مسؤولون أميركيون سابقون: واشنطن تتمهل في دعوة الأسد للرحيل لأنها لا تملك الأدوات اللازمة

TT

في مؤتمر صحافي يوم الخميس، تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون باستفاضة عن حملة القمع الوحشية التي تشنها الحكومة السورية على المحتجين، لكنها تحفظت عندما وجه لها صحافي سؤالا مباشرا عما إذا كان يجب على الرئيس السوري أن يترك السلطة. وقالت كلينتون: «أعتقد أنني قلت كل ما يمكنني أن أقول. أنتمي إلى مدرسة أن للأفعال صوتا أعلى من الأقوال». وأسهب البيت الأبيض ووزارة الخارجية في التعليق على الأحداث في سوريا في الأسابيع الأخيرة، بينما يصعد نظام الرئيس بشار الأسد جهوده لإخماد الانتفاضة. لكن واشنطن لم تطالب الأسد بأن يترك السلطة على الفور في دمشق، في تناقض واضح مع موقفها الذي تبنته مع حكام عرب مستبدين آخرين مثل المصري حسني مبارك الذي أطيح به في فبراير (شباط) والليبي معمر القذافي الذي لا يزال متشبثا بالسلطة. ويغلب الحذر على اللغة التي تستخدمها إدارة أوباما.

وتقول «رويترز» في تقرير لها: إن ذلك ترك بعض المراقبين يتساءلون عن موقف واشنطن الحقيقي من الأسد وبدد الآمال حاليا للمعارضة السورية الوليدة وسلط الضوء على أن الثورات العربية ليست متساوية على الأقل في حسابات صناع السياسة الأميركيين. ويقول محللون ومسؤولون أميركيون سابقون إن البيت الأبيض لم يطالب في واقع الأمر الأسد بالتنحي لأنه لا يمتلك وسيلة تحقيق مثل هذا الطلب. ولا تمتلك واشنطن التي تصارع أزمة مالية لا القوة العسكرية الفائضة للإطاحة بحكومة الأسد بالقوة ولا النفوذ الذي أعطته إياها في مصر سنوات من العلاقات العسكرية أو التحالف الدولي الذي أيد الضربات الجوية على دعائم سلطة القذافي.

وقال أندرو تابلر، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب عن سوريا سيطرح قريبا في الأسواق، في تصريح لـ«رويترز»: إن مطالبة زعيم بأن يرحل «تقال عندما يكون النظام على وشك الانهيار». وقال مسؤول أميركي سابق له علاقات وثيقة بالإدارة: إن مسؤولين داخل إدارة أوباما يؤيدون الموقف الحذر يجادلون بأنه «إذا قلنا إن على الأسد أن يرحل، وارتفع عدد القتلى، ألن ينظر إلينا على أننا ضعفاء حقا؟».

وأضاف المسؤول السابق الذي تحدث لـ«رويترز» وطلب عدم الكشف عن هويته: «في نهاية اليوم ماذا يمكننا أن نفعل؟ لن نقصفه». وشددت الإدارة الأميركية سياستها تجاه الأسد، خاصة منذ يوم الأحد الماضي، عندما حاصرت الدبابات السورية وقوات الأمن مدنية حماه فقتلت ما يصل إلى 300 شخص. لكنها فعلت ذلك على مدى الشهور الثلاثة الماضية في تصعيد محسوب للهجة الخطاب والعقوبات الاقتصادية. وفي خطاب كبير عن الشرق الأوسط في 19 مايو (أيار)، أشار الرئيس باراك أوباما إلى أنه لا يزال يرى بعض الأمل للزعيم السوري الذي حاول أن يخطب وده في وقت من الأوقات قائلا إن على الأسد أن «يقود انتقالا إلى الديمقراطية أو يفسح الطريق». لكن بعد شهر واحد ومع زيادة حدة الأزمة قال وزير الدفاع في ذلك الوقت روبرت غيتس إن شرعية الأسد «عرضة للتساؤل»، وبعد يومين فقط في 12 يونيو (حزيران)، أعلن البيت الأبيض أن شرعيته كزعيم تبددت بالفعل. بل إن البيت الأبيض اقترب أكثر من نقطة اللاعودة يوم الثلاثاء دون أن يصلها فعليا؛ حيث قال المتحدث جاي كارني: «سوريا ستكون أفضل حالا من دون الأسد».

كما تعد الإدارة عقوبات على قطاعي النفط والغاز في سوريا، اللذين قال تابلر إنهما يمثلان ما يتراوح بين ربع وثلث الدخل الحكومي. ويقول الخبراء إن مثل هذه العقوبات من غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير من دون مساهمة قوية من أوروبا التي تشتري أغلب صادرات الطاقة السورية. وعلى مستوى أعمق، يرجع تردد الإدارة في مطالبة الأسد بالرحيل، فيما يبدو، إلى الخوف مما قد يحدث بعد ذلك في دول مهمة من الناحية الجغرافية ويسكنها خليط عرقي وطائفي. ومما يعزز هذه المخاوف، على الأرجح، المشهد في ليبيا؛ حيث فشلت المعارضة التي دعمتها في البداية بعض الحكومات الأوروبية ثم الولايات المتحدة في الإطاحة بالقذافي، وهي الآن منقسمة إلى فصائل متشاحنة. وذلك كله يترك انطباعا بأن أوباما وكلينتون لا يعارضان بقاء الأسد إذا كان من الممكن بقاؤه لمجرد فترة قصيرة أخرى يجري خلالها ترتيب انتقال سلس للسلطة.

ويقول آخرون إن الدرس في ليبيا مختلف؛ حيث يظهر أنه إذا انتظر المجمع الدولي لفترة طويلة قبل التحرك، فإن ذلك يجلب الفوضى.