قال محفوظ ولد بتاح، رئيس حزب اللقاء الديمقراطي المعارض، والرئيس الدوري لمنسقية المعارضة الديمقراطية، إن موريتانيا عرفت خلال السنوات الثلاث الماضية مشهدا سياسيا مرتبكا جراء تأثير الانقلاب العسكري، الذي حصل سنة 2008، والذي أطاح بالمؤسسات الديمقراطية التي بنيت خلال الفترة الانتقالية الأولى، وأعاد البلاد للمربع الأول الذي تميز بقيام نظام تسلطي لم يغير من طبيعته، ما تم بعد ذلك من محاولات لتطبيع الأوضاع السياسية من خلال ما عرف لاحقا باتفاقية دكار والانتخابات الرئاسية التي تلتها.
وانتقد ولد بتاح في حوار مع «الشرق الأوسط» نظام الرئيس ولد عبد العزيز، وقال: «لدينا نظام أحادي بكل المقاييس، فهو يحتكر وسائل الإعلام العمومية، ويسخر مقدرات الدولة لأغراضه الخاصة، ويبني من خلالها منظومة زبونية تتحكم في الاقتصاد والسياسة والإدارة، وعلى الرغم من ادعائه الديمقراطية فهو لا يعترف بالمعارضة التي تمثل قطب الديمقراطية، ويقوم بتهميشها وإقصائها بكل الوسائل».
وتحدث ولد بتاح عن اللقاء الذي جمعه ومسعود ولد بلخير، رئيس البرلمان، مؤخرا مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وقال: «إننا سلمناه وثيقة تتضمن مقترح منسقية المعارضة الديمقراطية حول الحوار المرتقب»، مشيرا إلى أن هذه الوثيقة تنص على المواضيع التي سيجري الحوار بشأنها، كما تتضمن الإجراءات التي من الضروري القيام بها لتهيئة أجواء الحوار.
وزاد ولد بتاح قائلا: «يمكننا القول إنه لا يوجد خلاف عميق حول المواضيع التي يشملها الحوار، ولكن يبقى الخلاف قائما حول جملة من الإجراءات التمهيدية التي ينبغي اتخاذها من طرف السلطة للتأكد من جدية مسار الحوار، وهذه الإجراءات لا تتطلب أكثر من تطبيق قوانين الدولة السارية المفعول والمعطلة عن التنفيذ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ضمان ولوج الأحزاب السياسية إلى وسائل الإعلام العمومية التي تحتكرها السلطة حاليا، على الرغم من أن القانون المنظم للسلطة العليا والصحافة والإعلام المرئي والمسموع، وكذلك القانون المنظم للنظام الأساسي للمعارضة الديمقراطية، ينصان على ذلك. كما أننا نطالب بضمان حياد الإدارة والجيش والقضاء وهو أيضا ما تنص عليه قوانين الدولة، في وقت يقوم فيه النظام بتدجين هذه الأجهزة واستعمالها كأدوات في العمل السياسي».
وخلافا لما أوردته الصحف والمواقع الإلكترونية، قال ولد بتاح: «إن اللقاء بيننا وبين الرئيس كان وديا وصريحا، وهو لم يكن لقاء للتفاوض، بل لعرض المواقف، ونحن في انتظار ما سيقوم به النظام في المستقبل حتى نحكم على جديته في الحوار والوصول به إلى أهدافه». وفي ما يلي نص الحوار.
* كيف تقيمون المشهد السياسي في موريتانيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟
- عرفت موريتانيا خلال هذه الفترة مشهدا سياسيا مرتبكا تحت تأثير الانقلاب الذي حصل سنة 2008، والذي أطاح بالمؤسسات الديمقراطية التي بنيت خلال الفترة الانتقالية الأولى، وأعاد البلاد للمربع الأول الذي تميز بقيام نظام تسلطي لم يغير من طبيعته ما تم بعد ذلك من محاولات لتطبيع الأوضاع السياسية من خلال ما عرف لاحقا باتفاقية دكار والانتخابات الرئاسية التي تلتها. لدينا نظام أحادي بكل المقاييس، فهو يحتكر وسائل الإعلام العمومية، ويسخر مقدرات الدولة لأغراضه الخاصة، ويبني من خلالها منظومة زبونية تتحكم في الاقتصاد والسياسة والإدارة، وعلى الرغم من ادعائه الديمقراطية فهو لا يعترف بالمعارضة التي تمثل قطب الديمقراطية، ويقوم بتهميشها وإقصائها بكل الوسائل.
ونحن نعتقد أن ما ورد من تصريحات وخطابات حول الاستعداد للحوار مع المعارضة ليس إلا ذرا للرماد في العيون، فما يقوم به النظام من خطوات موازية تكذب ادعاءاته، وهذه التصريحات إنما تهدف إلى كسب الوقت وتجاوز المرحلة التي تشهد حراكا ثوريا على المستوى العربي يسعى النظام إلى الحد من تأثيره وانتشاره وطنيا، ويبقى المستقبل السياسي للبلد في ظل هذا الوضع الهش غير واضح المعالم.
* كيف ترون الفرق بين الوضع القائم والفترة الانتقالية التي قادها الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال؟
- لا وجه للمقارنة بين الفترتين وبين النظامين، إذ كان للأول الفضل في وضع أسس الديمقراطية الحقيقية، وشهد البلد ربيع الحريات، وأعاد للإنسان الموريتاني ثقته في نفسه وفي مستقبله، وهو ما شهد به القاصي والداني، والأهم من هذا كله هو أنه لم يسع إلى المشاركة في ثمرة العمل الذي قام به، أما النظام الحالي فقد استحوذ على كل شيء، وأعاد البلاد إلى الوراء، بما في ذلك من تكريس للاستبداد والاحتكار السياسي وتهميش المعارضة والمجتمع المدني.
* أنتم تتولون رئاسة حزب سياسي معارض هو «اللقاء الديمقراطي»، ما الإضافة التي طبع بها حزبكم الساحة السياسية، أم أنه مجرد رقم فقط ضمن أحزاب سياسية تجاوز عددها السبعين؟
- ليس هدفنا أن نزيد من كمّ أحزاب المعارضة، بل حرصنا على إيجاد شكل من أشكال العمل السياسي المشترك مع أحزاب سياسية قائمة قبلنا، فاستجاب بعضها لمبدأ إنشاء حزب سياسي جديد مشترك، وتم التفاوض مع «عادل» و«البديل» و«تجمع الشعب الموريتاني» ومجموعة من الكوادر تدعى «مجموعة لمرابط ولد بناهي» فلم يكتب لهذا المشروع الموحد أن يرى النور، نظرا لأسباب يطول الحديث عنها.
فنحن انضممنا لأحزاب المعارضة لأن هذا هو توجهنا، ونظرا لرسوخ وجودها في هذا الموقع فهي لا تحتاج إلى دروس من أحد، أما نحن فطموحنا هو مشاركتها في تحمل الواجب الوطني، ونرجو أن نشكل لبنة تقوي الصف الرافض للهوان والاستكانة والتسليم بالواقع المرير المريض الذي يعيشه البلد، ونحن واثقون في النهاية أن قوى الأمل ستتغلب على قوى اليأس.
* باعتباركم الرئيس الحالي لمنسقية المعارضة الديمقراطية، هل تعتبرون أن المنسقية في وضعها الحالي ستتمكن من بلوغ أهدافها المرسومة، أم أن ذلك يحتاج إلى مزيد من التطوير في العمل والأسلوب؟
- إن منسقية المعارضة الديمقراطية تضم مجموعة أحزاب وطنية لكل منها رؤيتها وأهدافها، مما يعني أن ما يجري داخلها عمل إنساني يحدث فيه الخطأ والاختلاف أحيانا. ثم إن القرارات تعتمد في المنسقية بالإجماع، وهو ما قد يؤخر أو يحول دون اتخاذها في الوقت المناسب، ومع ذلك تبقى المنسقية الإطار الوحيد الذي تنسجم فيه المعارضة وتحقق أهدافها، وتقوي وحدتها، وتستنير بتعدد آرائها في مواجهة الاستحقاقات السياسية التي يشهدها البلد.
* ماذا عن العوائق التي تقف في طريق عمل المنسقية، والتي من أبرزها عدم انسجام بعض قادة المعارضة المنضوين تحت لوائها، حسبما يحكي البعض؟
- إن الإجابة عن السؤال السابق تكفي للإجابة على هذا السؤال، فالمعارضة ليست ثكنة عسكرية يتم فيها اتخاذ القرارات حسب الرتبة، ونحن حريصون على أن يشعر كل حزب أن وجهة نظره تنال حظها من الاحترام داخل المنسقية، حتى يقتنع الجميع بالقرارات المتخذة، ويكونوا أكثر استعدادا للدفاع عنها.
* ما هي وجهة نظركم حول إمكانية «الحوار» المرتقب بين المعارضة والغالبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وما هي أهم ملامحه؟
- لقد عبرت كل الأطراف عن استعدادها للحوار، ونحن في المعارضة نشترط الحوار مع الرئيس وليس مع الأغلبية الداعمة له، ونعتقد حسب المعطيات الحالية أن النظام ما زال يتلكأ وغير مستعد للقيام بالخطوات المطلوبة للحوار، الذي يسعى إليه فقط حسب شروطه، ووفق المخطط الذي يحلو له.
ومن المهم هنا التأكيد على أن الدخول في الحوار يتطلب القيام بخطوات تمهيدية تؤكد جدية الموضوع الذي تسعى المعارضة من خلاله للوصول إلى دولة الديمقراطية الحقيقية، بما تعنيه من برلمان يشرع ويراقب بحرية ودون ضغط، وتضمن الحريات، كحرية التعبير والتظاهر والتجمع، وغيرها من الحريات التي ينص عليها القانون الوطني والدولي، وتضمن استقلالية القضاء والإدارة، وتسمح بالتناوب السلمي على السلطة، وإقامة جيش جمهوري بعيد عن التدخل في السياسة، وسد الباب أمام الانقلابات العسكرية، في حين يركز النظام على الجزئيات التي لا تقدم، بل تؤخر الوصول إلى هدف الديمقراطية ودولة المؤسسات التي ينشدها الشعب الموريتاني.
* التقيتم مؤخرا بالرئيس ولد عبد العزيز برفقة رئيس البرلمان، مسعود ولد بلخير، وسلمتم له وثيقة بشأن الحوار؛ هل لكم أن تحدثونا عما دار في هذا اللقاء وهل أنتم متفائلون بالمستقبل السياسي للبلاد عقب لقاء الرئيس؟
- لقد التقيت مؤخرا أنا ورئيس الجمعية الوطنية، مسعود ولد بلخير، برئيس الجمهورية، وسلمناه وثيقة تتضمن مقترح منسقية المعارضة الديمقراطية حول الحوار المرتقب، وتنص هذه الوثيقة على المواضيع التي سيجري الحوار حولها، كما تتضمن الإجراءات التي من الضروري القيام بها لتهيئة أجواء الحوار.
ويمكننا القول إنه لا يوجد خلاف عميق حول المواضيع التي يشملها الحوار، ولكن يبقى الخلاف قائما حول جملة من الإجراءات التمهيدية التي ينبغي اتخاذها من طرف السلطة للتأكد من جدية مسار الحوار، وهذه الإجراءات لا تتطلب أكثر من تطبيق قوانين الدولة السارية المفعول والمعطلة عن التنفيذ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ضمان ولوج الأحزاب السياسية إلى وسائل الإعلام العمومية التي تحتكرها السلطة حاليا على الرغم من أن القانون المنظم للسلطة العليا والصحافة والإعلام المرئي والمسموع، وكذلك القانون المنظم للنظام الأساسي للمعارضة الديمقراطية ينصان على ذلك. كما أننا نطالب بضمان حياد الإدارة والجيش والقضاء، وهو أيضا ما تنص عليه قوانين الدولة، في وقت يقوم فيه النظام بتدجين هذه الأجهزة واستعمالها كأدوات في العمل السياسي.
وخلافا لما أوردته الصحف والمواقع الإلكترونية فإن اللقاء مع الرئيس كان وديا وصريحا، وهو لم يكن لقاء للتفاوض بل لعرض المواقف، ونحن في انتظار ما سيقوم به النظام في المستقبل حتى نحكم على جديته في الحوار، والوصول به إلى أهدافه بعد ذلك اللقاء.