محمد الأزهر العكرمي: كل الطرق مفتوحة بما في ذلك الطريق إلى ديكتاتورية أخرى

وزير الداخلية التونسي المكلف الإصلاحات في حوار مع «الشرق الأوسط» : نسبة الانفلات الأمني أقل بكثير من نسبة الانفلات الإعلامي

TT

أكد وزير الداخلية المكلف الإصلاحات في تونس أن ما حدث في تونس يتميز بأنه كان سبقا وثورة بأقل تكاليف، من ذلك الخسائر في الأرواح، وفي وقت زمني قياسي.

وأوضح الوزير محمد الأزهر العكرمي في الحوار الذي خص به «الشرق الأوسط» وأجرته معه في تونس أنه رغم أن الحالة الأمنية ليست في وضعية مثلى الآن «لكنها ليست منفلتة فالجريمة والشغب يتناقصان بشكل ملحوظ»، كما بين الوزير أن نسبة 80 في المائة من الرأي العام في تونس لم تعد تؤيد الاحتجاج بواسطة الاعتصامات والإضرابات وتعطيل الخدمات. وعن موقفه من الجيش بين أنه «متفاجئ من الحس المدني العالي لدى قيادة الجيش ومن العقيدة الديمقراطية لهذه القيادة التي رفضت يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011 أن تأخذ السلطة وهي تعلم أن لا أحد سينازعها في ذلك». وبالنسبة للوضع الاستثنائي المسمى بحالة طوارئ والذي يتم إعلانها بمرسوم رئاسي مؤقت ويجدد طبق القانون، بين الوزير أنه وضع مؤقت وليس مطلقا وأنه كان ومنذ المدة الأولى شكليا. كما بين العكرمي أن وزارة الداخلية تقوم بعمل يومي لمحاربة الجريمة المنظمة. وعن قوانين عمل الوزارة بين الوزير أن «قانون الثورة قبل 14 يناير كان التظاهر والتنديد بالاستبداد، وقانون حماية الثورة الجديد هو تأطير التظاهر وحماية الأموال والأعراض والأنفس للتونسيين».

وقد التقت «الشرق الأوسط» بوزير الداخلية المكلف بالإصلاحات في تونس (منصب تم استحداثه في المدة الأخيرة ويعنى بإصلاح الأمن وتطوير الهياكل المدنية الجهوية والمحلية وتطوير الاتصال)، محمد الأزهر العكرمي في مقر وزارة الداخلية في تونس، وكان لنا معه حوار هذا نصه:

* ما الذي ميز الثورة التونسية عن غيرها من الثورات في العالم العربي؟

- ما حدث في تونس يتميز بأنه كان سبقا وأنه كان ثورة بأقل تكاليف، من ذلك الخسائر في الأرواح، وفي وقت زمني قياسي. ثم إنه تم المرور مباشرة لإيجاد الصيغ الكفيلة بتحويل الحرية إلى مؤسسات سياسية، حيث تشكلت الهيئة العليا لحماية الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي وتشكلت هيئات للكشف عن الفساد ومحاسبته وتقصي الحقائق وهيئة لإصلاح الإعلام، ولأول مرة يتم تصدير ثورة بهذا الحجم دون انتقال مجموعات ممن قاموا بها للتحريض وإقامة الأطر لهذا الانتقال فكانت فعلا ثورة حرية تنتقل بشكل افتراضي وكما يقول الألمان فالحرية عندما تخنق في الأرض تطير وتبقى في السماء لتعاود النزول إلى الأرض في الوقت المناسب. وهو ما حدث بالفعل بأن حطت في عدد من الأقاليم العربية وما زالت تفعل فعلها رغم بعض الصعوبات حيث لم تكن على ما يبدو مدارج الهبوط مهيئة كما ينبغي في تلك المناطق. وأعتقد أن زمن الحرية قد حل في المنطقة العربية من باب أن لكل شيء ميعادا، فالخمسين سنة الماضية من الاستبداد المغلف بالشعارات الكبرى قد سقط بعد أن نفد صبر الشعوب التي أعطت ثرواتها والشهداء وعاشت تحت الاستبداد، وقد كان للتعليم وللإعلام ولوسائل التكنولوجيا الحديثة دوره في هذه الاستفاقة التي انطلقت من تونس التي كان لها فضل الإصلاح المبكر في القرن 19 رغم أنه أجهض بواسطة الاستعمار ويضاف إلى هذا أن الحبيب بورقببة الذي اختار بناء المدارس في رؤوس الجبال بدل تكديس السلاح والهزائم وكان بدوره مصلحا فذا وخلف مكاسب لهذه البلاد لا أعتقد أن الشعب التونسي سيفرط فيها مثل حرية المرأة وبناء الدولة العصرية ورفض التعصب.

* الوضع الأمني في تونس حاليا؟

- يتسم الوضع الأمني بالاستقرار المتزايد ويختلف من منطقة إلى أخرى وهذا ما تثبته الإحصائيات الشهرية في مختلف الجهات التي تتفاوت حسب احتياجاتها للأمن وطبيعة تركيبتها وحاجياتها، ليست وضعية مثلى ولكنها ليست منفلتة، وقد أثبت الإحصاء أن نسبة الجريمة في عموم الجمهورية خلال شهر مايو (أيار) المنقضي كان كنظيره لسنة 2010 إلا أن الفارق في أن التغطية الإعلامية أصبحت واسعة النطاق وكانت مفقودة في العهد السابق، وعموما فالجريمة والشغب يتناقصان بشكل ملحوظ، وحركية الأحزاب التي فاقت 100 حزب بالإضافة إلى النزعات المطلبية، ما زالت تحدث عددا من الاعتصامات والإضرابات التي تتم في أغلبها بشكل سلمي.

وعلى الحدود رغم أن هناك حربا في الشقيقة ليبيا فإن الوضع بقي مطمئنا والليبيون يتزودون بجل احتياجاتهم اليومية من تونس.

* كيف تواجهون الاعتصامات؟

- يجب التفريق بين نوعين من الاعتصامات، فهناك اعتصامات سلمية مطلبية لا تعطل المرافق العامة ولا توقف الإنتاج وهي مشروعة هدفها لفت انتباه السلطة المعنية إلى مشكل ما، وهذه يتم النظر في مطالبها وفي الغالب تنتهي إلى حلول توفيقية سواء بالقضاء على أسباب المشكل نهائيا أو بحلول مؤقتة. إلا أن الاعتصامات التي استهدفت ساحة القصبة في المدة الأخيرة وكان هدفها منع نشاط الحكومة التي يفتح باب مقرها على هذه الساحة تم منعها باستعمال منسوب عادي للعنف الذي تحتكره الدولة في العادة وتمارسه طبق القانون. وهناك اعتصامات أخرى استهدفت تعطيل العمل ومنع إيصال الخدمات، في بعض المنشآت تم حل البعض منها بالتفاوض، والبعض الآخر وهو قليل بتطبيق القانون. وعلى كل حال فالذي لوحظ خلال الأسابيع الماضية أن هناك رأيا عاما واسعا يتجاوز 80 في المائة لم يعد يؤيد الاحتجاج بواسطة الاعتصامات والإضرابات وتعطيل الخدمة، وهو تعبير عن حالة نضج شعبية مفادها ضرورة المرور من الثورة إلى إعادة بناء الدولة أو من شعارات الثورة إلى برامج السياسة.

* العلاقة بين الجيش والأمن في تونس كيف تصفها؟

- هناك حالة تنسيق ميدانية تامة قائمة على حجم كبير من الاتفاق والمودة القائمة مع قيادة الجيش، وقد يكون ذلك غريبا، لكني أيضا متفاجئ من الحس المدني العالي لدى قيادة الجيش ومن العقيدة الديمقراطية لهذه القيادة التي رفضت يوم 14 يناير 2011 أن تأخذ السلطة وهي تعلم أن لا أحد سينازعها في ذلك باعتبارها ضامنة لاستمرار الدولة، فالسلطة يومها كانت على الرصيف ولولا الثقافة المدنية للجيش والتصميم على بناء دولة مدنية عصرية لأعلنوا البيان رقم 1 وقالوا إنهم سيجرون انتخابات خلال عام أو عامين. هذه القيادة إذن لا تعرف إلى حد الآن أن السلطة عند العرب هي لذة اللذة أو هي ترفض ذلك عن قناعة، فجيش بهذه المواصفات لا أعتقد أنه يطرح صعوبة أمام قوات الأمن الداخلي ومن هنا جاء التنسيق ولم يسجل أي حادث ولم تعرف أي متاريس في أي منطقة ولو في انفلات محدود بين طرفي هذه المعادلة.

* حالة الطوارئ لماذا تم تمديدها ويتواصل العمل بها حاليا في تونس؟

- حالة الطوارئ أعلنت على أثر سقوط النظام، وهي عبارة عن شكل جديد يجوز فيه معالجة الحالات المستجدة خارج آليات التعامل السابقة نظرا للضرورة، وهي الحالة التي عاش بها المصريون خلال أربعين عاما وبقيت مسلطة عليهم حتى في ظل الاستقرار، والسوريون كذلك نظرا لوجود تهديدات سواء داخلية أو خارجية، أما تونس فإن غياب الشرعية وتعليق الدستور وتعليق بعض القوانين وعدم وجود هيئات منتخبة، كل هذا ولد حاجة إلى الدخول في الوضع الاستثنائي المسمى بحالة طوارئ والذي يتم إعلانها بمرسوم رئاسي مؤقت ولا بد من تجديده طبقا للقانون لأنه محدد بمدة وليس مطلقا. ثم إن هذا الإعلان عن حالة الطوارئ منذ المدة الأولى كان شكليا لأنه استمر خلاله العمل بالقانون دون أي إجراءات استثنائية، من ذلك أن القضاء العدلي يعمل بشكل عادي، وتراخيص الأحزاب والصحف تمنح بشكل طبيعي.

* هل هناك خطة يتم العمل عليها حاليا لمواجهة الحالات الفردية والاعتداءات التي تتم بشكل يومي على الأشخاص والمؤسسات في تونس وحالة الفوضى الأمنية؟

- معدل الجريمة تراجع عن الأسابيع الأولى لما بعد الثورة فتونس شهدت في شهر يناير الماضي 2031 حالة احتجاجية و1097 حالة في شهر مايو. و1000 حالة في شهر يونيو (حزيران)، و1176 حالة في شهر يوليو (تموز). وسرقة السيارات من يناير إلى يوليو 271 سيارة خاصة، والسيارات الإدارية 16. وبلغت حالات الانتحار من يناير إلى يوليو 171 في كامل تراب الجمهورية، وجرائم القتل أيضا شهدت ارتفاعا حيث بلغ عدد القضايا 143 في الفترة نفسها، وعدد الأشخاص الذين لهم علاقة بها وتم توقيفهم بلغ 132 شخصا. وجرائم العملة المزيفة 45 قضية و78 متورطا. وبلغت قضايا الاعتداء على أعوان الأمن منذ الأول من يناير إلى 31 يوليو 228 اعتداء.

ولدينا خطط يومية للتدخل وهناك حملات بواسطة الفرق المختصة في الأوضاع التي لا يقدر عليها الأمن العمومي لمكافحة الجريمة وهناك عمل يومي لمحاربة الجريمة المنظمة وهناك أعمال كثيرة وقائية لا سيما بالنسبة لمكافحة تكوين المجموعات الإجرامية. وعلى العموم فقد قدم إلى تونس نصف عدد السائحين الأجانب والناس يذهبون إلى الشواطئ بمعدل عادي والحركة الليلية في الأماكن العامة هادئة، ولا يلاحظ الفارق النوعي بين ما كانت عليه الحالة الأمنية في السابق والآن.

* هل تفكرون في حملة لتطمين المواطنين لإشعارهم بوجود الأمن واستعداده للعمل من أجل حمايتهم؟

- هناك تفكير جدي في صياغة منظومة اتصالية جديدة لحالات الوضع العادي وللمناخ الانتخابي الذي يجب أن يتوفر للانتخابات المقبلة ليوم 23 أكتوبر (تشرين الأول)، ونحن نسعى حتى الآن لتطمين المواطنين من أن الوضع الأمني يستعاد باستمرار في الاتجاه الإيجابي. وفي العاصمة فإن من يسير المرور هن شرطيات في كل المفترقات.

* هل تفكرون في انتداب عناصر جديدة؟

- تم انتداب عدد مهم وهم بصدد الاستعداد للتخرج وهناك دفعة بصدد التدريب عددهم يزيد على 5 آلاف، وهم الشباب الذين قاموا بالثورة والذي يتدرب الآن على حمايتها بزي نظامي، وقانون الثورة قبل 14 يناير كان التظاهر والتنديد بالاستبداد، وقانون حماية الثورة الجديد هو تأطير التظاهر وحماية الأموال والأعراض والأنفس للتونسيين.

* الأمن هو الهاجس الأول الآن بالنسبة للتونسي وفقدانه أفسد فرحة الثورة، ما هو الحل؟

- كل هذا كلام نسبي ولا يمكن الجزم بأن التونسي فقد فرحة الثورة إذ مهما حصل فرحة الحرية موجودة في عيون الناس ومهما كانت الخدمة الأمنية ناقصة فإن متعة التحرر تكمل ذلك النقص وكما قلت فالأمن نسبي ولكنه يتحسن وأعتقد أن بعض المخاوف لدى التونسي تتأتى من الغموض النسبي الذي يلف المستقبل. فمرحلة الانتقال الديمقراطي ليست الديمقراطية والانتقال الديمقراطي الذي هو الفترة الفاصلة بين سقوط النظام وبناء شرعية جديدة وهو عبارة عن حمل لا يمكن معرفة جنس المولود فيه لذلك فالخوف مشروع سواء من الإجهاض أو من مولود ميت، أو حتى من قيصرية تعيد شيئا من الاستبداد وهذا يجب قوله، فالهاجس لدى المثقفين وعموم النخب وعدد غير قليل من الطبقة الوسطى يقوم على غموض المستقبل لجهة أي نظام سياسي سيفرزه لنا المجلس التأسيسي. وكل الطرق مفتوحة بما في ذلك الطريق إلى ديكتاتورية أخرى.

* هل هناك برنامج لإعادة تأهيل عناصر الأمن؟

- في هذا الباب هناك ورشة عمل للتفكير يتم فيها تشريك المجتمع المدني والأحزاب السياسية والخبراء وهي قائمة على سؤال واحد أي أمن نريد للمستقبل؟ ونحن بصدد صياغة ملتقى وطني ستنظم فيه الكثير من الفعاليات لمناقشة تصور نحن بصدد إعداده ويقوم على عدة محاور منها تخصيص هذه الوزارة للأمن الداخلي لا غيره لأن الوزارة كانت في السابق تشرف على الجماعات المحلية والمحافظات والأمن الخارجي وعلى التنمية، وهذه البنية لا يمكن لها أن تنتج إلا وظيفة استبدادية في علاقة بالارتباط الوثيق بين البنية والوظيفة، أما ما نراه اليوم لضمان وظيفة ديمقراطية فهو إضافة التنمية والهياكل الجهوية والمحلية لوزارة مهمتها التنمية، وتخصص وزارة بالأمن الداخلي وتكوين وكالة مخابرات تلحق حسبما سيقرره الدستور برئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء والضامن لنجاح هذه البنية الهيكلية ويكون المرور من بوليس النظام العام إلى بوليس الخدمة العامة أي أن الشرطة تقدم خدمة شأنها شأن الصحة والتعليم وهي الأمن بمقابل من الضرائب وجب معه إخضاع هذه الخدمة للتحليل والتقييم من حيث جودتها أي أمن جيد أمن سيئ، ثم اعتماد مفهوم بوليس الجوار أو شرطة الجوار بدل البوليس المرعب وهذا كله يقتضي إعادة صياغة للانتشار الأمني الداخلي بحيث تكون هناك مقرات شرطة قوية مهابة وغير عنيفة، أو تعتمد القوة دون عنف واللين دون ضعف، يترافق مع ذلك عملية تكوين مستمر وهذا ما نقوم به بشكل مكثف الآن بواسطة الخبرات من تونس ومن الخارج من الدول التي عاشت تجارب الانتقال الديمقراطي مثلا إسبانيا على سبيل الذكر لا الحصر ولا ننسى أن قوات الأمن الداخلي كونت نقابات تعمل في هذا الاتجاه.

* أساس المشكلة في تونس بين الأمن والمواطنين هل هي ثقة أم تصفية حسابات وانتقام من التعامل الأمني في العهد السابق؟

- أولا العلاقة كانت من أسوأ ما يكون في السابق بين الأمن والمواطن فالعلاقة قائمة على معادلة خوف قوة، خضوع، إخضاع، استقرار. وكان هناك مقابلة تضاد بين الأمن والحرية أي مطلب بالحرية لجريدة أو منظمة أو حزب يرفض لضرورات الأمن فالأمن كان عدوا للحرية، في حين أن الصحيح أن تكامل الأمن والحرية يعطي التنمية البشرية وهذا هو جوهر التصحيح الثوري الذي حدث والقضية الآن كيف نحميه ونخرج الحرية من مفهومها الفلسفي إلى السياسي لتصبح اسمها الديمقراطية أو النظام الديمقراطي الذي بقدر ما يراعي حاجات المواطن يخضعها للنظام العام ومنسوب التحضر لدى أي شعب هو الذي يبرز نجاح هذه المعادلة وبعد ستة أشهر من الثورة هناك 80 في المائة من الشعب التونسي لم يعودوا يحملون ضغينة تجاه قوات الأمن، وكذلك قوى سياسية عاقلة تعرف حاجتها للأمن، لكن هناك من بقي لم يبارح عشية 14 يناير2011، معتقدا أنه لا بد من حرب على رجال الأمن للقمع الذي شهدته مرحلة حكم بن علي، والمصالحة بين رجل الشارع والشرطي حدثت دون ضجيج واستكمالها يجب أن يتم بشكل مؤسسي وحركة إصلاحية شاملة والدليل على التطبيع هو وجود رجال الشرطة في أماكن خالية وعلى الطرقات البعيدة ووجود شرطيات بمفردهن لتسيير حركة المرور دون أي اعتداء يسجل خلال الأشهر الماضية.

* لم ينكر أحد أن الفساد كان موجودا في جهاز الأمن قبل سقوط نظام الرئيس السابق بن علي، هل هناك جهود للرقابة الداخلية الآن وكيف ذلك؟

- أجهزة الرقابة تعمل بشكل طبيعي ونحن نجري حملات من وقت لآخر، والضمانات الحقيقية التي تقضي على ظواهر الفساد السابق لن تتوفر إلا بعملية إصلاحية شاملة، وهناك أعوان عوملوا على أنهم تحت طائلة القانون وهم موجودون الآن في السجون، عندنا 120 شرطيا في السجن وأكثر من 40 ضابطا ومسؤولا عالي الرتبة أحيلوا على التقاعد الوجوبي وهناك متابعة يومية رغم الصعوبات الكثيرة التي طرحها هذا الظرف الانتقالي.

* وجود الوافدين من ليبيا وإمكانية تسرب السلاح والأموال المشبوهة كيف تتعاملون معه؟

- استقبلت تونس من مختلف مراكز العبور من الحدود الليبية من يوم 20 فبراير (شباط) الماضي إلى اليوم قدوم ما يزيد على 92 ألف تونسي و831 ألف أجنبي، غادر منهم 753 ألفا من جنسيات مختلفة، وبقي ما يزيد على 77 ألفا بينهم 65 ألف ليبي و1540 صوماليا، و 1053 نيجريا، و 858 إريتريا، و848 سوريا.

وفيما يخص تجارة الممنوعات من أسلحة وعملات مزيفة ومخدرات فإن الدوريات الموجودة على الحدود وبالمنطقة تؤمن الوضع إضافة إلى ذلك أن التونسيين بحكم ثقافتهم ليسوا ميالين إلى السلاح، بل هم يسلمون من حين لآخر أسلحة إلى أقرب نقطة شرطة أو جيش بشكل ملحوظ. أضف إلى ذلك عمليات المصادرة لبعض الأسلحة الفردية في المعابر وهي غير لافتة للانتباه في واقعها.

* فترة الانتخابات بالتأكيد حرجة وصعبة وتتطلب الكثير من الجهود، كيف استعددتم لها؟

- الاستعدادات جارية لتأمين وصول الناس إلى الصناديق دون التدخل في الانتخابات التي تشرف عليها هيئة مستقلة ولها مراقبون وملاحظون من المجتمع المدني، ومن بين المعايير الدولية للانتخابات النزيهة الحرة والشفافة يجب توفر الأمن، مع ملاحظة أن خروج الانتخابات من تحت أنظار وزارة الداخلية في حد ذاته يوفر معيارا جديدا لنزاهة هذه الانتخابات وشفافيتها وأعتقد أن لدينا ما يكفي من الإمكانيات لتأمين هذا الاستحقاق.

* باعتبار علاقتكم بالمجال الإعلامي وعملكم في القطاع في السابق، كيف تقيمون الوضع الإعلامي في تونس حاليا؟

- نسبة الانفلات الأمني أقل بكثير من نسبة الانفلات الإعلامي، والإعلام لا يلام لافتقاره للتجربة والنقص في الحرفية، للظروف التي حفت به طيلة 23 سنة، حيث كان عبارة عن جهاز دعاية للرئيس السابق وزوجته. اليوم يتداخل الكم الهائل من الحرية مع مقتضيات المسؤولية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية التي ليست بالضرورة مصلحة الحكم والمساهمة في انتقال ديمقراطي سلس بالإضافة إلى الحاجة الماسة للتكوين والتأهيل في مهنة الصحافة، وقد تم إنشاء هيئة عليا للاتصال بعد الثورة من مهامها المساهمة في إعادة صياغة المشهد الإعلامي ليكون إعلاما حرا يتكفل بإيصال المعلومة للمواطن كحق له ينقل الواقع السياسي ولا يخضع لسلطة السياسيين، وتبقى مشكلة المال السياسي في الإعلام من أمهات المشاكل، وما يمكن ملاحظته هو التوتر القائم بين وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة ولا يمكن إنكار أن ذلك يعود إلى خوف الإعلاميين من أن تعود هذه المؤسسات للسيطرة والتحكم إلى درجة الإفراط في معاداتها كما أن بعض مؤسسات الدولة في الإدارات والوزارات ما زالت تنظر للإعلام كخادم يقوم بالدعاية لما تقوم به هي ويتوقف عند ذلك.

وعلى كل حال في بلاد عربية لم نكن نعرف هذا السيل من الصحف والدوريات ولم يكن المواطن عندنا يشتري بمعدل صحيفتين أو ثلاثة أحيانا يتصفحها قبل القهوة، بحثا عن الحقيقة أو فضولا في متابعة الفضائح وأخبار الإثارة.