الإعلام الرسمي يدعي « انقاذ حماه».. ويتجاهل ذكر القتلى من المدنيين

المعارض لؤي حسين: العصابات المسلحة التابعة للحكومة تجوب الشوارع.. لا لشيء سوى الأخذ بالثأر

آثار القصف في حماه
TT

بثت وسائل الإعلام الإخبارية الحكومية في سوريا صورا صارخة للدمار الذي حل بمدينة حماه المحاصرة، للمرة الأولى يوم الجمعة، تظهر مباني محترقة ومتاريس مؤقتة وشوارع مهجورة تكسوها الأنقاض التي بدت وكأنها تظهر أن القوات الحكومية قد قمعت انتفاضة في المدينة. وكانت الصور بما لا يدع مجالا للشك لمدينة حماه، رابع أكبر مدينة سورية وبؤرة الانتفاضة التي بدأت منذ خمسة أشهر وتركت قيادة الرئيس بشار الأسد في حالة عزلة وضعف. وتشير الصور إلى أن الجيش قد أعاد إحكام قبضته على مدينة انتزعت نفسها لفترة قصيرة من أربعة عقود من الحكم الاستبدادي لأسرة الأسد وتمتعت بقدر غير مسبوق من الحرية.

وتصور التقارير التي يبثها التلفزيون السوري ووكالة «سانا» الإخبارية الرسمية الجيش بوصفه منقذ مدينة حماه. ويبدو الهدف من الأخبار هو التأكيد على رسالة القيادة إلى المعارضين الداخليين والتي مفادها أنها تعتبرهم عصابات من المتمردين المسلحين المدعومين من قوى خارجية معادية، وأنه سيتم التعامل معهم بالصورة الملائمة. غير أن المشاهد التي بثها التلفزيون للدمار الذي حل بحماه أوضحت أيضا بشكل ضمني أن العنف هناك أكثر خطورة بدرجة كبيرة من الصورة التي تصر حكومة الأسد على نقلها حتى الآن.

كما جسدت أيضا إرثا من الأعمال الهجومية الوحشية. كانت حماه تنعم بالسلام بشكل ملحوظ بعد انسحاب قوات الأمن في يونيو (حزيران). ولم تندلع أعمال العنف بها إلا عندما بدأت الحكومة، مدفوعة بخوفها من الزخم الذي يحتمل أن تزود به المدينة الانتفاضة، في هجومها الوحشي على المدينة يوم الأحد. وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين يصرون على أن المتظاهرين كانوا مسلحين، فإنه لم ير أي سلاح في الشوارع في زيارة أجريت مؤخرا للمدينة، بحسب رواية أكدها دبلوماسيون أثناء زياراتهم للمدينة. وتم إنشاء متاريس ولكن فقط للحيلولة دون عودة القوات العسكرية وقوات الأمن.

«نحن نعيش الآن، ولكن لا نعرف ماذا سيجري لنا غدا»، قال أحد سكان حماه، ذكر أن اسمه فادي، في مكالمة عبر الهاتف. وأضاف: «الموقف الإنساني يزداد سوءا يوما بعد يوم».

وتناول المسؤولون الحكوميون أحداث العنف في حماه بصورة مختلفة تماما، من خلال تقارير واردة من دمشق العاصمة، بدت بعيدة تماما عن الحقيقة. «وحدات الجيش العربي السوري تعمل من أجل إعادة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية لحماه بعد ارتكاب جماعات إرهابية مسلحة أعمال تخريب وحوادث قتل بإنشاء متاريس وقطع الطرق ومهاجمة محطات الشرطة وحرقها، باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة»، هذا ما جاء في خبر أذاعته وكالة أنباء «سانا» عن العنف في حماه.

وتشير التقارير السورية أيضا إلى أن 20 جنديا على الأقل لقوا مصرعهم إبان هذه الأحداث، ولكنها لم تنشر أخبارا عن إصابات المدنيين. وقد ذكرت مجموعات نشطاء تنقل أخبارا من حماه - مصدر معظم المعلومات عن حالة الدمار هناك منذ بداية حصار القوات السورية المدينة نهاية الأسبوع الماضي - أن 200 مدني على الأقل قد لقوا مصرعهم جراء القصف من قبل قوات الجيش والقناصة. وقد أشاروا إلى وقوع سلسلة جديدة من أعمال القصف يوم الجمعة.

وذكر الساكن الذي تم الاتصال به هاتفيا أن 200 دبابة قد دخلت المدينة قبل الفجر وأن قوات الأمن كانت تمنع السكان من التجمع في مساجد المدينة.

«لقد تخلت الحكومة عن مسؤولياتها وتركت كل شيء في أيدي قوات الأمن»، قال لؤي حسين، أحد أبرز رموز المعارضة في دمشق. وأضاف: «لقد فقدوا صوابهم. إنهم يتصرفون من دون أي هدف استراتيجي أو سياسي. العصابات المسلحة التابعة للحكومة تجوب الشوارع، لا لشيء سوى الأخذ بالثأر».

ومع زيادة الحكومة أعمال القمع الوحشية في حماه بدت قوات الجيش والأمن وكأنها تستعد لشن هجوم آخر على دير الزور، المدينة الواقعة شرق سوريا، التي تقطنها عشائر مخلصة استمد منها المتظاهرون قوتهم طوال الشهر الماضي. وقصفت تلك القوى المدينة بشكل متواصل من عشية الخميس إلى صباح يوم الجمعة، بحسب قول سكانها.

وقال ناشط في دير الزور ذكر أن اسمه طارق إن آلاف الضباط ومئات الدبابات والعربات المصفحة كانت تحاول تقسيم المدينة إلى أجزاء صغيرة، وهو الأسلوب الذي اتبعه الجيش في أماكن أخرى. وقال إن المتظاهرين ما زالوا محتشدين في بعض الميادين. «نحن نحاول إغلاق الطرق»، قال أحد السكان، وهو يعمل بقالا وذكر أن اسمه محمد. وأشار إلى أن عدد المتظاهرين يوم الجمعة بلغ عشرات الآلاف، وقال إن المتظاهرين كانوا يرددون: «لا نريد الجيش داخل مدننا». وأشار بعض السكان الآخرين الذين تم الوصول إليهم عبر الهاتف إلى نقص الغذاء والماء.

وقد زادت عمليات الانشقاق داخل الجيش السوري منذ أسابيع، خصوصا في دير الزور، ولكن يبدو أنها لم تصل إلى المستوى الذي يهدد سيطرة الأسد على الجهاز الأمني.

وخرج سوريون في أماكن أخرى إلى الشوارع بعد أول صلاة جمعة في شهر رمضان المعظم في تحدٍّ آخر جريء لقمع الحكومة السورية. وأشار النشطاء إلى أن عشرات الآلاف من المتظاهرين انضموا إلى المسيرات في شوارع الكثير من المدن السورية، من بينها درعا في الجنوب، وحمص ثانية كبرى المدن السورية.

وذكرت لجان التنسيق المحلية، مجموعة من اللجان سعت لتنظيم المظاهرات وتسجيلها، أن قوات الأمن قتلت 14 شخصا يوم الجمعة، من بينهم 11 في ضواحي دمشق المهتاجة واثنان في حمص وشخص واحد في درعا، حيث بدأت الانتفاضة في مارس (آذار).

وفي بعض المظاهرات ردد المتظاهرون هتافات تدعم حماه، المدينة التي تثير ذكريات أليمة، خصوصا في نفوس السوريين. ففي عام 1982 أمر حافظ الأسد، والد بشار، الجيش بقمع الانتفاضة الإسلامية هناك، مما أودى بحياة 10 آلاف شخص وربما أكثر. والآن ليس باستطاعة الصحافيين تغطية الأحداث هناك، مما أعمى أعين العالم كله عن حقيقة العنف الدائر في حماه.

وأتت التغطية الإعلامية الإخبارية السورية لما يحدث في المدينة مع إعلان النشطاء عن سلسلة جديدة من أعمال القصف في المدينة طوال الليل، التي قالوا إنها تحول دون دخول المعونات الغذائية والطبية إلى المناطق السكنية، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة نقص الإمدادات ويزيد من حدة المخاوف بين الكثيرين من احتمال ارتفاع معدل الوفيات هناك إلى مستوى مخيف.

ومكنت الاتصالات عبر الأقمار الصناعية إحدى القنوات القليلة المتبقية من الحصول على معلومات عن المدينة المحاصرة، مع أن بعض النشطاء ذكروا أن الحكومة تتدخل في الاتصالات عبر الأقمار الصناعية بالمثل.

وقال وسام طريف الناشط الحقوقي إنه تحدث مع طبيب في حماه أخبره أن الإصابات هناك قد ازدادت بشكل ملحوظ منذ يوم الخميس. وقال الطبيب إنه وزملاءه يحاولون تحديد أولويات للتعامل مع حالات الإصابة والوفيات نظرا لمواجهتهم مشكلة النقص في الإمدادات والأجهزة الطبية. وقال طريف: «كل الموارد قد نفدت في المدينة». وأشار إلى الخبز والغذاء ولبن الأطفال والماء، على سبيل المثال لا الحصر.

وقد زادت حدة الإدانة الدولية للأسد بسبب القمع في سوريا، مع انتقادات حادة من أقوى حليفين لسوريا، وهما تركيا وروسيا. وفي واشنطن اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يوم الخميس القيادة السورية بتحمل المسؤولية عن مقتل ما يزيد عن 2000 سوري منذ بدء الانتفاضة بمختلف أنحاء سوريا، وأكدت على موقف إدارة أوباما الممثل في أن الأسد «قد فقد تماما شرعية حكمه للشعب السوري».

كما وسعت إدارة أوباما نطاق عقوباتها الجزائية يوم الخميس ضد مسؤولين سوريين رفيعي المستوى، بحيث تشمل أمين أسرار أسرة الأسد وأحد كبار رجال الأعمال السوريين، محمد حمشو، وهو عضو في البرلمان السوري، وعلى مجموعة الشركات التي يملكها «مجموعة حمشو الدولية». وتقضي تلك العقوبات بتجميد أي أصول لحمشو بموجب القانون الأميركي وتمنع الأميركيين من التعامل مع أية شركة من شركات حمشو.

* خدمة «نيويورك تايمز»