إيران: الأثرياء يتناولون آيس كريم مغطى بالذهب.. والفقراء يكافحون من أجل لقمة العيش

استياء شعبي من «الوعود الكاذبة» للثورة الإيرانية.. وسياسات نجاد أتت بنتائج عكسية

عاملة إيرانية تستعد لتقديم الآيس كريم في مطعم فاخر في برج «ميلاد» بطهران (واشنطن بوست)
TT

لم يكن الآيس كريم المغطى بالذهب جزءا من الصورة التي رسمها رجال الدين المسلمون الشيعة أثناء الثروة الإيرانية، حينما وعدوا برفع المستوى المعيشي للفقراء بتوزيع عائدات الدولة الضخمة من النفط بشكل متكافئ على مختلف قطاعات المجتمع.

لكن بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، أدرت عائدات النفط مليارات الدولارات، ويتمتع البعض هنا بحلوى الآيس كريم المغطى بالذهب التي تجسد التفاوت الطبقي الرهيب. المشكلة أن هناك مجموعة صغيرة من الإيرانيين الأثرياء. وعلى الرغم من الوعود التي قدمت في فترة الثورة، فإن الكثيرين هنا يقولون إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد اتسعت على نحو غير مسبوق.

لقد نجحت طبقة الأغنياء الجديدة في إيران في استغلال الفرص التي توفرها سوق محلية ضخمة، مدعومة في بعض الأحيان بالفساد والسياسات الحكومية المعيبة. وتشمل تلك الطبقة أبناء الأشخاص الذين تربطهم علاقات وثيقة ببعض الحكام في إيران، فضلا عن أسر أصحاب المصانع وهؤلاء الذين تمكنوا من الحصول على قروض ضخمة من بنوك الدولة بأسعار فائدة منخفضة.

كما لعب التأثير الهائل لمكاسب النفط - التي قدرت بنحو 500 مليار دولار على مدار الخمسة أعوام الماضية - دورا مهما أيضا في تشكيل تلك المجموعة الصغيرة التي يبدو من الواضح أنها تتمتع بتلك المكاسب.

ويتفق كل من مؤيدي ومعارضي الرئيس محمود أحمدي نجاد في الرأي على أن بعض هذه السياسات الاقتصادية الموضوعة بالأساس للقضاء على التفاوت الطبقي وعدم المساواة في حقيقة الأمر تزيد الطين بلة بالنسبة للكثيرين. وعلى الرغم من أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن الفجوة بين الأثرياء والفقراء في الجمهورية الإسلامية قد ظلت ثابتة على مر السنين، فإن مشاهد الأثرياء المتباهين بثرواتهم أثارت استياء كثير من الإيرانيين.

إن أفراد طبقة الأثرياء الجديدة يشترون سيارات موديل «بورش» وتوصل إليهم أطباق الكافيار في حفلات منتصف الليل ويتناولون آيس كريم مغطى بالذهب القابل للأكل سعر الواحد منه 250 دولار، في مطعم يعرف بكونه أغلى المطاعم في العالم.

ومن أعلى قمة برج ميلاد في طهران والذي يبلغ ارتفاعه 1.427 قدما، يتضاءل الفقراء الذين يملؤون الشوارع بالأسفل، بحيث يبدون وكأنهم مجرد نقاط صغيرة.

«نحن نوفر بيئة هادئة ومترفة، بعيدا عن المشكلات اليومية في طهران»، مثلما قال أحمد طالعي، أحد ملاك مطعم «كراون»، وهو يستقبل الضيوف في ركن كبار الشخصيات، الذي يسع لما يقرب من 300 شخص للتمتع بقوائم أطعمة بسعر محدد هو 280 دولارا، غير شامل سعر الآيس كريم المغطى بالذهب.

وكان عمال بناء يرتدون أحذية بالية يقفون عند مدخل المطعم في ظهيرة أحد الأيام القريبة في انتظار القيام بإصلاحات نهائية في المطعم، الذي افتتح في يونيو (حزيران)، بينما يتناول زوجان شابان يرتديان ملابس تحمل ماركات شهيرة القريدس المجلوب بطائرة من الخليج. وقال مالك المطعم: «مثلما يمكنك أن ترى، نحن نحاول إعادة إحياء الحكايات الخيالية التي اشتمل عليها الكتاب الأسطوري (ألف ليلة وليلة) هنا في طهران».

غير أن نمط الحياة المترف المناقض بشكل سافر للصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه الملايين من الإيرانيين العاديين، يقود إلى انتقادات حادة.

الإيرانيون الآن يكتبون خطابات مفتوحة يشكون فيها من زيادة التفاوت الطبقي وعدم المساواة. كتب المدون المحافظ البارز أمير حسين ثابتي الشهر الماضي أن ذلك التحول في سلوكيات الإيرانيين والذي يتجاهل بشكل متزايد الترشيد في الاستهلاك الذي نصحت به الثورة، يمثل تهديدا أكبر لآيديولوجية إيران منه للولايات المتحدة أو إسرائيل.

تساءل أمير قائلا: «كيف يمكننا مناقشة اللياقة والبساطة ودعم المظلومين والمقموعين في الوقت الذي لدينا فيه مثل هذه الثقافة المتمثلة في إظهار الثراء بتفاخر وتباه. «يا ويلتنا من أن يأتي اليوم الذي تتوقف فيه سياساتنا عن دعم المحتاجين، في الوقت الذي تميل فيه لكفة الأثرياء»، هكذا كتب، مقتبسا كلمات شهيرة لمؤسس الثورة الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني.

إن الاستياء العام من عدم المساواة له بعد سياسي قوي في إيران. فخلال حملتيه الانتخابيتين، هاجم أحمدي نجاد مجموعة من رجال الدين المؤثرين ممن هم على صلة بالرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، متهمهم باستغلال مناصبهم في جمع ثروات ضخمة. إلا أن بعض أقرب معاونيه متهمون أيضا بالفساد. وقد تركت تلك الاتهامات بالفساد انطباعا لدى أفراد الشعب الإيراني بأن كثيرين ممن يديرون الدولة لم يستطيعوا تجنب إغراءات استغلال الثروة النفطية الضخمة للاستخدام الشخصي.

ويرى الإيرانيون أن إقصاءهم من الطفرة الضخمة في عائدات البترول كان أحد العوامل المهمة التي تسببت في سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من الغرب، بحسب خبراء.

«كانت موجة الغضب من عدم المساواة الحافز الأساسي الذي دفع الناس للانضمام إلى ثورة 1979»، هذا ما قاله حسين راغفار، اقتصادي ترك مؤخرا وظيفته كمستشار لحكومة أحمدي نجاد بسبب معارضته لسياساتها، على حد قوله.

وأضاف: «لكن بمجرد أن زالت الغشاوة عن أعيننا، سرعان ما أبصرنا بوضوح أن ثمة تزاوجا بين السلطة والثروة في إيران. ونحن الآن لا نختلف عن الولايات المتحدة».

وعلى الرغم من أن أحمدي نجاد أعلن مؤخرا أن التفاوت الاجتماعي بدأ يتلاشى، فإن راغفار شكك في الإحصاءات الحكومية. وشدد أيضا على أنه، على وجه الخصوص في مجتمع يعتمد بشكل كبير على الآيديولوجيات، يشكل الإدراك أهمية كبيرة. وقال إن التقارير التي تشير إلى أن 2.5 مليون طفل يعملون بدلا من الانتظام في الدراسة، فضلا عن الزيادة في عمليات بيع الكلى - جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار عمليات بيع الأعضاء من 10.000 إلى 2.000 دولار، بسبب اتجاه عدد كبير من الأفراد لبيع أعضائهم لحاجتهم إلى المال - كلها أمور تؤكد للناس بشكل واضح أنهم متجهون نحو حالة من الفقر المدقع.

وأشار إلى أن الضغوط المالية الواقعة على كاهل المجتمع الإيراني يمكن رؤيتها في كل مكان. قال راغفار: «هناك زيادة في معدلات الجريمة والبغاء، فضلا عن وجود اقتصاد سري يقوم على الفساد». وأضاف: «صدقوني، لم يكن هذا ما توقعناه حينما شاركنا في الثورة».

وتمثل طريقة توزيع الثروة في الجمهورية الإسلامية مصدرا لزيادة مخاوف القادة الإيرانيين. وفي خطاب رئيسي له أثناء احتفالات العام الجديد في إيران في مارس (آذار)، حث القائد الأعلى آية الله علي خامنئي المسؤولين على اتخاذ رد فعل لمواجهة تلك الأزمة، مشيرا إلى أن التفاوت الطبقي وصل إلى درجة غير محتملة وعلى نحو يخالف تعاليم الإسلام.

وكان وعد أحمدي نجاد بترسيخ «العدالة الاجتماعية» الذي قدمه في حملته في عام 2005 أحد الأسباب الرئيسية وراء دعم خامنئي ترشحه للرئاسة. لكن، في الوقت الحالي، يشير بعض أنصار الرئيس إلى أن العديد من سياساته الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة أتت بنتائج عكسية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) أدخل أحمدي نجاد تغييرات جذرية على الطريقة التي توزع بها المعونات الحكومية. وأشار إلى أنه عن طريق منح المعونات بشكل مباشر للفقراء، يمكن ترسيخ العدالة الاجتماعية. غير أنه في الوقت نفسه سمح لأسعار الأطعمة والخدمات العامة بالارتفاع لتصل إلى مستويات السوق، في بعض الأوقات زادت بمقدار ثلاثة أضعاف أو أكثر.

والآن، يتلقى أكثر من 60 مليونا من مواطني إيران البالغ تعدادهم 70 مليون نسمة معونات شهرية قيمتها 40 دولارا، في الوقت الذي ارتفع فيه معدل التضخم ليصل إلى 26 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي، وفقا لأرقام صادرة في يوليو (تموز) عن البنك المركزي الإيراني.

وعلى الرغم من أن النظام لم يؤد إلى حالة الاضطراب التي توقعها كثيرون، فإن تبعاته بعيدة المدى لم تتضح معالمها بعد. لكن كثيرا من الإيرانيين يشعرون بضيق شديد.

ونشرت العديد من الصحف الحكومية خطابا مفتوحا نادرا في يونيو مرسلا من ربة منزل في إقليم بعيد، قالت إنها لم تعد تملك المال لإطعام أسرتها، إلى الرئيس أحمدي نجاد.

وقالت معصومة كمالي إنها أيدت الرئيس أحمدي نجاد لدعم الإصلاحات التي طرحها والتي اعتقدت أنها ستحسن أوضاع الفقراء في إيران وستقضي على التفاوت الطبقي وعدم المساواة. وجاء في خطابها: «لكن الآن، ارتفعت أسعار اللحوم بشكل فاحش إلى حد أنه بات لزاما علينا أن نلغيها من نظام حياتنا. سيدي الرئيس، لقد قصمت زيادة الأسعار ظهورنا».

ونشرت صحيفة «جمهوري إسلامي» الرسمية إلى جانب الخطاب مقالا رئيسيا جاء فيه أن الإيرانيين «سئموا من الوعود الكاذبة ومن ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر والبطالة والظلم».

في برج ميلاد، باستطاعة الإيرانيين العاديين شراء تذاكر قيمة الواحدة منها 20 دولارا لاستقلال المصعد للصعود إلى المرصد الرئيسي، الذي يطل على العاصمة، ومن خلال الزجاج المزدوج، يمكنهم إلقاء نظرة مقربة على ركن كبار الشخصيات بالمطعم.

وبداخل المطعم، كانت قائمة الأطعمة باهظة الأسعار مبعثا للفخر. «نحن نعمل بجد هنا»، هكذا قال طالعي بينما طلب من أحد الندلاء وصف الآيس كريم الذي يحتوي على قطع من الفضة القابلة للأكل وكافيار. وأضاف: «من حق الناس أن ينفقوا أموالهم بالطريقة التي يختارونها. إنه أمر لا يمت للسياسات بصلة على الإطلاق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»