اختارت تركيا أربعة جنرالات جدد لقيادة قواتها المسلحة أمس في خطوة تستهدف تعزيز سيطرة المدنيين على الجيش، بعدما استقال أربعة من قادته الأسبوع الماضي احتجاجا على سجن ضباط في قضايا تآمر لقلب نظام الحكم، وعين الجنرال نجدت أوزال، الذي شغل من قبل منصب قائد قوات الدرك، شبه العسكرية، في منصب رئيس الأركان العامة في الجيش التركي، ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي.
وقدم اسيك كوسانير، الرئيس السابق لأركان القوات المسلحة التركية وقادة القوات البرية والبحرية والجوية استقالاتهم يوم الجمعة الماضي، وسلطت الأزمة الضوء على سنوات من التوتر بين الجيش العلماني ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.
وقال المتحدث الرئاسي، أحمد سيفير، للصحافيين بعد اجتماع للمجلس العسكري الأعلى، إن الرئيس التركي عبد الله غل وافق على تعيين القادة الجدد للقوات البرية والبحرية والجوية. ووقع بعد ذلك قرارا رسميا من مجلس الوزراء يقر تعيين أوزال في منصب رئيس الأركان العامة.
وزار أردوغان مقر قيادة الجيش صباح أمس للتوقيع على حركة الترقيات الجديدة، التي ينظر إليها على أنها تمكنه من تعزيز سيطرته على الجيش التركي، الذي كان يملك يوما سلطة مطلقة، لكن نفوذه تراجعت بعد تطبيق إصلاحات ديمقراطية يدعمها الاتحاد الأوروبي.
وربما يكون القادة الجدد في الجيش لا يحبون أيضا حزب العدالة والتنمية بسبب الكراهية المتأصلة للحزب داخل المؤسسة العسكرية. لكن أردوغان سيحرص على أن لا يغض الطرف عن أي ضباط يقومون بأي أعمال ضد حكومته.
وأظهرت ردود الفعل على التعيينات الجديدة في شوارع إسطنبول احتراما كبيرا للقوات المسلحة، وقلقا بشأن تعزيز سلطة الحكومة.
وقال المحاسب جانكان جولر البالغ من العمر 27 عاما، حسب «رويترز»: أعتقد أن حكومة حزب العدالة والتنمية تحاول السيطرة على الجيش. وقال: «الاستقالات أضعفت الجيش، وهي تبدو لي بمثابة خطة إنقاذ. كان يجب أن يبقوا وأن يدافعوا عن وضعهم».
وقالت موظفة في بنك عمرها 38 عاما، طلبت عدم نشر اسمها: «أعتقد أن الجيش حظي بتقدير الرأي العام بعد الاستقالات، فقد لقيت ردود فعلهم تقديرا من جانب الشعب».
ولا تمثل الاختيارات أي مفاجأة، لكنها تشير إلى قدر من الحل الوسط. وقال محللون إن أوزال حصل على تنازل مهم بتمديد خدمة 14 جنرالا لمدة عام، وهم سجناء حاليا في إطار التحقيقات في المؤامرة، وسط تكهنات بأنهم قد يجبرون على التقاعد.
وقال وولفانجو بيجولي، مدير شؤون أوروبا في مؤسسة «يورواسيا غروب» لاستشارات المخاطر السياسية: «هذا يشير إلى أنه عمل على حماية سلامة رفاقه وزملائه»، مضيفا أنه سيكون من الخطأ افتراض أن أوزال مؤيد للحكومة.
وقال ربما يكون أقل اهتماما بالسياسة. وعلى الأرجح سينتهج أسلوبا أكثر دبلوماسية، لكننا لا يمكننا أن نفترض أنه سيكون مؤيدا للحكومة.
وسيثير تعيين الجنرال خيري كيفريك أوغلو في منصب قائد القوات البرية قدرا من الدهشة، لأنه رفض تحية غل في المطار عندما عمل في شمال قبرص.
وعين الجنرال أصلان جونر، الذي كان مرشحا لقيادة القوات البرية، في منصب رئيس الأكاديميات العسكرية. ويعتقد أن رفضه مصافحة زوجة الرئيس أعاق وصوله إلى المنصب الرفيع.
وحاول الجيش قبل أربعة أعوام دون جدوى منع حزب العدالة والتنمية من تعيين غل في الرئاسة.
وعين الجنرال نصرت تاسديلير، قائد جيش بحر إيجه، مسؤولا عن قطاع التدريب.
وصدرت مذكرة اعتقال بحق تاسديلير الأسبوع الماضي مع 21 آخرين بسبب مزاعم حول تأسيس الجيش مواقع إلكترونية مناهضة للحكومة.
وأحيل إلى التقاعد الجنرال سالديراي بيرك، الذي كان مرشحا محتملا لمنصب قائد القوات البرية. ويواجه سالديراي المحاكمة فيما يتعلق بمزاعم تقويض شبكة ارجينيكون لحزب العدالة والتنمية.
وفاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 50 في المائة من الأصوات في انتخابات برلمانية أجريت في يونيو (حزيران)، وسيحاول التوصل إلى توافق مع الأحزاب العلمانية والكردية لوضع دستور جديد بدلا من الدستور الذي وضع بعد انقلاب عسكري عام 1980.
وكانت الحكومة التركية اتخذت، هذا الأسبوع خطوات في طريقها لإعادة هيكلة علاقتها بالجيش، في أعقاب استقالة رئيس الأركان العامة وقادة القوات البرية والبحرية والجوية الأسبوع الماضي. وتجسد الاستقالات، التي أتت قبل أيام من الاجتماع السنوي للمجلس العسكري الأعلى، بداية عهد جديد؛ حيث إن هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها مدنيون مسؤولية تعيين القادة العسكريين.
وقد جاءت استقالة كبار القادة العسكريين احتجاجا على إلقاء القبض على ضباط كبار بتهم التآمر ضد الحكومة.
ووفقا للتقارير، تخطط الحكومة لتبني تشريع جديد تماما يمنع القوات المسلحة التركية من إصدار بيانات سياسية. وسيتولى رئيس الأركان فقط مهمة نقل آراء المجلس العسكري إلى رئيس الوزراء، أثناء الاجتماعات الأسبوعية، عقب وضع هذا التشريع الجديد موضع التنفيذ. ولدى الحكومة أيضا خطط لتغيير نظام مراسم تغيير الحرس الجمهوري، التي اعتاد القادة فيما مضى أن يلقوا فيها بيانات سياسية. وفي تطويرات وثيقة الصلة، سوف يتغير أيضا البروتوكول الحالي المتبع في أيام الأعياد الوطنية، مثل الاحتفال بيوم النصر في 30 أغسطس (آب)، حيث كان يجب أن يقف رئيس الوزراء والمتحدث باسم البرلمان لتحية رئيس الأركان العامة.
وقد كان رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، يرأس هذا الاجتماع السنوي للمجلس العسكري الأعلى، الذي بدأ يوم الاثنين. وسيستمر الاجتماع، الذي سيتم فيه اتخاذ القرارات المتعلقة بالترقيات العسكرية، لمدة أربعة أيام. واستمر التوتر بين الجيش وحزب العدالة والتنمية (إيه كيه)، الذي كان قائما على مدار العامين الماضين منذ ظهور ادعاءات بإعداد خطة انقلاب عسكري ضد الحكومة، في اليومين الثاني والثالث من الاجتماع على الرغم من الاستقالات.
ولعب حزب العدالة والتنمية دورا مهما في المعركة الدائرة في اليوم الثاني من اجتماع المجلس العسكري الأعلى، حينما قرر الحاضرون في الاجتماع بالإجماع إقالة هؤلاء الجنرالات الذين يشتبه في تورطهم في قضية «سليدج هامر» في عام 2003، الخاصة بتدبير انقلاب للإطاحة بالحكومة المنتخبة.
ويعني ذلك أن خمسة من بين عشرة جنرالات وأميرالات رفيعي المستوى مفترض ترقيتهم ستتم إقالتهم. والجنرالات الذين ستتم إقالتهم هم نجات بيك وكوركوت أوزارسلان وكورلان بولاتسو وضياء غولر ومهمت أوتوزبيروغلو. وهناك سبعة جنرالات وعمداء آخرون سيقالون هذا العام أيضا. وفقد ثمانية وخمسون كولونيل يحاكمون في قضية «سليدج هامر» أو قضايا انقلابات عسكرية أخرى وثيقة الصلة الأمل في أن تتم ترقيتهم إلى منصب جنرال أو أميرال. وستتم إقالتهم من الخدمة العسكرية. ومن بينهم الكولونيل دورسون سيسيك، المتورط في الانقلاب المعروف باسم خطة العمل لمحاربة المذهب اليميني المتطرف، فضلا عن المشاركة في حملة على الإنترنت أطلقها الجيش للإطاحة بالحكومة. وقبلت المحكمة الأسبوع الماضي قرار الاتهام في التحقيق الخاص بحملة الإنترنت، مع مطالبة الادعاء بإصدار مذكرات اعتقال ضد سبعة جنرالات وأميرالات. ويعتبر الجنرال علي الدين سيفيم، الذي كان ينتظر ترقية هذا العام أيضا، من بين السبعة المشتبه بهم، وسيحال للتقاعد أيضا هذا العام، وفقا لتقارير إخبارية.
وقد فسر الكثير من المعلقين المستقلين والمتحدثين باسم الحكومة التطورات الأخيرة على أنها انتصار لحزب العدالة والتنمية في معركة مستمرة منذ فترة طويلة بين القوات المسلحة والحكومة.