محاكمة مبارك عربيا: أم عماد السورية اعتبرته ديمقراطيا مقارنة بالأسد .. والتونسيون انقسموا.. واليمنيون تحدوا انقطاع الكهرباء ليشاهدوها

النشطاء السوريون أبدوا خشيتهم من استخدام النظام الانشغال بالمحاكمة للتغطية على مزيد من البطش .. وفي ليبيا خرجوا بمظاهرات

مصري يطالع أخبار محاكمة مبارك في صحيفة محلية (أ.ب)
TT

حظت جلسة المحكمة التي حضرها الرئيس المصري السابق حسني مبارك باهتمام ومشاهدة كثيفة في البلدان العربية خاصة التي تشهد « ثورات وانتفاضات حاليا:

سوريا

* مع أن الأحداث الدموية في سوريا لم تشغل السوريين عن متابعة وقائع محاكمة الرئيس المصري إلا أن وسائل الإعلام السورية الرسمية لم تأت على ذكر الحدث. وفيما خلت صحف «الثورة» و«البعث» و«تشرين» ووكالة الأنباء السورية من أي ذكر للحدث، اكتفت وسائل الإعلام «الخاصة» شبه الرسمية بنقل ما جاء في بعض تقارير وكالات الأعلام الأجنبية، حيث ركز تلفزيون «الإخبارية السورية» على أن المحاكمة تناولت اتهام قمع المتظاهرين ولم تأت على تناول ما قام به الرئيس مبارك في تهميش دور مصر الإقليمي، في حين أوردت صحيفة «الوطن» الخبر في أسفل الصفحة الأولى كخبر هامشي تحت عنوان «في الجلسة الأولى من محاكمته: مبارك على سرير نقال في قفص الاتهام» وركز الخبر على مشهد الرئيس في قفص الاتهام وكيف كان نجلاه يحاولان حجبه عن أعين الكاميرات. كما أفردت حيزا كبيرا لتقرير إخبا من جانبهم الناشطون السوريون على موقع «فيس بوك» أعربوا عن مخاوفهم من أن يستغل النظام السوري انشغال العالم بمتابعة محاكمة الرئيس حسني مبارك ليقوم بمزيد من البطش في مدينة حماه، وإحدى الناشطات السوريات دعت إلى «الالتفاف حول حماه الجريحة وعدم ترك محاكمة الرئيس المصري تشغلهم عن المذابح الجارية في حماه» في حين بشر آخرون النظام السوري بمصير مماثل، آملا أن يكون قريبا، إلا أن آخرين ردوا على ذلك بالكتابة «لا تكثروا من هذه التمنيات الآن لأن ذلك سيجعل النظام يفقد صوابه لا تنسوا أن حماه ودير الزور وحمص تحت قصف مجنون».

واستبشر ناشطون سوريون بنهاية مشابهة لسياق انتفاضتهم الشعبية التي تطالب بإسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، فينال كل المرتكبين من أركان النظام جزاء عادلا على جرائمهم وانتهاكاتهم الوحشية ضد المدنيين السوريين.

«سقوط النظام بالنسبة لأهالي درعا يوازي محاكمة رموزه وإخضاعهم للعدالة»، يقول أحد الناشطين في مدينة درعا لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا عن «انتهاكات مرعبة شهدتها المدينة من اقتحام للمنازل وشتم النساء وتعذيب أطفال وإهانة كبار السن وتدنيس الأماكن المقدسة، فضلا عن الأضرار المادية التي منيت بها المحافظة من منازل مهدمة وسيارات محطمة وحقول زراعية محترقة».

ويقول هذا الناشط، الذي يعرف عن نفسه باسم زهير: «اعتادت درعا على أن تطعم سوريا بالمحاصيل الزراعية، أما اليوم فتجد الدرعاوي يشتري مستلزماته من خارج المدينة». ولا يتردد في الإشارة إلى أن «سكان درعا شاهدوا محاكمة مبارك وهم يتخيلون في القفص بشار الأسد وبجانبه عاطف وماهر الأسد»، مشددا على أنه «لا يمكن لسكان مدينة درعا أن يغفروا ممارسات هؤلاء الأشخاص في حق أبنائهم». وأضاف: «كيف يمكن أن نطلب من أم حمزة الخطيب، الذي اقتلع عناصر الأمن عضوه الذكري، أو من والد إبراهيم قاشوش، الذي ذبحوا حنجرته، أن يغفروا؟»، معتبرا أن «من حق هؤلاء أن يروا قتلة أبنائهم ينالون عقابهم في السجون والمعتقلات».

يؤكد زهير أن «ثمة قناعة عند الناس بأن محاكمة هؤلاء لا بد من أن تحدث في سوريا الجديدة، سوريا الديمقراطية والعدالة، حيث لا أحد فوق القانون مهما ارتفع شأنه وتجبر». ويعرب عن اعتقاده بأن «هذه المحاكمة ستشكل اندفاعة معنوية للانتفاضة السورية، حيث سينضم إلى المظاهرات الشعبية المطالبة بالحرية وإسقاط النظام كل الذين يخشون التغيير وينظرون إلى مصر كنموذج يعتقدون أنه سيؤول إلى الفوضى». وتابع: «لكن مصر، كما نشاهد في الإعلام، ذاهبة إلى تحول ديمقراطي أول بوادره محاكمة مبارك، وهذا ما سيطمئن من لم يشارك بعد في الثورة السورية ويدفعه إلى المشاركة لبناء سوريا حرة». وبصعوبة بالغة تحدثت أم عماد، التي فقدت ابنها البكر عند اقتحام الجيش والأمن السوري حي الخالدية في مدينة حمص الشهر الماضي. لا تكف السيدة الخمسينية عن إرسال الدعوات إلى ربها «كي تنتفي عائلة الأسد عن الوجود». وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هم من قتلوا ابني ولا يمكن أن أغفر لهم لأن القاتل الحقيقي ليس من ينفذ الجريمة بل من يصدر الأوامر بارتكابها». وتضيف بنبرات متقطعة: «ابني كان طالب هندسة سيتخرج هذا العام من الجامعة ليبدأ العمل مع والده، لكنهم قتلوه فقط لأنه حاول إسعاف أحد أبناء الحي بعد إصابته برصاصاتهم الغادرة ومات لاحقا».

لا تعني محاكمة مبارك كثيرا لأم عماد، لأنها تريد أن «يحاكم من قتل ابني ورفاقه، وأقصد بشار وزبانيته، فمبارك لم يرتكب إلا جزءا بسيطا مما ارتكبه بشار، وبتنا نتندر نحن السوريين ونقول إن مبارك ديمقراطي وحضاري حين نقارنه برئيسنا». من جهة أخرى، يذكر أحد منسقي احتجاجات مدينة حماه المحاصرة بالنار والرصاص، الذي يخشى اعتقاله في أي لحظة من قبل عناصر الأمن و«الشبيحة» الذين يصولون ويجولون في المدينة بحرية، أن حماة «شهدت على مجزرة مروعة في الثمانينات، ولم ينل مرتكبوها جزاءهم بل استمروا في السلطة ونصبوا أنفسهم أسيادا على البشر». ويذكر لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم تتكرر المأساة ويذبح أهل حماه في حوادث مشابهة للتي حدثت سابقا ونحن لن نسمح بمرور هذه المجزرة كسابقتها من دون أن ينال المجرمون العقاب الذي يستحقونه».

ويضيف الناشط: «حين رأيت حسني مبارك، صباح أمس (أول من أمس)، على شاشة التلفزيون، وهو ممدد على السرير مع ابنيه ووزير داخليته في القفص، يعاقبون بسبب قتل المتظاهرين المصريين وتعذيبهم، تذكرت جميع أصدقائي الذين ماتوا والذين اعتقلوا وبعضهم تم تعذيبه بطريقة مرعبة، فهم كتبوا على ظهر أحدهم بسيخ حديدي مجمر (بشار وبس)». وسأل: «كيف يقبل رئيس أن يكتب اسمه على أجساد شعبه بالحديد والنار؟»، معتبرا أنه «من أجل أرواح من استشهد وآلام من عُذب، لا بد أن تنجح الثورة ويحاكم القتلة والسفاحون».

تجدر الإشارة إلى أن سوريا لم تشهد منذ أربعين عاما، خلال عهدي الرئيس حافظ الأسد وولده بشار، محاكمة حقيقية لأي مسؤول أمني أو مدني، على الرغم من كثرة المجازر الوحشية وممارسات القمع القاسية التي شهدتها هذه الحقبة وعادت فتجددت في الأحداث الأخيرة. وكان الأسد الابن أطلق منذ خمس سنوات يد الأجهزة الأمنية بإصدار مرسوم رئاسي يجيز لأجهزة المخابرات والأشخاص التابعة لها حرية التعامل مع المعتقلين بأساليب وحشية مختلفة من دون الخوف من أي مساءلة أمنية. ووصفت المؤسسات الحقوقية المرسوم حين صدوره بأنه نكسة لحقوق الإنسان في سوريا.

تونس

* خلفت صور محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك انقساما بين التونسيين، ففيما اعتبر البعض أن المحاكمة لا بد منها وأن مصير من حكموا شعوبهم بيد من حديد وأهدروا ثرواتها ونهبوها لن يكون إلا على هذه الشاكلة وأن تلك المحاكمة هي عبارة عن تطبيق للعدالة بعد الإطاحة بأنظمة أثرت على حساب شعوبها ورجوا هؤلاء أن يأتي الدور على الرئيس التونسي ليروه في نفس قفص الاتهام الذي طالما رمى وراءه بخصومه السياسيين وانتقم منهم ورماهم في ظلمات السجون. في حين اعتبر شق آخر أن المحاكمة تمثيلية أو مسلسل مكسيكي، على حد تعبيرهم، وأن المسألة ليست سوى محاولة لإرضاء ضغط الشارع المصري الذي لم يهدأ منذ الإطاحة بنظام مبارك. وأبدى هؤلاء في المقابل تسامحا وإنسانية اعتبرها بعض المحللين السياسيين مفاجأة، إذ كان الاعتقاد أن يكون معظم التونسيين مع المحاكمة، ولكن الطريقة التي عرضت بها المحاكمة وصورة حسني مبارك وهو ممدد على السرير الطبي جلبت له الكثير من التعاطف، وقال بعض التونسيين يكفي المصريين أن ذاك النظام لن يعود، وأن الشعب يقظ ولن يترك الفرصة مواتية من جديد أمام من يصادرون الحريات ويمتصون عرق الشعوب.

حول هذا الموضوع قال بلقاسم حسن نائب رئيس حزب الثقافة والعمل (تأسس بعد الثورة) إن حدث محاكمة مبارك يأخذ ثلاثة أبعاد؛ أولها أنه أول حاكم عربي تتم محاكمته وهو على قيد الحياة دون اللجوء إلى الانقلابات الدموية للوصول إلى الحكم وهي عبرة لكل حاكم يستبد بشعبه، أما البعد الثاني فإن مبارك يستحق محاكمة عربية على حد تعبير حسن وليست مصرية فحسب فمعظم القرارات العربية المتخذة كان لمبارك ضلع كبير في صياغتها وتمريرها ولا يخفى أنه جر العرب إلى كثير من المواقف المتنكرة لماضي مصر النضالي. أما البعد الثالث للمحاكمة فهو أن القضاء المصري كان بإمكانه أن يؤجل المحاكمة قليلا حتى لا تستدر عطف الكثير من شعوب المنطقة رغم أن مرضه الذي ظهر عليه لم يكن سوى «مرض سياسي»، كما عبر عن ذلك بلقاسم حسن.

وفي ذات السياق، قال نور الدين العرباوي القيادي في حركة النهضة إن موقف الحركة لا يختلف عن موقف عموم الشعب المصري الذي شعر بالكثير من الراحة بمناسبة محاكمة رئيسهم. وقال إن في تلك المحاكمة استردادا لجانب كبير من الكرامة المسلوبة. وتمنى العرباوي أن تتم محاكمة الرئيس التونسي بن علي بنفس الشاكلة دون أن يكون ذلك من باب التشفي بل من باب تحقيق العدالة، وتوقع أن تكشف محاكمة بن علي عن درجة كبيرة من الإجرام، على حد تعبيره، في حق التونسيين. واعتبر العرباوي أن المحاكمة رمزية بالأساس، ومن الضروري أن تكشف عن بقية من يتحملون مسؤولية الفساد سواء في تونس أو في مصر.

ليبيا

* كان لمحاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثر إيجابي على الثوار في ليبيا، ويقول محمد الشريف، رئيس المجالس المحلية بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي المناوئ للعقيد معمر القذافي، إن «محاكمة مبارك تعد حدثا تاريخيا، فهذه أول مرة نرى فيها رئيسا يحاكم هكذا». كما أضاف أن «المحاكمة خطفت أنظار الثوار في ليبيا، فالجميع كانوا يجلسون مترقبين ومنتظرين وقت محاكمة مبارك، حتى أنا ومن حولي لم ننم لكي لا يفوتنا شيء من المحاكمة».

وأكد محمد الشريف خلال اتصال هاتفي من مدينة بني غازي (معقل الثوار)، أن محاكمه مبارك كان لها أثر كبير على ثوار 17 فبراير (شباط)، حيث تسببت في رفع معنوياتهم ورغبتهم في إسقاط النظام بأسرع ما يمكن، موضحا «حتى الآن الأثر معنوي، لكني أتوقع خلال هذه الأيام أن يكون هناك أثر مادي ملموس في تقدم الثوار وسيطرتهم على طرابلس».

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل خرجت العديد من المظاهرات بعيد انتهاء محاكمة مبارك، فيروي لنا رجب المسماري، المعارض الليبي، عن الوضع في مدينة البيضاء (شمال شرقي ليبيا) أثناء محاكمة مبارك قائلا «خرجت العديد من المظاهرات المؤيدة لمحاكمة مبارك في مدينة البيضاء وجميع المدن الليبية المحررة، في فرحة كبيرة، لأنه بهذه المحاكمة تكون ثورة 25 يناير (كانون الثاني) قد نجحت بالفعل».

وأضاف المسماري أن المحاكمة كان لها رد فعل قوي على الشعب الليبي، حيث إنها زادت من حماسة الليبيين، وبخاصة الثوار، وأعطتهم الأمل في أن يروا القذافي وأبناءه والتابعين له في قفص الاتهام مثل مبارك وأبنائه، مشيرا إلى أن هذا الحماس سيكون له أثر كبير على الجبهة القتالية في الفترة القادمة.

اليمن

* منذ أن ظهر الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك وهو يحاكم خلف القضبان هو ونجلاه ووزير داخليته وعدد من كبار المسؤولين، وهو حديث الشارع اليمني، كما هو الحال في العديد من بلدان العالم، غير أن الحديث عن محاكمة مبارك كان له وقع خاص في اليمن الذي يشهد ثورة مماثلة للثورة المصرية ولم تتوج بنجاح رغم مرور قرابة 7 أشهر.

ورغم أن المحاكمة كانت في النهار الذي عادة ما يكون اليمنيون نياما فيه في شهر رمضان الكريم، فإن قطاعا واسعا من اليمنيين تابعوا وقائع جلسات المحاكمة على الهواء مباشرة، وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي بنسبة 90 في المائة من المحافظات اليمنية، فإن محاكمة مبارك ماثلت التجمعات فيها تلك التي تجري عند مشاهدة بطولة دولية «مشفرة»، حيث يتجمع كل مجموعة من الناس في مكان واحد لمشاهدة المحاكمة، مستعينين بالمولدات الكهربائية.

وبالنسبة لعدد غير قليل من المواطنين اليمنيين الذين التقت بهم «الشرق الأوسط»، فإن محاكمة الرئيس المصري السابق، تمثل بارقة أمل في أن يأتي اليوم ويحاكم المزيد من الحكام «المستبدين» أمام محاكم وطنية، ويشير بعض معارضي نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى أنهم يسعون إلى أن يأتي اليوم ويحاكمونه كمبارك على قتل مئات المتظاهرين في معظم المحافظات اليمنية.

وبحسب بعض المراقبين فإن محاكمة مبارك بثت الروح في ساحات التغيير والاعتصام بالعاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية، وأججت فيهم الإصرار على مواصلة الاحتجاجات حتى رحيل الرئيس صالح وبقية أركان نظامه عن الحكم، فيما يمني البعض النفس بأن يشاهد مشهدا مماثلا، يمثل فيه كبار رجال الدولة اليمنية والفاسدون وغيرهم من ذوي اليد الطولى في البلاد، أمام القضاء لكي تفتح ملفاتهم.

ويقول بعض المراقبين إن محاكمة حسني مبارك لو كانت تمت في وقت يمر فيه اليمن بظروف اعتيادية وطبيعية، فإنها لن تترك ذات الأثر والانطباع الذي تركته حاليا، وهو انعدام التعاطف معه رغم أنه أحضر إلى المحاكمة على سرير طبي متحرك، فالأوضاع المعيشية الصعبة والأمنية الأكثر صعوبة التي يعيشها اليمنيون والتي يرجع الكثير منها إلى النظام في اليمن ومسؤوليته عن معاناة المواطنين، جعلت من كل حاكم عربي مثل مبارك وصالح، غير مستحق لأي نوع من التعاطف، حسب المراقبين.