طالبان تبدي اهتماما بالتوصل إلى تسوية.. رغم التصعيد في الميدان

ممثل الأمم المتحدة يتحدث عن «تطور».. ووزير طالباني سابق: هناك حرص على السلام وعلينا تجهيز التربة أولا

صحافيون أفغان يسجلون تعازيهم أمام صورة لزميلهم أوميد خبالواك، وهو مراسل لهيئة «بي بي سي» كان ضمن 19 قتلوا في هجمات انتحارية في 29 من الشهر الماضي، في العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)
TT

بدأت حركة طالبان تبعث بإشارات مفادها أن لديها اهتماما بالوصول إلى تسوية من خلال التفاوض، ويحتمل أنها تعرض انفتاحا على الغرب والحكومة الأفغانية، حسبما ذكره مسؤولون غربيون عدة.

وعلى الرغم من أنه كانت هناك بعض الاجتماعات بين الحكومة الأفغانية ومسؤولين بحلف شمال الأطلسي (ناتو) وبعض أفراد طالبان، فإن هذه الأخيرة أصرت دوما على أنه سيتعين رحيل قوات الناتو عن أفغانستان قبل أي مفاوضات مجدية.

والآن تشير تصريحات حديثة إلى أنهم قد يكونون مستعدين للدخول في محادثات مع أجانب داخل البلاد. وقد شهد خطاب حركة طالبان تحولا نوعا ما. ويأتي التحول في حركة طالبان فيما تتزايد شكوك الرأي العام الأفغاني بشأن جدوى محادثات السلام خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب ما ذكره مسؤولون غربيون. ووفقا لأفضل الظروف، ستمضي أعوام قبل التوصل إلى اتفاق، ولكن يعتقد الكثير من الأفغان والغربيين أن الأطراف في حاجة إلى بدء المحادثات قبل بدء الولايات المتحدة خفض الجنود بأعداد كبيرة. ويقول ستافان دي ميستورا، الممثل الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان: «شهد الوضع العام لحركة طالبان تطورا»، مستشهدا بتحليل أممي لبيانات حركة طالبان منذ يناير (كانون الثاني)، بما في ذلك تصريح نُشر في 28 يوليو (تموز) على موقع «الإمارة» التابع لحركة طالبان. وأضاف: «أصبحوا يتجهون إلى لعب دور سياسي». واطلع دبلوماسيون بارزون في كابل على التحليل أول من أمس.

وأكد المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد أن المقال نشر. وعلى الرغم من أنه قال إنه لا يمثل الموقف الرسمي، فإنه كرر الكثير من النقاط التي تضمنها المقال. وقال وزير التعليم العالي السابق بحكومة طالبان والعضو الحالي بالمجلس الأفغاني الأعلى للسلام أرسالا رحماني إنه يعتقد أن نشر ذلك من جانب حركة طالبان يأتي في إطار محاولة لإظهار اهتمام بالمحادثات. وقال: «أنا متأكد نوعا ما من أن حركة طالبان تظهر قدرا من المرونة أخيرا. وعلى حدود معلوماتي، يوجد حرص واستعداد لدى حركة طالبان للسلام. ولكن علينا تجهيز التربة أولا».

وجاء في بيان حركة طالبان، الذي يصف كيفية وضع النهاية للحرب وكيف ستتصرف طالبان: «يجب أن يسعى الأميركيون وجميع القوى الأجنبية الغازية من أجل خروج يحفظ ماء الوجه بالتفاهم مع الإمارة الإسلامية الأفغانية». ويشير تحليل الأمم المتحدة إلى أن «هذا يطرح تصورا عن محادثات، وتحديدا حول انسحاب القوات الأجنبية». ويعد بيان آخر بأن حركة طالبان «سوف توفي بالتزاماتها المتعلقة باستقرار المنطقة عقب انسحاب القوات الأجنبية». ولم يشر أي من هذه البيانات إلى قرب بدء مفاوضات سلام. ولكن يبدو أن بيانات حركة طلبان محاولات لرسم خطوط، وما سيأتي منهم سيعتمد على كيفية استقبالهم.

وفي الوقت الحالي، يشعر الأفغان بالقلق، إذ تستمر حركة طالبان في شن حرب كانت لها حصيلة أكبر بين المدنيين، إذ قُتل 360 في يونيو، وفقا لما أفادت به الأمم المتحدة. ولم يتغير موقف باكستان، التي لديها على الأقل نفوذ كبير، وربما سيطرة كاملة على بعض فصائل حركة طالبان. وترغب باكستان في المحافظة على دورها في تشكيل أفغانستان ما بعد مرحلة الحرب، وتخشى أن المحادثات مع حركة طالبان قد تقوض من نفوذها.

وقد قدم مسؤولون باكستانيون الكثير من البيانات التصالحية، ولكنها لم تعرض، على سبيل المثال، السماح لحركة طالبان بمغادرة البلاد للاجتماع على أرض محايدة مع مسؤولين أفغان ومحاورين غربيين، حسبما ذكره مسؤولون أفغان وغربيون. وقد كانت هناك محادثات مبدئية بين طيب أغا، المساعد السابق لزعيم حركة طالبان الملا عمر، والأميركيين والألمان والأفغان. وتسربت معلومات عن المحادثات في مايو الماضي، ويعتقد أن الإعلان عن ذلك أرجأ النقاشات، بحسب ما ذكره الكثير من الدبلوماسيين.

وينظر بعض المسؤولين الحكوميين الأفغان إلى بيانات حركة طالبان بعين الريبة، ويرون أنه إذا كانت الحركة مهتمة بالمحادثات فإنه يجب أن تسمح لهم باكستان بالتواصل. وقد قامت باكستان بإلقاء القبض على أفراد حركة طالبان، مثل الملا باردار وآخرين، ممن حاولوا بدء مفاوضات سلام.

وعلى الرغم من الكثير من الاجتماعات بين مسؤولين باكستانيين وأفغان، وفي بعض الأحيان بحضور أميركيين، لم تكن هناك عروض ملموسة، بحسب ما قاله مسؤول أفغاني بارز. ويضيف المسؤول: «المشكلة أنه حتى اليوم، العروض والمحاولات من جانبنا. ومن الخطأ أن نضع توقعاتنا ورغباتنا محل السياسة الواقعية. وفي الوقت الحالي لا يوجد شيء».

ويشمل تحليل الأمم المتحدة الكثير من التحذيرات. فعلى سبيل المثال لم تتضمن بيانات حركة طالبان أي ذكر لمفاوضات مع الحكومة الأفغانية، وبدلا من ذلك تطلب محادثات مع الولايات المتحدة ودول إقليمية. ويشير ذلك إلى أن حركة طالبان لا تزال ترى نفسها الحكومة الشرعية وليس الحكومة الأفغانية الحالية. ويوجد مبعث خوف آخر يتمثل في أن حركة طالبان تستمر في ترويع المدنيين وتهاجمهم وتقتلهم من أجل الإجبار على الالتزام. ولا يوجد ضمان بأن هذه الأمور الموجودة على الإنترنت تمثل الرؤية الإجمالية لحركة طالبان.

ويقول نعيم لالاي حميدزاي، عضو البرلمان من قندهار: «لدى حركة طالبان أسلحة، وهم يقاتلون ويقتلون في كل يوم». وأضاف حميدزاي، وهو من البشتون الذين يمثلون غالبية حركة طالبان: «لا يمكن أن تصنع السلام مع عدو السلام».

ويصف وزير التعليم فاروق وارداك، القريب من المفاوضات، التعامل مع حركة طالبان برسم مخطط من 10 خطوط رأسية كل منها يمثل فصيلا. ويقول: «لا توجد هيكلية هرمية، بل جميعهم مجموعات متوازية مدعومة من مصادر مختلفة وتتبع مرشدين مختلفين».

ويخشى كثيرون في جنوب أفغانستان، الذي كانوا مضطرين للعيش في الأغلب بالقرب من حركة طالبان، من اعتداءات محتملة ويشعرون بالقلق بخصوص تقاسم السلطة والغنائم. وسيتعين تقسيم النفوذ على قبائل محلية بينهم وبين المنتجين المحليين للدخل، محصول الخشخاش ورسوم الجمارك والأراضي الزراعية الغنية. وقال محمد عمر ستاي، 62 عاما، وهو رجل من قندهار يعمل من أجل تشكيل لجنة سلام محلية: «تتكون الحكومة من أمراء حرب ولذا نجد لديهم عطشا في السلطة. ويخشون من أنه إذا جاءت حركة طالبان، فإنهم سيرغبون في تقاسم السلطة».

ولكن فيما يبحث الدبلوماسيون عن طريق للمضي قدما، يرون تحولا يجب وضعه في الاعتبار. ويقول دي ميستورا، الذي كان لمكتبه دور في تسهيل الاتصال بحركة طالبان: «تختلف نبرة هذا البيان عن بيانات سابقة. هذا ردهم على هيلاري»، في إشارة إلى خطاب لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في فبراير (شباط) في الجمعية الآسيوية أوضحت فيه أن ترك السلاح من جانب حركة طالبان لم يعد شرطا مسبقا لبدء المحادثات، ولكنه «نتيجة لأزمة».

ساهم في التقرير سانغار رحيمي.

* خدمة «نيويورك تايمز»