فرنسا تنفي «الغرق» في رمال الحرب الليبية.. لكنها تقر بخطأ تقدير قدرات القذافي

وزير الخارجية: لا نراوح مكاننا.. والمعارضة المسلحة تحقق تقدما على كل الجبهات

TT

بعد أسبوعين، ينقضي الشهر الخامس على بدء العمليات العسكرية الغربية في ليبيا التي انطلقت في 19 مارس (آذار) الماضي مباشرة، بعد التصويت على القرار 1973 في مجلس الأمن الدولي. وحرص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي دعا واستضاف على عجل قمة الإليزيه، لبلورة التحالف العسكري الذي تولى عمليات القصف الجوي قبل نقل الصلاحيات إلى الحلف الأطلسي، على أن تكون الطائرات الفرنسية هي الأولى التي تحلق فوق ليبيا وتحديدا فوق مدينة بنغازي وذلك قبل انتهاء أعمال القمة.

وخلال الأسابيع الأولى، أشاع المسؤولون الفرنسيون العسكريون والسياسيون جوا من التفاؤل لجهة نهاية نظام العقيد القذافي، بعد أن تمددت حركة التمرد جغرافيا وسياسيا، وانشق عدد كبير من أركان النظام السابق، ونجح المعارضون في تشكيل مجلس انتقالي سارعت باريس إلى الاعتراف به. ولم يكن سرا أن الرئيس ساركوزي كان يراهن على سقوط العقيد الليبي معمر القذافي قبل 14 يوليو (تموز) الماضي، آملا في مشاركة وحدات رمزية من الثوار في العرض العسكري التقليدي في جادة الشانزليزيه. وأكثر وزير الدفاع جيرار لونغيه من الإشارات إلى ضعف نظام القذافي وتشتت مناصريه بمن فيهم «الدائرة الضيقة»، فيما أكد نظيره وزير الخارجية أكثر من مرة أن الحرب مسألة «أسابيع وليس أشهرا».

غير أن التفاؤل الفرنسي والغربي بدا في غير محله رغم الدعم المتنوع الذي يقدمه الحلف الأطلسي ودول التحالف بشكل عام للمجلس الوطني ولمقاتليه سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا. فالقذافي ما زال في ليبيا، والتقدم الذي أحرزته قوى المجلس بقي محدودا وعاجزا عن إحداث تغيير جوهري في ميزان القوى رغم آلاف الطلعات الجوية الأطلسية وقصف كل الأهداف الممكن قصفها. ولذا، أخذ سؤال يطرح نفسه بإلحاح وسعى الغربيون حتى الآن إلى تفاديه، وهو: متى تنتهي حرب ليبيا؟ وهل غرق الحلف الأطلسي في الرمال الليبية؟

عندما اجتمع البرلمان الفرنسي يوم 12 يوليو، بمجلسيه الشيوخ والنواب، للنظر في تتمات الحرب الليبية، منحت غالبية ساحقة الحكومة تفويضا للاستمرار في الحرب. غير أن بعض الأصوات لم تتردد في الدعوة إلى إعادة النظر في الأهداف والوسائل والتساؤل عن الفترة الزمنية التي ستدوم فيها. وما كان يناقش تحت قبة المجلسين تحول إلى جدل عام ولكن بشكل أكثر تشاؤما إذ لم يعد السؤال: كم من الوقت نحتاج إليه لبلوغ نهاية الحرب؟.. بل: هل نحن غرقنا في الرمال الليبية؟

السؤال طرح على وزير الخارجية آلان جوبيه، الذي يشغل وحده المشهد الإعلامي مع غياب الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة بسبب الإجارة الصيفية. وكما هو متوقع، نفى جوبيه أن تكون الحرب في ليبيا وصلت إلى طريق مسدود، نافيا أن «نكون في وضع يتيح الحديث عن مراوحة، إذ التدخل بدأ قبل خمسة أشهر ولا أحد تحدث عن حرب خاطفة»، في ليبيا. وللتدليل على ذلك، أكد جوبيه في حديثه، أمس، للقناة الثانية للتلفزة الفرنسية، على أمرين متلازمين: الأول، أن قوات الثوار تحرز تقدما متواصلا، والثاني أن المجلس متضامن ولا انشقاقات داخله. وبالنسبة للشق الأول، قال جوبيه إن قوات المجلس «تتقدم في الجنوب وفي الغرب حيث أصبح الجنوب تحت سيطرتها بشكل شبه تام فيما قوات الثوار تتقدم باتجاه طرابلس وكذلك في منطقة البريقة». ووعد جوبيه بأن يستمر الحلف في الضغط عسكريا على القذافي عن طريق الاستمرار في الضربات الجوية إن بواسطة الطائرات القاذفة المقاتلة أو عبر استخدام الطوافات العسكرية. وتقوم فرنسا بربع الطلعات الجوية وبثلث عمليات القصف. وبعكس الطوافات البريطانية الخاضعة لأوامر الأطلسي، فإن الطوافات الفرنسية تقوم بعملياتها بشكل شبه «مستقل».

أما بالنسبة للشق الثاني، فقد سعى جوبيه للتخفيف من أثر اغتيال العميد عبد الفتاح يونس الذي رأى فيه البعض صراع أجنحة داخل المجلس المؤقت. وبحسب الوزير الفرنسي، فإن باريس «تثق» في قادة التحالف الذي تدعمه بكل الوسائل المتاحة بما فيها المالية، حيث قدمت له من الودائع الليبية المجمدة مبلغ 259 مليون دولار لمساعدته على مواجهة مستحقات الحرب.

غير أن الوزير الفرنسي اعترف بأن التحالف الغربي أخطأ حين أغرق في التفاؤل وفي تقدير قوات القذافي وقدرته على المقاومة بقوله «لا شك أننا لم نقدر قوات القذافي حق قدرها في المقاومة، ولكن ليست هناك بأي حال مراوحة». ويرى مراقبون سياسيون في العاصمة الفرنسية أن المسؤولين لا يستطيعون قول العكس.. ففي أفغانستان حيث القوات الفرنسية موجودة إلى جانب الأميركيين والأطلسيين والحلفاء، يدأب المسؤولون في الحديث عن تقدم ميداني رغم الخسائر البشرية التي يتعرضون لها دوما.

وقبل أيام، سعى الوزير الفرنسي، بعد أن تبين بوضوح أن الحل العسكري صعب وطويل، إلى فتح باب في جدار الأزمة الليبية من خلال قبول بقاء القذافي في ليبيا شرط تخليه عن مسؤولياته السياسية والعسكرية. لكن يبدو أن هذا الباب قد أغلق في الوقت الحاضر بدليل أن الوساطات بما فيها وساطة عبد الإله الخطيب، مبعوث أمين عام الأمم المتحدة، «تراوح» مكانها بسبب عدم توافر الشرط الأساسي وهو قبول العقيد القذافي التنحي، حيث إن الأطلسي والمعارضة يجعلان من خروجه من السلطة شرطا لا محيد عنه لقبول وقف النار والسير في حل سياسي. والحال أن القذافي ما زال واقفا على قدميه رغم تقلص البقعة الجغرافية التي ما زال يسيطر عليها. وإذا رغب الأطلسي والمعارضة المسلحة في إخراجه من طرابلس، فعليهما التهيؤ لحرب طويلة تكون مختلفة عما حصل في البريقة أو أجدابيا، وبالمقابل، لا يستطيع الأطلسي وقف عملياته العسكرية أو التخفيف من حدتها لأن القذافي سيفسر ذلك على أنه تراجع أو تخاذل مما سيجعله أكثر تشددا.

وما بين هذين الحدين تتأرجح عمليات الأطلسي. وتجد البلدان الرائدة فيه وعلى رأسها فرنسا أن ثمة حاجة لطمأنة الرأي العام بنفي الوجود في مأزق سياسي - عسكري والتأكيد على استمرار تقدم المعارضة وقدرتها يوما ما على الإطاحة بالقذافي.