محاكمة مبارك.. يوم الحساب

مزيج بين الإحساس بالعدالة والشماتة ومشاعر شك مختلطة بالأمل * ليلى سويف: نقطة تحول في مفهوم الرئيس

TT

في هذه القرية التي تكتظ بالمباني المشيدة بالطوب اللبن، ووسط قطع الأراضي المزروعة بالذرة والأرز والمروية من نهر النيل، اختلطت مشاعر السعادة والشك والتأمل بعد يوم واحد من مشاهدة سكان هذه القرية لمشهد لم يكن أحد يتصوره أو يتخيله وهو تقديم الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلى المحاكمة.

في البداية، قال أحد سكان هذه القرية، والذي يعمل مدرسا، إن هذه المحاكمة تصرف الانتباه عن الأهداف الحقيقية للثورة، في حين طالب أمين مخزن برحمة الرجل المريض البالغ من العمر 83 عاما، والذي لم يكن سيئا كغيره من الزعماء العرب. ووصف طباخ هذا المشهد بأنه العدالة، في حين قال صديق له إنها إرادة الله. ثم تحدث أحمد سعيد، وهو خريج جامعي يبلغ من العمر 30 عاما وما زال يبحث عن عمل، قائلا «إنه درس للمستقبل، فأي شخص يرتكب خطأ لا بد أن تتم محاكمته».

ودائما ما تؤدي الثورات والحروب والاضطرابات إلى حساب المسؤولين عن الفترة الماضية، ففي جنوب أفريقيا على سبيل المثال، كانت هناك حقائق ومصالحة، وتعامل لبنان مع المشكلات التي واجهها في أعقاب الحرب الأهلية التي استمرت لمدة 15 عاما بشكل من أشكال فقدان الذاكرة الجماعي، في حين لا تزال مصر في خضم الاضطرابات الخاصة بها.

وقد صرح كثيرون يوم الخميس بأنهم شاهدوا بالفعل علامات على حساب المسؤولين، في ما وصفوه بأنه تحول في الثقافة السياسية في العالم العربي، حيث لم تعد السلطة تحمي صاحبها.

وقالت ليلى سويف، وهي أستاذة بجامعة القاهرة وناشطة مصرية في مجال حقوق الإنسان «إنها نقطة تحول في مفهوم الرئيس. سوف يعلم الناس أن عصر مبارك قد ولى، وأن عهدا جديدا يبدأ الآن، وسوف يبدأون العمل وفقا لذلك، وسوف يخاف أي شخص في السلطة ويدرك أن السلطة عبارة عن مسؤولية وليست امتيازا». لقد كان المشهد يوم الأربعاء الماضي، في قاعة المحكمة بأكاديمية الشرطة التي كانت يوما ما تحمل اسم مبارك، مشهدا تاريخيا ومثيرا للعاطفة في الوقت نفسه.

وقد استمرت محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، الذي يعد أكثر شخص مكروه من الشعب المصري، يوم الخميس، لكن كانت المحاكمة تبدو أقل إثارة من المحاكمة التي استمرت لمدة أربع ساعات يوم الأربعاء الماضي والتي كان يرقد فيها مبارك على سريره مرتديا الزي الأبيض الخاص بالسجن، ويقف بجانبه نجلاه جمال وعلاء. وركزت عناوين الصحف على الجملة الوحيدة التي قالها مبارك والتي كانت إجابته الوحيدة على سلطة أخرى، حيث رد على القاضي قائلا «أفندم.. أنا موجود».

وبينما كانت تتم إعادة بث الكلمات يوم الخميس، كان هناك مزيج بين الإحساس بالعدالة والانتقام لدى الكثيرين، خاصة بالنسبة لأمهات المتظاهرين الذين قتلوا في المظاهرات أثناء الثورة في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، واللاتي رفضن ذكر أسمائهن واكتفين بالقول إنهن أمهات الشهداء خالد عطية ومحمود راضي وغيرهما.

وقالت أم خالد عطية الذي قتل يوم الثامن والعشرين من يناير «هذه دموع الفرح نتيجة لرؤية حسني مبارك خلف القضبان. سوف يتم الثأر لدم ولدي».

وفي قرية ميت كنانة، التي تبعد نحو ساعة أو نحو ذلك إلى الشمال من القاهرة والتي تكتظ طرقها بالجرارات والشاحنات والعربات التي تجرها الخيول، قال سكان المدينة إنهم شاهدوا المحاكمة وكان لكل منهم رأيه الخاص، حيث قال محمد سلامة، وهو صديق لأحمد سعيد خريج الجامعة الذي لا يزال يبحث عن عمل «يجب على أسر الشهداء في ميدان التحرير أن يروا حسني مبارك وهو يحاكم، وإلا فإنهم لن يشعروا بالسلام والطمأنينة أبدا. يجب عليهم أن ينتقموا لأبنائهم حتى يمكنهم الاستمرار في حياتهم».

وأشار سلامة وصديقه سعيد إلى أن هناك ما يبرر إعدام مبارك، لكن لأنه رجل مريض، فهناك بدائل، مثل الحكم عليه بالإعدام ثم يتم تخفيف الحكم بعد ذلك، أو الحكم عليه بالسجن حتى الموت. وقال سلامة «يجب عليه أن يدفع الثمن، لأن هذا هو جزاء ما قام به».

وحاولت الصحف المصرية الاحتفال باللحظة التي تلمح إلى وجود شماتة في مبارك، حيث وصفه أحد الأشخاص بأنه فرعون، واحتفلت كل الصحف تقريبا بالصورة المهينة للرئيس السابق وهو في قفص الاتهام.

وقال محمد خير الدين، وهو مدرس في مدرسة ابتدائية في البلدة ويبلغ من العمر 33 عاما «كيف يمكن لهذه المحاكمة أن تحل جميع المشاكل في مجتمعنا؟ سوف تستمر هذه المشاكل، سواء تم إجراء المحاكمة أم لا. لا نزال نفتقد إلى وجود أي خطة واضحة للإصلاح». وذكر خير الدين سلسلة من المشاكل مثل البطالة وارتفاع الأسعار وانهيار أنظمة الصحة والتعليم وتدهور البنية التحتية نتيجة للإهمال، وأضاف «هذه هي القنابل التي تنفجر حولنا كل يوم».

وكان المسؤولون في عهد مبارك يرددون جملة شهيرة في حين كانت البلاد تعاني من الركود، حيث كانوا يقولون «إنجازات مبارك»، وكانت هذه العبارة بمثابة مصدر للنكات بطبيعة الحال، لكنها كانت تعبر عن طريقة تفكير كثير من الزعماء السلطويين الذين يعتقدون أنه إذا استمر الناس في قول شيء ما لفترة طويلة، فسوف يتحول هذا الشيء إلى حقيقة بطريقة أو بأخرى. وقالت كريمة الحفناوي، وهي ناشطة مصرية بارزة «يؤكد التاريخ على أن أي فرعون أو حاكم ظالم يواجه عواقب أفعاله في النهاية. ولسوء الحظ، لم يتعلم الحكام ذلك الدرس، حيث يعتقد كل ظالم أنه لن تتم محاسبته».

وحتى في قرية ميت كنانة، كان هناك شعور بأن المحاكمة كانت بمثابة نقطة تحول، حيث تجمع الرجال في أحد الشوارع الذي تصطف على جانبيه الأشجار الشاهقة والتي لا تزال معلقة عليها الملصقات الباهتة للحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام الماضي والتي شابتها عمليات تزوير على نطاق واسع. وقام الرجال بمناقشة معنى العدالة وسبل حل المشكلات التي يواجهها المجتمع وما سيقوم به المجلس العسكري وما اقترفه مبارك.

وقال خير الدين «نحن أيضا مسؤولون، لأننا بقينا صامتين. لم يتحدث أي منا، ولم يفعل أي منا أي شيء لوقف ما كان يحدث». وقال محمد إسماعيل، وهو بائع في محل «إننا جميعا نشترك في ذلك»، ثم قال محمد عبد المجيد، الذي كان أصغرهم سنا وأكثرهم غضبا «لكنه هو من ارتكب أكبر خطيئة»، في إشارة إلى مبارك، وأضاف «لقد كان هو صانع القرار، ولذا كان هو المسؤول في النهاية».

* أسهمت في التقرير هبة عفيفي

* خدمة «نيويورك تايمز»