ميليباند.. معجب بأميركا جاءته فضيحة ميردوخ على طبق من ذهب

الزعيم اليساري البريطاني يعتبر روزفلت «رئيسه المفضل» بسبب محاربته الاحتكار

إد ميليباند
TT

لدى استقباله حشدا من الضيوف في مكتبه الواقع بجوار نهر التيمز، على مسافة قصيرة من مجلس العموم، سرعان ما يشرع إد ميليباند في تناول موضوع لا يبدو محتملا بالنسبة لسياسي بريطاني، وهو نادي «بوسطن ريد سوكس» ومعركته الحالية أمام «يانكيز» في قمة المسابقة، والأيام الخوالي الجميلة التي قضاها في الولايات المتحدة كنجل بروفسور زائر، حيث قضى الجزء الأكبر من صباه في فينواي بارك.

وأوضح ميليباند، زعيم حزب العمال، أن «البيسبول يأتي قطعا على رأس قائمة» الأمور التي تثير إعجابه حيال الولايات المتحدة، بجانب «الشعور العام بالتفاؤل وإمكانية تحقيق الأحلام». وقال إنه فيما وراء ذلك، يراود زائر الولايات المتحدة شعور بأنها «مجتمع منغلق» بدرجة أقل، وأنه «أقل تمسكا بالطبقية»، بجانب التقليد الذي يحرص سياسيون ومراسلون أميركيون على «الإبقاء على مسافة أكبر» بينهم عما هو شائع في عالم وستمنستر. وقال ميليباند: «شعرت دوما أن وطني في بريطانيا، لكنني أعشق أن أكون في أميركا».

من النادر أن يتحدث سياسي بريطاني، خاصة ممن ترتبط جذورهم بحزب العمال اليساري التقليدي مثل ميليباند، بمثل هذا الحماس العفوي عن الولايات المتحدة، خاصة على نحو يستدعي مقارنات غير إيجابية مع بريطانيا. إلا أنه خلال العطلة الصيفية لمجلس العموم، وهي نهاية أول دورة برلمانية لميليباند منذ انتخابه زعيما لحزب العمال الخريف الماضي، أصبحت إشاداته بالولايات المتحدة أكثر من مجرد لافتة طيبة لتحية الزائرين الأميركيين. وفي الوقت الحالي على الأقل، تحولت هذه الإشادات إلى معيار لروح جديدة تولدت عن الفوضى الناجمة عن موجة الجرائم التي وقعت داخل صالات تحرير صحف تابلويد بريطانية، وهي أكبر فضيحة من نوعها في بريطانيا منذ 50 عاما.

والملاحظ أن الضجة المثارة حول فضيحة «نيوز أوف ذي وورلد» وتداعياتها على إمبراطورية روبرت ميردوخ الإعلامية، وكذلك صحف منافسة متورطة في التنصت على الهواتف وتجاوزات أخرى، قد أحدثت تغييرا كبيرا في بريطانيا. كما أثارت الفضيحة تساؤلات عسيرة وخطيرة أمام رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وتمخضت عن تحول راديكالي في حظوظ ميليباند، 41 عاما، الذي بدا الربيع الماضي أن نجمه آخذ في الأفول سريعا.

على امتداد شهور، مني بالتراجع في جميع المنعطفات المهمة تقريبا داخل مجلس العموم أمام كاميرون، وهو سياسي بدا أنه يتميز بمهارات أرفع في المناقشة وعرض الآراء، وبدا أنه وجد أمامه هدفا يسيرا في ميليباند وأسلوب حديثه الذي يصفه بعض النقاد بأنه يخلو من روح الدعابة وأشبه بإلقاء محاضرات.

قبل فضيحة ميردوخ، كانت هناك شكوك حول قدرة ميليباند على الاستمرار لفترة طويلة في زعامة حزب العمال، وتنامت التكهنات بأنه في ظل قيادته سيبقى الحزب في صفوف المعارضة. وساد في أوساط المعلقين البريطانيين القول إن أعضاء الحزب أخطأوا باختيارهم ميليباند زعيما بدلا من شقيقه الأكبر الأكثر ميلا نحو تيار الوسط، ديفيد، وهو وزير خارجية سابق. ويرون أيضا أن الحزب أخطأ بسماحه بإملاء اختيار الزعيم عليه من خلال صوت كتلة تصويتية واحدة.

ومع تكشف فصول فضيحة التنصت على الهواتف الشهر الماضي، يبدو أن ميليباند وجد أخيرا الفرصة المناسبة، وتطلع بناظريه فيما وراء التجاوزات التي وقعت داخل عالم الصحافة البريطانية والسياسيين والشرطة، حيث رسم صورة التجاوزات باعتبارها مؤشرا على قصور أخلاقي عميق قوض نسيج المجتمع البريطاني. وقال خلال مقابلة أجريت معه داخل مكتبه مع انتهاء الدورة البرلمانية: «هذا الأمر يتعلق بنمط الدولة التي نرغب العيش فيها. في اعتقادي، هذه القضية ترتبط بقضايا أخرى عميقة تتعلق بطبيعة بريطانيا، وأين نقف كدولة، وما تنبئ به هذه القضية، بصورة ما، عنا جميعا».

يملك ميليباند ميزة يفتقر إليها كاميرون وهي أنه غير مضطر لشرح طبيعة صلاته الشخصية بعائلة ميردوخ وكبار المسؤولين التنفيذيين بإمبراطوريتهم الإعلامية، بمن في ذلك ريبيكا بروكس، الرئيسة التنفيذية للذراع البريطانية للإمبراطورية، «نيوز إنترناشونال»، وآندي كولسون، رئيس التحرير السابق لـ«نيوز أوف ذي وورلد»، الذي استعان به كاميرون كرئيس لشؤون الإعلام حتى اضطرته ضغوط التحقيقات التي تجريها الشرطة إلى الاستقالة.

إلا أن ميليباند يقر بأن حزب العمال ذاته كان بطيئا في مواجهة ميردوخ وحاشيته. وقبيل تفجر الفضيحة بكامل قوتها، حضر ميليباند حفلا صيفيا أقامه روبرت ميردوخ في لندن، والذي شكل لسنوات إحدى أبرز المناسبات في المدينة، وفشل ميليباند، باعترافه، في تناول المعلومات التي كانت قد تسربت بالفعل عن فضيحة التنصت على الهواتف.

وقال: «من الصعب على أي شخص أن يذهب لحضور حفل، ثم يقول: دعوني أسألكم عن مسألة تنصتكم على الهواتف. الحقيقة أننا أبدينا ترددا أكبر مما ينبغي إزاء الحديث علانية عن هذه القضية بسبب نفوذ نيوز إنترناشونال». لكنه أضاف أنه الآن «أعتقد أن اللعنة انتهت» لدرجة أن إعلانات التأييد المستقبلية لميردوخ، في أعقاب الفضيحة، ستكون بمثابة «سلاح ذي حدين»، من المحتمل أن يؤلم بقدر ما يفيد سياسيا.

وفي وصفه لفضيحة ميردوخ كعرض لظاهرة أوسع نطاقا تتمثل في «النأي عن المسؤولية» داخل بريطانيا - والتي تمتد في رأيه من مصرفيين مليونيرات قادوا البلاد نحو حافة كارثة مالية في السنوات السابقة لعام 2008 وصولا إلى سياسيين يستنزفون أموال الطبقة الفقيرة المعتمدة على أموال الرعاية الاجتماعية وبعض الأفراد الذين يرفضون العمل ويفضلون العيش على المساعدات العامة - وفي كل ما سبق يجد ميليباند تناقضا مع الولايات المتحدة.

زعيم حزب العمال هو نجل رالف ميليباند، مفكر ماركسي بارز، وكانت أول تجربة مباشرة له مع الولايات المتحدة عندما كان طفلا، خلال عمل والده في التدريس بجامعة برانديز وجامعة سيتي يونيفرسيتي بنيويورك. وفي سن الـ18، قبل أن يلتحق بجامعة أوكسفورد، عمل متدربا في مجلة «ذي نيشن» و«مكنيل/ليهرر نيوزأور» في نيويورك. وفي عام 2002، عمل لمدة 16 شهرا في وظيفة رفيعة المستوى كمستشار لغوردون براون، وزير الخزانة البريطانية آنذاك. وقام بتدريس دورة تدريبية بعنوان «ماذا تبقى؟» في جامعة هارفارد.

وتولد عن تاريخ أسرته وهم يهود بولنديون استقروا في بريطانيا هربا من المحارق النازية بحق اليهود، ومات جده لوالده، ديفيد كوزاك، في معسكر أوشفيتز، شعور عميق بالامتنان والارتباط ببريطانيا. إلا أن شعورا يراوده بأن هناك الكثير من الدروس التي يمكن لبريطانيا تعلمها من الولايات المتحدة التي يعتبرها مجتمعا أكثر انفتاحا وتنافسية متناقضا مع الطبقية والتوجهات المحافظة المنغلقة التي يرى أنها سائدة ببريطانيا. أما رئيسه المفضل فهو ثيودور روزفلت، خاصة لسياسة محاربة الاحتكار التي اتبعها.

وعن ذلك، قال ميليباند: «هذا أمر تحدث عنه تيدي روزفلت كثيرا، وهو كيفية التعامل مع تركز القوة. وحسب فهمي لهذه القوانين فإنها لا تسمح بنمط الملكية الإعلامية الضخمة التي يحظى بها روبرت ميردوخ هنا»، حيث يسيطر على 40% من قراء الصحف، ويهيمن على سوق القنوات التلفزيونية المرتبطة بالقمر الصناعي في بريطانيا عبر حصته المهيمنة داخل «بريتيش سكاي برودكاستنغ». وقال ميليباند: «حجم الملكية الذي يتمتع به روبرت ميردوخ غير صحي لبريطانيا، ومن بين الأمور التي تغيرت خلال الأسابيع الماضية أن الناس أصبحوا مستعدين لإعلان ذلك الآن».

وبالنسبة لإمكاناته المستقبلية، يبدو ميليباند حذرا. وقال: «قرية وستمنستر أشبه بعالم يتألف من اللونين الأبيض والأسود، فأنت إما تتصرف على نحو كارثي أو أنك بطل. والفجوة الفاصلة بين البطولة والكارثة ضيقة للغاية».

إلا أنه بعد الإشادة التي نالها عن أدائه السياسي خلال الشهر الماضي، هل يشعر بالثقة من قدرة حزب العمال على الفوز في الانتخابات المقبلة، المتوقع إجراؤها عام 2015؟. وعن ذلك، قال: «ما يزال أمامنا طريق طويل. لقد خسرنا انتخابات منذ عام فقط، ومهمتنا الأولى أن نكون معارضة جديرة بالاحترام». وأضاف: «لكن علينا أيضا أن نكشف للناس أننا فهمنا بعض الأسباب وراء نبذهم لنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»