طوابير الناس والسيارات تتزاحم على محطات الوقود في ظل غياب الكهرباء وشاعر عراقي يعلن احتجاجا مفتوحا حتى الموت

شاعر محتج لـ «الشرق الأوسط»: كل شيء أهون من الصمت

خباز عراقي يهيئ الخبز وسط بغداد في ظل ظروف جوية صعبة وغياب الوقود والكهرباء (إ.ب.أ)
TT

لم يعد الصمت ممكنا.. هذه العبارة التي نطق بها ذات يوم المفكر الفرنسي، روجيه غارودي، احتجاجا على ممارسات سياسية وآيديولوجية في فرنسا، ربما تتحول إلى حالة جديدة من الاحتجاج غير المسبوق على نمط الأزمات الحياتية والمعيشية في العراق، مثل الكهرباء والنفط والخدمات الأساسية. فعلى الرغم من استمرار حركات الاحتجاج عبر المظاهرات التي دأبت على تنظيمها منظمات المجتمع المدني في ساحتي التحرير والفردوس في بغداد، منذ شهر فبراير (شباط) الماضي وحتى اليوم، فقد دخل عامل جديد على حركة الاحتجاجات، وهو الاحتجاج الشعري، إن صحت التسمية، عبر ما قام به الشاعر العراقي، كاظم الحجاج (شاعر من البصرة جنوب العراق)، وذلك بإعلانه الاعتكاف في بيته حتى الموت احتجاجا على الانقطاع المتواصل للكهرباء في مدينته الجنوبية التي تطفو على بحيرة من نفط.

وفي حين أخذت الأزمة في البصرة بعدا شعريا احتجاجيا بالتزامن مع الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، فإنها لا تكاد تختلف عنها في العاصمة العراقية بغداد التي يقطنها نحو 6 ملايين نسمة، حيث تمتد طوابير الناس والسيارات أمام محطات تعبئة الوقود عدة كيلومترات منذ عدة أيام، ومع بدء شهر رمضان المبارك، للحصول على كمية إضافية من البنزين أو الكاز لتشغيل المولدات المنزلية الصغيرة، بعد أن تراجع معدل تجهيز الطاقة الكهربائية إلى أدنى مستوى له، بالإضافة إلى عدم قدرة أصحاب المولدات الأهلية على الالتزام بتجهيز المواطنين 12 ساعة، مثلما هو متفق، شريطة تسليمهم مادة الكاز مجانا من قبل الدولة.

وزارة الكهرباء لا تملك أي شيء جديد يمكن أن تقدمه للمواطن. الناطق الرسمي باسمها مصعب المدرس قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزارة ليس لديها حلول آنية لقضية الكهرباء، وهو أمر معروف، سوى أنها ملتزمة بما أعلنته، وذلك بتجهيز المواطن 8 ساعات من المنظومة الوطنية مقابل 12 ساعة لأصحاب المولدات الذين يتسلمون الوقود مجانا»، مشيرا إلى أنه «تم افتتاح محطة الصدر في الغالبية التي تبلغ طاقتها 200 ميغاواط، ولكن الارتفاع الهائل في الحرارة يجعل من هذه الحلول غير كافية لأزمة بدأت الحلول لها من قبل الدولة عبر بناء محطات ضخمة من قبل كوريا الجنوبية والصين، وهو أمر يأخذ وقتا غير قصير».

من جانبها، أكدت وزارة النفط من خلال وكيلها، الدكتور أحمد الشماع، الذي أبلغ «الشرق الأوسط» أن «من جهة النفط لا توجد أزمة في الإنتاج أو التجهيز على صعيد مادتي البنزين والكاز؛ إذ لا توجد لدينا شحة في هاتين المادتين، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود كهرباء، الذي تزامن مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وبدء شهر رمضان وحاجة المواطن إلى كهرباء بشكل دائم، خلق هذه الأزمة التي نتوقع أن تنتهي في غضون اليومين المقبلين»، موضحا أن «منافذ التوزيع تعمل بشكل طبيعي، والمخزون يكفي، ولا توجد لدينا مشكلة من هذه الناحية، ولكن الطلب المتزايد للناس فاق التوقعات، وقدرة منافذ التوزيع على تغطية مثل هذه الطلبات».

في غضون ذلك، فاجأ الشاعر العراقي المعروف، كاظم الحجاج، الأوساط الثقافية والسياسية بإعلانه الاعتكاف في منزله حتى الموت، احتجاجا على تردي الكهرباء والخدمات. وبينما لم تتمكن «الشرق الأوسط» من الحديث معه بسبب إغلاق هاتفه النقال، فإن صديقه المقرب الشاعر طالب عبد العزيز أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «حتى الاحتجاج لم يعد يكفي، فالحكومة المحلية في البصرة أو الحكومة المركزية في بغداد أدمنتا الأساليب التقليدية من الاحتجاجات، مثل المظاهرات وغيرها، بل وربما باتتا تضحكان عليها وعلينا، حيث بإمكاننا أن نذهب إلى ساحة التحرير ونصاب بضربة شمس ونعود وسط سخرية المسؤولين بنا»، مشيرا إلى أن ما «مارسه الشاعر كاظم الحجاج من احتجاج بالصمت قد يكون نوعا من التحدي الجديد للنفس قبل الحكومة؛ حيث بإمكانك أن تجلس في بيتك وتحتج على ما يجري طالما أن السلطة لا تملك ما تقدمه لك سوى القمع من خلال ما نشاهده في المظاهرات وفي الأساليب الأخرى؛ حيث إن القمع متعدد الأشكال؛ إذ قد يكون قمعا باسم الحرية».

أما الشاعر والناشط في مجال حقوق الإنسان، أحمد عبد الحسين، فقد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما قام به كاظم الحجاج لا يليق إلا بكاظم الحجاج شاعرا وإنسانا، حيث إن هناك تطابقا هائلا بين نصوص الحجاج الشعرية وما يعمله في الحياة؛ فهو الشاعر الوحيد الذي تتطابق حياته مع نصوصه»، مشيرا إلى أن «كاظم الحجاج أضاف في هذا الاحتجاج الجميل أجمل قصائده، بل يمكن القول إن الحجاج تأخر في مثل هذا الاحتجاج الذي يتطابق فيه النص مع الواقع».

وردا على سؤال حول ما إذا كان الاحتجاج بالشعر يمكن أن يكون وسيلة للتغيير، قال: «كل شيء أهون من الصمت، وأنا أضيف إلى ما قام به الحجاج أنه على المثقفين والكتاب والشعراء أن يتوقفوا يوما واحدا عن الكتابة، مع معرفتنا أنه لا شيء يمكن أن يحدث»، داعيا الذين يقولون إن الأوضاع جيدة إلى «مراجعة أنفسهم، لأنهم يريدون أن يجعلونا نشكك حتى في أنفسنا حيال ما يجري من خلال الصمت، وكأننا راضون عما يحصل، وهو انطباع خاطئ على أي حال».

واعتبر عبد الحسين أن «كاظم الحجاج سوف يحفزنا على عمل شيء، مع أن ما عمله أشبه بامتياز خاص لا يقوم به إلا الشعراء الحقيقيون ومن هم بمنزلتهم من المجانين الكبار، والحجاج حائز على الاثنين».