعة جدا ولا أستطيع الإشارة إلى متهم بعينه، ولا أستطيع أن أتهم شخصا بمفرده، ولا نستطيع كذلك الجزم أو التأكيد بأنه هذا الشخص أو غيره، قتلوا يونس لكن ما زال هناك متهمون آخرون علينا إحضارهم للمحاكمة».

وتنفي هذه التصريحات ما قاله رئيس المجلس الانتقالي مؤخرا بشأن تفهم عائلة وقبيلة يونس لملابسات مصرعه، كما أنها تمثل تحديا علنيا هو الأول من نوعه بين الطرفين.

وسألت «الشرق الأوسط» فخري العبيدي، وهو ابن عم عبد الفتاح يونس، عما إذا كانت تصريحات معتصم تمثل وجهة نظره الشخصية أم تعبر عن موقف العائلة والقبيلة ككل، فقال، عبر الهاتف من بنغازي: «بطبيعة الحال، هذا ليس موقفا شخصيا، هذا موقفنا جميعا، يجب محاكمة قتلة يونس بلا تباطؤ، نشعر بالقلق، المجلس الانتقالي تحدث عن مهلة أسبوع لكشف حقيقة ما حدث واعتقال الجناة، مرت 4 أيام وباقي 3 أيام فقط ولم يتحقق أي شيء ملموس».

واعتبر فخري أن المهم هو سرعة تحقيق العدالة، لافتا إلى أن هذا المطلب، هو مطلب عام لعائلة وقبيلة يونس، الذي قال إنه مات جنديا مخلصا لثورة شعبه ضد القذافي.

وكان نجل يونس وابن عمه يتحدثان لـ«الشرق الأوسط» على خلفية رد أحد أبناء يونس على سؤال عما إذا كان من المحتمل أن تتحول الانقسامات إلى أعمال عنف «الطريقة التي قتل بها تبدو خيانة.. لذا نحن نحاول حتى الآن التزام الهدوء وكبح جماح شبان القبيلة.. ولا نعلم ما قد يحدث». وطلب الابن الذي رفض الإفصاح عن اسمه لكنه قال إنه يتحدث بالنيابة عن أفراد الأسرة الذين تحلقوا حوله بعد اجتماع 90 من زعماء قبيلة العبيدات إن اللجنة القبلية «ستحقق في من أصدر أمر الاعتقال ومن أرسل من لتنفيذه.. وكيف فقد. وقالوا إنه توفي ولكن دون العثور على الجثمان.. إذن كيف عرفوا أنه توفي إذا لم يكن هناك جثمان». واشتكت أسرة يونس من أن قيادة المعارضة تتلكأ في تحقيقاتها في مقتله، حيث قالت إنه يثير تساؤلات بشأن حدوث مؤامرة وخيانة. وأضافت أنه إذا لزم الأمر فستطلب مساعدة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي أصدرت أمر اعتقال للقذافي بسبب مزاعم عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وقال الابن للصحافيين الأجانب في بنغازي: «إذا لم يحقق لنا المجلس الوطني الانتقالي العدالة.. وإذا لم يحقق لنا القضاء (الدولي) العدالة فسنترك الأمر للقبيلة كي تحقق لنا العدالة». وللقبائل نفوذ قوي في المجتمع الليبي. ويبلغ عدد أفراد قبيلة العبيدات في شرق البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة 400 ألف.

ويقول أفراد أسرة يونس إن المجلس الوطني الانتقالي لم يشكل بعد لجنة التحقيق التي أعلن عنها ولم يسمِ أيا من أفرادها.

وقال الابن إن القبيلة رفضت السماح لمسؤولي المجلس الوطني الانتقالي بحضور أيام العزاء «لأن القبيلة مستاءة.. وتشعر أنه إما أن تكون للمجلس يد في ذلك أو أنه يتجاهل الأمر». ويقول مسؤولون إنه جرى اعتقال عضو في ميليشيا اعترف بأن مرؤوسيه قتلوه ولكنهم لم يقدموا تفاصيل. وقال محمد حامد يونس، ابن شقيق يونس، لـ«رويترز» إنه يبدو أنه لم تكن هناك أي خطة لاستجوابه في بنغازي، مضيفا: «لو كانت هناك نية للتحقيق معه.. لكانوا اتصلوا به ولكان نفذ الأوامر.. ولكن لم تكن هناك نية لذلك، منذ البداية.. كانت هناك نية للخيانة والغدر».