الملك محمد السادس يعين الفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني مستشارا ملكيا

رجل «الدستور الجديد» دخل الديوان الملكي في وظيفة دائمة

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال استقباله لعبد اللطيف المنوني بمناسبة تعيينه مستشارا ملكيا (ماب)
TT

عين العاهل المغربي الملك محمد السادس، الليلة قبل الماضية، الفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني، مستشارا لديه. وكان المنوني قد ترأس اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور الذي صوت المغاربة لصالحه بأغلبية ساحقة، وهو الدستور الذي منح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة والبرلمان. وسيتولى المنوني مهمته الجديدة ابتداء من سبتمبر (أيلول) المقبل، وفقا لما ذكره بيان صادر عن الديوان الملكي الذي أشاد بكفاءة المنوني وخبرته، وقال عنه إنه «يتوفر على كفاءات علمية وخبرة واسعة في صياغة القوانين، أبان عنها في مشواره الطويل كأستاذ جامعي أهلته لترؤس اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، حيث أبان عن ثقافة عالية في الحوار والتواصل، وخصال حميدة في المعاملات، زيادة على إلمامه الكبير بالمجال السياسي والاجتماعي للمغرب».

وكان الملك محمد السادس قلد المنوني وساما ملكيا خلال الاحتفال بعيد الجلوس في 30 يوليو (تموز) الماضي، إلى جانب باقي أعضاء لجنة تعديل الدستور.

والمنوني، من مواليد مدينة مكناس عام 1944، وهو حاصل على الإجازة في القانون، شعبة القانون العام والعلوم السياسية عام 1965، وعلى دبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام 1970، وعلى دكتوراه الدولة في القانون العام بجامعة غرونوبل بفرنسا عام 1975. وهو أستاذ بكلية الحقوق بالرباط منذ عام 1969.

وتقلد المنوني عدة مناصب، من بينها أنه كان عضوا بالمجلس الدستوري خلال الفترة الممتدة من 1994 حتى 2008، وعضوا بهيئة الإنصاف والمصالحة التي عهد إليها العمل على طي ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ تأسيسها عام 2004 الى2006، وباللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة (الحكم اللامركزي).

وتولى المنوني رئاسة الجمعية المغربية للقانون الدستوري منذ تأسيسها عام 1994 حتى عام 2008، حيث أصبح ممثلا للمغرب في اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية عن طريق القانون.

وشارك المنوني، عضو اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للقانون الدستوري (2002 - 2005) والعضو المؤسس لجمعية القانونيين المغاربيين، عام 2001 في أشغال اللجنة المكلفة مراجعة الدستور بمملكة البحرين.

وبدأ المنوني مساره السياسي والنقابي، وهو طالب بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث ترأس في عام 1967 التنظيم الطلابي المعروف «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» الذي تأسس عام 1956. وكان المنوني عضوا في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ذي التوجه اليساري، (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حاليا)، وهو من بين مؤسسي الاتحاد العمالي للحزب وهو «الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل»، عام 1978 قبل أن تنتهي علاقته العضوية بحزب الاتحاد الاشتراكي في عقد الثمانينات من القرن الماضي بسبب خلافات في التوجهات والأفكار. وصدر للمنوني الكثير من المؤلفات باللغة الفرنسية من بينها «المؤسسات الدستورية والقانون الدستوري»، و«تاريخ الأفكار السياسية»، و«العمل النقابي العمالي بالمغرب» و«الاتحاد الوطني لطلبة المغرب».

وبعد تعيين المنوني مستشارا للعاهل المغربي، يصبح عدد المستشارين خمسة، تتباين مهامهم، والملفات التي يدلون فيها بآراء استشارية، وحتى درجة نفوذهم وصلاحياتهم. وعادة ما يعمل المستشارون في الظل، بعيدا عن الأضواء، وعلاقتهم مع الإعلام محدودة جدا، باستثناء عندما يكون الأمر له علاقة بمسائل عادية، أو لا علاقة لها بمهام المستشار في الديوان الملكي.

وكان النفوذ الفعلي للمستشارين في السابق يفوق بكثير نفوذ الوزراء، في التعامل مع ملفات الدولة، بيد أن الدستور الجديد لم يحدد لهم أي مهام، وهو ما يشير إلى أن صلاحياتهم ستتقلص. وليس خافيا أن المستشارين كانوا يلعبون دورا حاسما في تعيين كبار المسؤولين في الدولة، ويشمل ذلك الوزراء، وعندما تشكلت الحكومة الائتلافية الحالية بقيادة عباس الفاسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، لعب المستشار الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه دورا ملحوظا في اقتراح أسماء عدد من الوزراء، سواء من الأسماء المحسوبة عليه مباشرة أو أسماء تلقاها من شخصيات نافذة في المحيط الملكي. بيد أن الدستور الجديد الذي أصبح ملزما فعليا منذ يوم السبت الماضي، قد لا يترك مجالا لمثل هذه الأدوار، ذلك أن رئيس الحكومة هو الذي سيقترح الوزراء، حيث سيجري بنفسه مشاورات تشكيل حكومته.

ولعب المستشار بلفقيه، الذي توفي العام الماضي، دورا كبيرا ومؤثرا حول عدد من القرارات والتعيينات، بل حتى التوجهات العامة للدولة. وعمل بلفقيه في عهد الملك الحسن الثاني وزيرا للأشغال، وانتقل قبل وفاة الملك الراحل إلى الديوان الملكي، وتأثر كثيرا بتخصصه الأصلي كمهندس للطرق والجسور ونزعته الفرانكفونية، حيث عمد إلى تعيين عدد كبير من مهندسي الطرق والجسور في مناصب مؤثرة، بعضها في بعض الأحيان لا علاقة لها بتخصصاتهم مثل قطاع الإعلام. وكان بلفقيه وراء مشروع «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، وهي مبادرة تهدف إلى محاربة الفقر وتقليص حجمه، واستند بلفقيه في هذه المبادرة إلى تقرير محكم كان أعده خبراء البنك الدولي.

أما باقي المستشارين، فهم أندري أزولاي، الذي يعد الآن أقدم مستشار، حيث عين في منصبه عام 1991، ولعب دورا مؤثرا في عهد الملك الحسن الثاني، خاصة في مجال الاقتصاد والسياسة الخارجية. وتركز نشاطه في السنوات الأخيرة على مؤسسة «آنا ليندا للثقافات الأورومتوسطية»، التي يترأسها. وهو يترأس جمعية «الصويرة موكادور» التي تنظم طول السنة مهرجانات موسيقية ملفتة في مدينته الصويرة (جنوب الدار البيضاء)، التي تجتذب مئات الآلاف من الزوار، وتساعده في ذلك زوجته كاتيا وهي الأخرى من مواليد الصويرة.

وبرز في الآونة الأخيرة المستشار محمد المعتصم، حيث قاد المفاوضات مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حول الدستور الجديد، وهو يعتبر «العراب الحقيقي» للدستور. وكان المعتصم، وهو أستاذ للقانون الدستوري، تولى الوزارة في عهد الملك الحسن الثاني ثم انتقل بعد ذلك إلى الديوان الملكي، ولعب المعتصم دورا سياسيا، وهو المحاور داخل الديوان الملكي للأحزاب والنقابات، ويتولى أيضا بعض المهام الإدارية داخل الديوان الملكي، ويضطلع عادة بكتابة الرسائل المهمة والخطب الملكية. وفي الآونة الأخيرة استقطب الأضواء، وتصدرت صورته أغلفة الأسبوعيات في المغرب على اعتبار تنامي دوره في المحيط الملكي.

وهناك زليخة نصري، وهي المستشارة الوحيدة في الديوان الملكي، وأول امرأة في تاريخ المغرب تعين مستشارة ملكية. وتتولى نصري بصفة أساسية الإشراف على مؤسستي «محمد الخامس للتضامن» و«مؤسسة محمد السادس» وهما مؤسستان تشرفان على جميع الأعمال الخيرية، وتنفيذ برامج «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، وسبق لنصري أن كانت وزيرة في عهد الملك الحسن الثاني، وهي من المتخصصين في قطاع المالية والتأمين. ويوجد مستشار يعمل في الظل ويبتعد تماما عن الأضواء هو عمر القباج، المتخصص في المجالات المصرفية والمالية. والتحق القباج بالديوان الملكي في يونيو (حزيران) 2006، بعد أن تولى عدة مناصب ومهام على المستوى الدولي، حيث أمضى عشر سنوات على رأس البنك الأفريقي للتنمية.

وإلى جانب هؤلاء هناك آخرون لا يشغلون وظيفة «مستشار» بيد أن نفوذهم يفوق المستشارين، وأبرزهم فؤاد عالي الهمة، وهو لا يشغل منصبا رسميا حاليا، ومحمد رشدي الشرايبي، ومنصبه الرسمي هو «عضو الديوان الملكي»، ومحمد منير الماجيدي، رئيس السكرتارية الخاصة بالملك.