الجيش السوري يسد آخر منافذ الهروب من حماه ويحكم قبضته على المدينة

شهادات فارين من حماه: ما يحدث يفوق الوصف.. وحليب الأطفال نفد

TT

أغلق الجيش السوري، أمس، آخر منفذ كان يهرب منه أهالي حماه، وهو الطريق القديم تحت الجسر المؤدي إلى منطقة الضاهرية، بحسب ما قالت مصادر محلية صباح أمس. وأضافت المصادر أن هناك دبابتين تركزتا على المدخل، وأقيم حاجز عسكري يمنع العبور منه.

وكان السائقون من أهالي حماه يستخدمون هذا المنفذ لتهريب العائلات من المدينة المحاصرة، خلال الأيام الأربعة السابقة. وقالت المصادر إنها فقدت الاتصال مع أحد السائقين الذي كان ينقل أخبار ما يجري داخل المدينة. وعن الأوضاع في المدينة، وصفتها المصادر بأنها «مأساوية للغاية».

وحسب ما كان يرد من معلومات حتى فجر السبت، فإن الكهرباء عادت في بعض المناطق في ساعة متأخرة من ليل الجمعة، في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وبقيت لعدة ساعات فقط ومن ثم عادت للانقطاع. ونقلت المصادر عن سكان في حماه تقديرهم عدد القتلى بالمئات خلال الأيام الأربعة الماضية، وأن هناك سيارات في شارع الأربع نواعير فيها ركاب تعرضت للقصف ولا يعلم شيء عن وضعهم. وأضافت أن هناك جثثا تحت جسر المزارب ولا أحد يتمكن من الاقتراب منها بسبب تمركز الدبابات والجيش فوق الجسر واستهداف كل من يتحرك.

وتحدثت المصادر عن استمرار تقطع أوصال المدينة بالدبابات والمدرعات والحواجز العسكرية، مع وجود قوائم اعتقال مع الجيش، مشيرة إلى أن الاعتقال بدأ على القوائم من يوم الأربعاء الماضي عصرا وتم إحكام السيطرة على كل منافذ المدينة. وتضيف المصادر أن الجيش منع وصول مساعدات من القرى والمدن المجاورة لمدينة حماه، وتم نهب حمولة السيارات من خضار وخبز. وبعد أربعة أيام من الحصار وقطع المياه والكهرباء فسد الطعام في الثلاجات ونفد الخبز، والمياه بدأت تنفد من الخزانات، كما انقطع حليب الأطفال، إضافة إلى أن معظم الصيدليات إما مدمرة أو مغلقة.

ويؤكد أولئك الذين تمكنوا من الفرار من حماه الرواية السابقة، ويتحدثون عن الوضع المأساوي لمدينتهم، ويقولون إن ما يحدث في حماه «يفوق الوصف» بحسب شهادات حية من أهالي المدينة التي تواردت على صفحات الثورة السورية على «فيس بوك».

فجاء على بعض منها كصفحة «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية» شهادة من أحد الشباب استطاع الخروج من حماه، حيث يروي أن حماه الآن محتلة من قبل الجيش بشكل كامل، وآخر منفذ كان يهرب منه أهالي حماه وهو الطريق القديم تحت الجسر المؤدي للضاهرية قد سيطرت عليه دبابتان صباح أمس، موضحا أن الكهرباء عادت مساء الجمعة في بعض المناطق بحدود الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وبقيت لعدة ساعات فقط ومن ثم انقطعت ولا تزال مستمرة في انقطاعها. وأضاف الشاب الذي استطاع الهروب ضمن عشرات آخرين: «عدد الشهداء بالمئات ويوجد عدد كبير من السيارات في شارع الأربع نواعير مليئة بالركاب قد قتلوا وقصفوا من قبل الجيش ولا نعلم من كم يوم هم ميتون، الجثث تحت جسر المزارب وبالقرب منه رأيت الكلاب تنهشها فلا يمكن لأحد أن يسحب تلك الجثث بسبب تمركز الدبابات والجيش فوق الجسر واستهداف كل من يتحرك».

ويستطرد: «توجد امرأة بيتها مقابل لجسر المزارب لها 4 أطفال وفي أول يوم للقصف والاجتياح هربت بطفلين عندما سمعت صوت القصف، وعندما عادت لتنقذ الاثنين الآخرين كانا قد قتلا نتيجة القصف بالمدافع الرشاشة على شقتها».

ويقول الشاب إنه «لا توجد حديقة أو أرض عارية إلا وفيها شهداء، وإن أوصال المدينة مقطعة بالدبابات والمدرعات مع وجود قوائم اعتقال مع الجيش، وما زالت المياه مقطوعة بالكامل مع انقطاع تام لكل أشكال الاتصال»، مضيفا: «حركة النزوح الآن شبه معدومة، فحماه لم يبق من سكانها سوى 5 في المائة فقط علاوة على إحكام السيطرة على كل منافذ الهروب من قبل الجيش، والوضع الإنساني سيئ جدا، فالطعام في الثلاجات فسد وانعدام مادة الخبز والماء في خزانات البيوت بدأ ينفد، ولا يوجد حليب للأطفال حيث إن معظم الصيدليات قد تم تدميرها من قبل الجيش وسرقة محتوياتها».

وبرزت من خلال تعليقات أعضاء صفحة شبكة حماه (H.N.N)، التي تعنى بجمع ونشر جميع المعلومات الواردة من مدينة حماه، قول أحد الفارين من المدينة قبل يومين إنه خرج منها بواسطة طريق رملي لأن القصف يكون باتجاه أي فرد يمشي في الشارع. وأضاف: «عمارتنا ما كان فيها إلا أنا، نصف عمارات حماه مضروب عليها برصاص، وفي عمارات بالقصور نزلت على الأرض».

إلى ذلك، قال المعارض السوري البارز ياسين حاج صالح، تعقيبا على هذه الشهادات، إن ما يحدث في حماه هو «إعلان حرب على الشعب السوري»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «إنها محاولة مستميتة من النظام لتقطيع البؤر الاحتجاجية الأكثر نشاطا، كذا محاولة لتذكير الشعب السوري بما حدث في حماه عام 1982». وتابع حاج صالح «أن ما حدث قبل 29 عاما في حماه ضمن للنظام السوري الاستقرار لثلاثة عقود لاحقة عبر بث الرعب وخلق جدار عال من الخوف في قلوب السوريين عبر الاستخدام المفرط للقوة»، مضيفا: «اليوم يحاول النظام فعل الشيء نفسه وبالوسيلة نفسها». واستبعد حاج صالح، الذي قدر عدد القتلى في حماه بما يزيد على 300 قتيل، أن يصل الوضع الحالي إلى حد وضع حماه عام 1982، حيث قال: «النظام أصلا يفتقد للإبداع وللتفكير السياسي الخلاق، فهو يريد أن يكسب نفس المعركة بالطريقة ذاتها مرتين.. وهذا مستحيل».

وتابع حاج صالح: «هناك متغيرات كثيرة في المشهد الآن، أولها أن البؤر الاحتجاجية اليوم متعددة ومنتشرة على كل التراب السوري، ثانيها، أن العالم كله يشاهد ما يحدث اليوم عكس ما حدث عام 1982 عندما ذبح الأسد الأهالي في الظلام». وتابع حاج صالح قائلا «الأكثر أهمية أن القضية السورية اليوم أكثر عدالة وإقناعا للعالم، فليس هناك أي أبعاد آيديولوجية أو دينية وراء ما يحدث، فالاحتجاجات خرجت تطالب بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وهي الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الكريمة عالميا بالأساس».