أهالي سيدي بوزيد يزيلون صورة بوعزيزي احتجاجا على رحيل عائلته عن المدينة

المرارة فيها يقابلها تفاؤل مشوب بالحذر في مناطق أخرى بشأن تحقيق أهداف الثورة

TT

تباينت التفسيرات حول السبب الذي من أجله أزيلت صورة أبرز شهداء الثورة التونسية، محمد بوعزيزي، من مكانها على قمة تمثال ذهبي متلألئ في الشارع الذي أشعل فيه النيران في نفسه، ليلهب بذلك موسم الثورات عبر العالم العربي، فقال لي أحدهم، إن من قام بذلك أحد أفراد الثورة المضادة، بينما قال لي آخر، إن المطر هو الذي جرفها.

يقول جيران بوعزيزي، إنها أزيلت اشمئزازا، قبل عدة أسابيع عندما غادرت والدة بوعزيزي وعمه وإخوته مدينه سيدي بوزيد، الأمر الذي اعتبره جيرانهم خيانة. كان الغضب ناجما عن إشاعات قالت، إن العائلة قبلت مبلغا كبيرا من المال لتنتقل إلى فيللا في تونس. لكن الأهم من ذلك أنهم كانوا غاضبين، لأن الثورة انتهت وعادوا إلى ما كانوا عليه من قبل، ودخلوا في طي النسيان بلا عمل أو مال أو أمل.

ويقول سيف عمري (18 عاما)، جار عائلة بوعزيزي، والذي تحدث عن والدة الشهيد منوبية بوعزيزي: «لقد تركتنا ولم يتغير شيء».

الهجوم على الابن المحبوب للمدينة لا ينم سوى عن شعور عميق بالإحباط ينتاب مدينة سيدي بوزيد. يرى غالبية سكان المدينة أن هذا الغضب كان في غير محله وألقوا باللائمة على التباطؤ الذي يعتري الحكومة الانتقالية في معالجة إحدى شكاوى الثورة الرئيسية (بطالة الشباب)، خاصة هنا في مدن وسط تونس، حيث بدأت الانتفاضة.

المرارة هنا يقابلها تفاؤل مشوب بالحذر في مناطق أخرى في تونس بشأن تحقيق أهداف الثورة، ويهدد بتقويض المكاسب، حيث شهدت الشهور القليلة الماضية الكثير من الصدامات بشأن الوظائف أدت إلى حوادث عنف مميتة.

ويقول المحللون، إن رد الحكومة كان غير كاف. وأكدوا أن بعض الوزراء يعارضون إقامة مشاريع حكومية واسعة النطاق يمكن أن توفر الكثير من الوظائف قصيرة المدى، والانتظار بدلا من ذلك في السوق لتصحيح المشكلات.

ويقول منجي بوغزالة، أستاذ الاقتصاد في جامعة تونس: «لم يعد هناك ما يكفي لتقديمه أو عرضه. البرامج القليلة التي تم طرحها جاءت متأخرة أو غير كافية. وقد توقع الكثير من الأفراد تحقيق شيء في الحال. وتوقعوا بعد القيام بهذه الخطوة الثورية انتعاش سوق العمل». وأضاف: «الشاب الصغير الذي يقول: أنا أريد وظيفة، لقد ضقت ذرعا من التهميش. هذا أمر لا يمكن لأي أحد احتماله، لا يكترث ما إذا كان ذلك خطأ الحكومة أم السوق». في تونس، كما هو الحال في مصر، تحطم التفاؤل الذي غذته الانتفاضة الشعبية على صخرة الحقيقة الباردة من إمكانية أن تشهد الحياة تطورا سريعا، ففي الكثير من المجالات لا تزال الأوضاع أكثر صعوبة في ظل الركود الاقتصادي ونضال قادة الحكومات المؤقتة لبناء نظام جديد. كانت البطالة مرتفعة في تونس حتى قبل الثورة، حيث وصلت إلى ما يقرب من 30 في المائة في المدن الرئيسة وأكثر من 40 في المائة في المدن الشبيهة بمدينة سيدي بوزيد، لكن الاقتصاد التونسي تضرر بشكل كبير خلال الشهور التي تلت الانتفاضة، ولا يتوقع أن تسفر سوى عن نمو متواضع للغاية العام الحالي.

من ناحية أخرى، زاد توقف السياحة ومشكلة اللاجئين الفارين من ليبيا من سوء الوضع المالي للدولة ومشكلات سوق العمل. وشهدت الأسابيع الأخيرة ظهورا متكررا لرئيس الوزراء التونسي الباجي قائد السبسي تحدث خلالها عن بطالة 700 ألف شاب، يمثلون أكثر من 15 في المائة من القوة العاملة، من بينهم 170 ألفا من خريجي الجامعات. وقال السبسي، إن برامج الحكومة الجديدة يمكنها توفير 60 ألف فرصة عمل، لكنه اعترف بأنه لن يكون هناك إصلاح سريع جاذب للاهتمام سوى بتركيز رجال الأعمال والمستثمرين على المناطق الداخلية المحرومة في تونس.

* خدمة «نيويورك تايمز»