واشنطن تسعى لزيادة الضغوط على دمشق.. لكن الخيارات لا تزال محدودة

النزاع في ليبيا أثر على طريقة معالجة الإدارة الأميركية لأزمة سوريا

أهالي دوما يشيعون قتلاهم أمس
TT

تواجه إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، دعوات مكثفة لتشديد العقوبات ضد سوريا على خلفية الأعمال القمعية الدموية التي تشنها قواتها الأمنية ضد المتظاهرين، لكن مسؤولين في الإدارة أشاروا إلى أن وجود دعم دولي موسع لا يزيد حجم الخيارات أمام الولايات المتحدة لزيادة الضغوط على حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد.

وكان عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي قد تقدموا بتشريع يفرض عقوبات اقتصادية مشددة ضد سوريا غير العقوبات المفروضة بالفعل ضد الأسد وعدد من كبار مساعديه.

في الوقت ذاته، سحبت إيطاليا سفيرها في دمشق، وطالبت الدول الأخرى بسحب سفرائها، مكررة مطالبات الجمهوريين للرئيس باراك أوباما بالقيام بالأمر ذاته.

وفي نيويورك، التقى مجلس الأمن مرة جديدة، أمس، لبحث الانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية السورية ضد المتظاهرين، كما انتقد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، النظام السوري بانتقادات حادة قائلا إن بشار الأسد «فقد أي إحساس بالإنسانية».

وفي واشنطن، تعهد مسؤولو الإدارة باتخاذ تدابير أشد قسوة، لكنهم تراجعوا عن إعلان أي عقوبات جديدة، مدركين صعوبة التحدي السياسي والدبلوماسي لاستمرار أعمال القمع في سوريا بالنسبة للرئيس أوباما.

وصرح مسؤولون بأن الإدارة تخطط لتوسيع نطاق العقوبات الأولى المفروضة في مايو (أيار)، لكن العملية القضائية للقيام بذلك لم تكن بنفس سرعة تزايد وتيرة العنف ضد المتظاهرين، التي كان من بينها الهجمات الوحشية التي بدأت يوم الأحد في حماه والمدن السورية الأخرى.

وقد سقط جراء هذه الأحداث حتى الآن ما يزيد على 1500 شخص منذ مارس (آذار) الماضي، بحسب الأمم المتحدة التي نقلت الأرقام عن تقارير لمنظمات حقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، قدم روبرت فورد، السفير الأميركي في دمشق، شهادته أمام مجلس الشيوخ، يوم أول من أمس، مشيرا إلى أن العقوبات ضد المسؤولين السوريين بدأت تحدث تأثيرها. وكشف أيضا عن أن الإدارة كانت تناقش فرض عقوبات إضافية مع الأوروبيين، التي ستكون ذات تأثير مباشر، غير تلك التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي تحظر على الأميركيين إقامة علاقات تجارية مع سوريا.

وأضاف فورد: «التحرك الأحادي والتدابير الأميركية الإضافية لن يكون لها تأثير كبير»، وشدد على وضوح الإدارة الأميركية وعدم وضوح الهدف المعلن للحكومة السورية، مشيرا إلى أن أي عقوبات تأديبية يجب أن تنفذ بصورة لا تدمر الاقتصاد في فترة ما بعد الأسد.

وبعد اليأس من أن يتنبه الأسد للاحتجاجات التي عمت العالم العربي العام الحالي، كان أوباما يشدد من انتقاداته بصورة ثابتة، ولم يكن يرى سوى استخدام القوات الأمنية المزيد والمزيد من القوة المفرطة.

على الصعيد الدبلوماسي، ركزت الإدارة الأميركية جهودها على تعزيز الإدانة الدولية لحكومة الأسد، بالضغط على الدول الأعضاء في مجلس الأمن للتوصل إلى قرار أولي تقدمت به بريطانيا في مايو (أيار) لكنه لقي معارضة من جانب روسيا والدول الأخرى التي أغضبتها حملة الناتو العسكرية ضد ليبيا.

وقال مسؤول بارز في الإدارة إنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يسارع في اتخاذ قرار بشأن القضية السورية بسرعة أكبر مما قام به تجاه ليبيا.

وقد أثر النزاع في ليبيا على طريقة معالجة الإدارة الأميركية لأزمة سوريا في نواح عدة، وهو ما يؤكد على محدودية التأثير السياسي والقوة العسكرية في الدولتين.

فعلى الرغم من دعوة أوباما الواضحة بتنحي معمر القذافي، والغارات الجوية المدعومة من الولايات المتحدة لدعم الثوار الليبيين، فإنها فشلت حتى الوقت الراهن في إقصائه.

ويقول مسؤولو الإدارة إن الولايات المتحدة لا تملك نفوذا كبيرا في القضية السورية، نظرا لاستثناء الحل العسكري، وأن سوريا لا تزال تحظى بدعم من بعض الدول في الجامعة العربية والدول الأخرى.

وكانت هناك مؤشرات، أول من أمس، على أن الهجمات التي وقعت يوم الأحد قد عمقت من عزلة سوريا الدبلوماسية، فروسيا الحليف المهم لسوريا، أشارت إلى دعم جديد لبعض تحركات مجلس الأمن، على الرغم من أنها لم تحدد مدى هذه الموافقة.

وقال سيرغي فيرشينين، رئيس إدارة في وزارة الخارجية الروسية في موسكو: «نحن لا نرفض بشكل قاطع كل شيء، لكننا نقف بشكل قاطع ضد كل ما يعرقل التوصل إلى تسوية سلمية». كان هناك أعضاء آخرون في مجلس الأمن يرفضون أي تحرك، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند، الذين قالوا إنهم سيؤيدون إدانة العنف. لكن لم يتضح ما إذا كان المجلس سيتبنى قرارا أو سيصدر بيانا ضعيف اللهجة مع توقف المفاوضات حول عدد من القضايا. فالدول الغربية كانت مصرة على أن العنف ضد المدنيين لا يمكن مساواته بهجمات المتظاهرين ضد القوات الأمنية.

من جانبهم، دافع مسؤولو إدارة أوباما عما سموه نهج الإدارة الحذر، مشيرين إلى أنه من الأهمية بمكان أن تحاول الولايات المتحدة الحصول على إجماع دولي، حتى وإن كان ذلك بطيئا على نحو مثير للإحباط. وقد أدان الرئيس أوباما الأسد يوم الأحد بالقول: «إن استخدامه للعنف والإرهاب يضعه على الجانب الخاطئ من التاريخ».

وأشار مسؤول بارز بالإدارة إلى أن الرئيس يمكن أن يطالب الأسد صراحة بالتنحي كجزء من التصعيد المتروي للجهود الأميركية.

وحتى الآن لا تزال الإدارة الأميركية تسعى، عبر وسائل متعددة، إن لم تكن رمزية، لإظهار تأييدها للمتظاهرين، فالتقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مع نشطاء سوريين وأميركيين من أصول سوريا في وزارة الخارجية. وقالت لهم إن لديها ثقة كبيرة في قدرة الشعب السوري على صناعة مسار جديد لسوريا.

وشهد السفير فورد أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لدى دراسة المشرعين المصادقة على تعيينه، التي رفضت العام الماضي من قبل الأعضاء الرافضين للتدخل السوري في لبنان، وهو ما أجبر أوباما على تعيينه خلال عطلة الكونغرس حتى يتمكن من تثبيته هناك. وقد لقي أداؤه إشادة على دوره في سوريا خلال الانتفاضة.

وقال فورد: «ربما يكون من المهم الآن أن ننصت للسوريين وأن ننقل شكاواهم، خاصة أن وسائل الإعلام العالمية ممنوعة من دخول سوريا. لقد كنت أحاول أن أجذب انتباه النظام السوري وانتباه المجتمع الدولي إلى المظالم التي يعانيها الشعب السوري من حكومته».

وقد اقترح ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ من مختلف الطيف السياسي، الذين قدموا تشريعا يوم الثلاثاء (كريستين غيليبراند عن ولاية نيويورك ومارك كيرك من ولاية إلينوي وجوزيف ليبرمان عضو المجلس عن ولاية كونيكتيكت) سن عقوبات مشابهة لتلك التي فرضت على إيران، والتي تعاقب الشركات الدولية التي تتعامل مع قطاع الطاقة السوري. واتهم دانييل بليتكا، نائب رئيس سياسات الدفاع في معهد إنتربرايز الأميركي، الإدارة بالتباطؤ عن الأوروبيين في الجهود الدولية لعزل سوريا قائلا: «أعتقد أنهم يقودون هذه الجهود لأننا لا نفعل أي شيء».

* خدمة «نيويورك تايمز»