مشهد «مبارك في قفص الاتهام».. يقرب مجددا بين شباب الثورة والمجلس العسكري

بعد أن تضررت علاقتهما على خلفية اتهامات لنشطاء «6 أبريل» بتلقي تمويل خارجي

صورة مأخوذة من التلفزيون المصري للرئيس السابق حسني مبارك على سرير المستشفى داخل قفص الاتهام في قاعة محكمة القاهرة أول من أمس (ا.ف.ب)
TT

أعاد مشهد مثول الرئيس المصري السابق حسني مبارك داخل قفص الاتهام، في محاكمته بتهم من بينها قتل ثوار «25 يناير»، ترميم العلاقة بين شباب الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة (المجلس العسكري) الحاكم في مصر، بعد أن تضررت هذه العلاقة بشدة خلال الفترة الماضية، بعد تراشق للاتهامات بين قيادات بالمجلس وحركة شباب 6 أبريل، على خلفية تنظيم الحركة لمسيرة من ميدان التحرير إلى مقر وزارة الدفاع لعرض مطالب المعتصمين في الميدان قبل نحو أسبوعين، وتم توقيفها بحواجز أمنية بحي العباسية، والاعتداء عليها من قبل مجهولين.

وكانت شكوك قد ساورت المصريين بشأن إمكانية أن يسمح المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد منذ 11 فبراير (شباط) الماضي، بوضع رئيسه السابق (مبارك) أحد رموز القوات المسلحة داخل قفص الاتهام.. ورغم الإعلان المسبق عن حضور مبارك إلى جلسة المحاكمة، لم تتبدد شكوك المصريين تماما، إلا بمشاهدة مبارك على شاشات التلفزيون يدخل القفص على سرير متحرك، بصحبة نجليه علاء وجمال.

لكن بعض شباب الثورة المصرية لا يزال يبدي ريبته، وقالت الناشطة السياسية الشابة أسماء محفوظ لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من النشوة العميقة التي شعرنا بها لحظة ظهوره (مبارك) داخل القفص، هناك شيء لا يزال يؤرقنا.. نشعر أن هناك ملفات فساد قد لا ترحب السلطات الحالية كثيرا بالكشف عنها».

تابعت محفوظ: «ربما لن تعيد محاكمة مبارك ثقتنا في المجلس مرة أخرى، لأننا نرى ببساطة أنه لو كان حسن النية منذ اللحظة الأولى لكان قد وضع مبارك في القفص قبل شهور.. لكن بالتأكيد سنحترم مشاعر المصريين الذين يحلمون بأن تكون ثقتهم في المجلس مبنية على أرض صلبة، وقد زادهم مشهد مبارك في القفص أملا.. من أجل هذه المشاعر سنعقد هدنة وننتظر».

وكانت قيادات بالمجلس العسكري قد اتهمت حركة شباب 6 أبريل بتلقي تمويل من الخارج، وحصول أعضائها على تدريبات بصربيا، وهو ما أثار استياء قيادات الحركة الذين تقدموا ببلاغ للنائب العام المصري ضد أنفسهم لتحقيق معهم بشأن هذه الاتهامات.

من جانبه أبدى شادي الغزالي حرب، القيادي بائتلاف شباب الثورة، درجة أكبر من الثقة بالمجلس العسكري، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «محاكمة مبارك خطوة مهمة على طريق تحقيق مطالب الثورة المصرية، قد تعيد ترميم العلاقة بين شباب الثورة والمجلس العسكري شريطة أن يستكمل المجلس في أسرع وقت ممكن مطالب الثوار».

وأكد شادي حرب أن أصحاب الفضل في مشهد محاكمة مبارك هم شباب الثورة الذين اعتصموا بالميدان منذ 8 يوليو (تموز) الماضي، وتابع: «نشكر المجلس العسكري بطبيعة الحال، لكن علينا أن نتذكر أنه ما كان لهذا المشهد أن يحدث وأن يبث على الهواء من دون ضغط الشارع وثوار التحرير.. هذه هي الطريقة التي حققت كل الإنجازات التي نعيشها اليوم».

وكان المجلس العسكري قد أدخل تعديلات واسعة على حكومة الدكتور عصام شرف الشهر الماضي، وشملت نصف وزراء حكومته، في استجابة لضغوط شباب الثورة والقوى السياسية التي شاركت في الاعتصام بميدان التحرير، كما سمح بعلانية المحاكمات، ووعد بعدم محاكمة الثوار أمام محاكم عسكرية، وأعلنت حركة تنقلات الشرطة التي شهدت إقصاء عدد من قيادات وزارة الداخلية.

وبادر المجلس العسكري بإطلاق سراح المعتقلين الذين تم القبض عليهم مطلع الشهر الحالي حين فضت عناصر الشرطة العسكرية بالقوة اعتصام أهالي شهداء ثورة 25 يناير، في خطوة تزامنت مع محاكمة مبارك واعتبرها مراقبون محاولة لتهدئه مخاوف شباب الثورة وإغلاق ملف المطالب المتعلقة بمحاكمة الثوار أمام القضاء العسكري.

لكن مراقبين قالوا إن وفاة محمد محسن أحد المشاركين في مسيرة العباسية متأثرا بجراحه أمس، قد تعيد أجواء التوتر بين شباب الثورة والمجلس العسكري خاصة إذا ما حاول الناشطون السياسيون اعتباره شهيدا، وهو ما يترتب عليه التزامات مادية من الدولة، وهو ما سيرفضه المجلس الذي لم يرض عن هذه المسيرة.

ووصف القيادي اليساري القريب من شباب الثورة أحمد بهاء شعبان وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري الحالة المصرية بـ«البندول»، قائلا «تساهم محاكمة مبارك في تهدئة الخواطر وتخفيف حدة الاحتقان الذي هيمن على الواقع المصري خلال الأسابيع الماضية، لكن وفاة محمد محسن قد تعيد أجواء التوتر مرة أخرى».

تابع شعبان بقوله إن «جذور التباعد بين المجلس العسكري وشباب الثورة والقوى السياسية عموما جاءت عقب الاستفتاء الذي جرى في 19 مارس (آذار) الماضي واعتبره المجلس استفتاء على شرعيته هو، كما لاحظنا تقاربا بين المجلس والقوى الإسلامية وانحيازا واضحا في لجنة صياغة الدستور، هذه الأسباب قد تجعل من الصعوبة بمكان أن يتم ترميم الشرخ في علاقة المجلس بشباب الثورة».

وحذر شعبان من أن المجلس العسكري لم يول قضية العدالة الاجتماعية الاهتمام المطلوب، قائلا «حتى الآن المجلس يواجه شبابا سذجا قليلي الخبرة يستطيع أن يزيحهم بسهولة من ميدان التحرير إذا أراد.. لكن الانفجار القادم قد يضعه في مواجهة مع عشرات المصريين الذين لم يستشعروا بعد نتائج الثورة.. وهؤلاء لن يعنيهم كثيرا ما إذا كان مبارك في قفص الاتهام أم لا».